مثلما يحفظ العقد القانوني للطرفين حقوقهم ويشترط الالتزام به وعدم نقضه، فكلام المرشح يحمل الصفة العقدية والشرعية مع الناخب مع فارق انه ابرم بصيغة شفهية، تجعل الطرف الأول أي المرشح امام مسؤولية الإيفاء بالوعد وتجديد الثقة مع المواطنين في الوقت الذي تآكلت فيه هذه الثقة وتلاشت بصورة شبه نهائية...
مثلما يحفظ العقد القانوني للطرفين حقوقهم ويشترط الالتزام به وعدم نقضه، فكلام المرشح يحمل الصفة العقدية والشرعية مع الناخب مع فارق انه ابرم بصيغة شفهية، تجعل الطرف الأول أي المرشح امام مسؤولية الإيفاء بالوعد وتجديد الثقة مع المواطنين في الوقت الذي تآكلت فيه هذه الثقة وتلاشت بصورة شبه نهائية.
جزء كبير من مهام المرشحين الحالين الذين يزمعون خوض الانتخابات القادمة هو ردم الفجوة التي اتسعت في السنوات الأخيرة بين المسؤولين والمواطنين، فلا توجد نقطة التقاء فيما بينهم، السياسي في واد والمواطن في واد آخر، تهدمت جميع الجسور بين الجانبين.
اذ صار ينظر الى السياسي على انه شخص انتهازي يحاول استثمار الفرص والصعود على اكتاف الناخبين وصولا الى المجالس المحلية او البرلمان، بينما تبقى مسألة ترميم الثقة المتصدعة بعيدة عن أولويات المرشح، ولا يزال يطلق التصريحات ويعطي الوعود الخيالية.
التصريحات الصادرة من المرشحين بمجملها خالية من الواقعية، مفتقرة الى الانسجام مع إمكانيات المرشح، في حال وصوله الى موقع السلطة، وهنا يتحتم عليه التصرف بشكل متوازن بما لا يجعله مختل او فاقد للثقة من وجهة نظر ناخبيه، فذاكرتهم لا تزال تختزن بالتصريحات الرنانة التي تعد فيما بعد ادانات توجه اليه من الجمهور.
كثيرة هي التساؤلات التي يمكن طرحها في هذا الغضون، أولها ما الذي يجعل المرشحين يكذبون او يوعدون بما لا يتمكنون من تحقيقه؟، اما التساؤل الآخر فهو إذا كان المرشحين واعين لما حصل مع من سبقوهم، فلماذا يسلكون نفس الطرق الملتوية التي تنتهي بانهيار كامل للثقة مع المواطن؟
وقد نقترب من معالم الإجابة الحقيقية على هذه التساؤلات حين القول ان المرشحين يتعكزون في حملاتهم الانتخابية وجولاتهم الدورية على جهل الناخب أولا، وحاجته الماسة الى الخدمات بمختلف أنواعها ثانيا، لذا فهم يواصلون تزييف الحقائق عبر تزويق برامجهم الانتخابية ومنحها صفة واقعية.
ترميم الثقة او إعادتها الى سابق عهدها مع عامة الجمهور لا يتم بهذه الطريقة الكلاسيكية التي خبرها الغالبية، وباتت من المسلمات التي لا تصدق كما في السنوات السابقة، الى جانب كل ما يتعلق بالشؤون السياسية الأخرى التي عادة ما تنتهي بجميع الوعود بالتلاشي وعدم التحقق.
وفي الوقت الذي تصاعدت فيه الادانات للممارسات السياسية الخاطئة، يسعى الأغلبية من المرشحين الى الانسلاخ او التخلي عن ماضي احزابهم او الحركات التي يأملون ان تكون شفيعا لهم والفوز بمقعد في الحكومة المحلية التي تعتبر البوابة الأولية للوصول الى مجلس النواب.
ومع ما تبذله الأحزاب عبر أذرعها من المرشحين من جهود مضنية لكسب الثقة مجددا، معتمدة لتحقيق ذلك على الدعاية الإعلامية وتعظيم المنجز الفقير الذي لا يستحق كل هذه الهالة، تبقى الدعاية قاصرة عن إقناع شريحة واسعة بالثقة النسبية التي تمكنهم من الاختيار المقترن بنظرة الناخب الضيقة.
وقد تضغط بهذا الاتجاه جميع النخب السياسية بما يشكل ضغطا كبيرا على المواطن، وفي العادة ينتهي الى أسوأ الاحتمالات وهو اما مقاطعة الانتخابات او اختيار السيئ الذي لا يملك عقلية سياسية تحقق وعودها على ارض الواقع، وهنا يكون الناخب حصل على نصيبه من الحرية الوهمية.
إخلال المرشح ببنود الاتفاق يحكم على مبدأ الثقة بالنسف المطلق، وهو ما حصل في السنوات الماضية ويمكن ان يحصل في الايام القادمة، لاسيما وان الساحة السياسية خالية من المرشحين الواثقين من أنفسهم والقادرين على التمسك بمواثيقهم، ويبقى ذلك امر غير ثابت مرهون بجدية المتقدمين الجدد وحرصهم على تحسين الصورة المشوهة او الاستمرار بتلطيخها بما يجعل ترميم الثقة امر مستحيل.
اضف تعليق