عندما نتحدث عن الطاقات الايجابية المودعة في نفس الانسان، والقادرة على فعل المستحيلات، ينبغي بموازاته، تسليط الضوء على عوامل التحفيز والاستثمار، فمن المعروف أن لا أحد محروماً من هذه الطاقات، لاسيما العضلية منها والذهنية، إنما يحتاج الأمر الى مفتاح لتخرج الى مسرح الحياة فتكون سبباً للابداع والانتاج والاسهام في التغيير نحو الأفضل...
"ليس الإيمان بالتحلّي ولا بالتمني ولكن الايمان ما خلص في القلوب وصدقته الاعمال".
الامام الصادق، عليه السلام
عندما نتحدث عن الطاقات الايجابية المودعة في نفس الانسان، والقادرة على فعل المستحيلات، ينبغي بموازاته، تسليط الضوء على عوامل التحفيز والاستثمار، فمن المعروف أن لا أحد محروماً من هذه الطاقات، لاسيما العضلية منها والذهنية، إنما يحتاج الأمر الى مفتاح لتخرج الى مسرح الحياة فتكون سبباً للابداع والانتاج والاسهام في التغيير نحو الأفضل.
الأمل والرؤية الواقعية
من الطبيعي الاندفاع نحو تحقيق التغيير في الواقع الخارجي لاثبات الذات، أو الإسهام في مشروع جماعي، وهذا ينطبق –في كثير من الاحيان- على مساريّ الطاقات في الانسان؛ الايجابية والسلبية، مع الفارق أن الطاقات السلبية تتجاهل الواقع وتفرض نفسها بالقوة، بينما الايجابية المنبعثة من صميم الفطرة البشرية، ناظرة الى الواقع، آخذة بنظر الاعتبار الظروف الموضوعية، لان ببساطة؛ هي ترمي الى تحويل هذا الواقع؛ من واقع سيئ و مزري الى واقع أفضل، لذا فان العلاقة بين الأمل والرؤية الواقعية، أراها علاقة عضوية.
فالأمل يكون فاعلاً عندما يقترن بالتخطيط والبرمجة والتنظيم، فيكون من السهل مواجهة كارثة صحية مهولة كالتي جربها العالم عام 2019 بتعرضه لاجتياح فايروس "كورونا" المستجد والمتحور، والذي حصد أرواح الملايين من البشر، وكذا الحال بالنسبة للكوارث الطبيعية، وحتى في مشاريع التنمية الاقتصادية.
من خلال هذا المسار العقلاني تنكشف حقائق كثيرة عندما يكون الجميع على المحك، فتتضح المكنونات البشرية، و يكون بالامكان المضي قدماً نحو النجاح بخطى ثابتة ومعرفة دقيقة بحجم القدرات الموجودة.
ولعل القرآن الكريم يكون أروع من جسّد العلاقة بين الأمل بالنجاح والانتصار والواقع، ففي آيات عديدة من عدة سور قرآنية ثمة تذكير بأن الأمل مقرونٌ بالضرورة بالنظر الى الواقع الاجتماعي –تحديداً- لاسيما في حالة البحث عن سبل النجاة من الظلم والطغيان والاستضعاف، فيأتي الخطاب السماوي واضحاً: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}، فالأمل هنا لن يكون صادقاً إلا اذا اقترن بإصلاح الواقع الانساني قبل الحديث عن الواقع السياسي والاقتصادي، والبحث عن قوى تُعد ظاهرياً أنها حاسمة مثل؛ المال والسلاح والتحالفات مع قوى خارجية.
الأماني المجانية
نظرة خاطفة على أوضاع الشعوب المأزومة في العالم الاسلامي تكشف لنا حجم الأماني الجاثم على تفكير هذه الشعوب مما جعلها تعيش أوضاعاً، أقل ما توصف بأنها مأساوية على مختلف الصُعد لأن الجميع يتمنون التغيير والخلاص، وهم غير مستعدين للتحرك قيد أنملة.
أول خسارة يجربها أصحاب الأماني؛ غياب الحقائق عنهم، مثل؛ الهزيمة، والتخلف، والموت في ظروف غير مشرفة، مما يجعل الانسان مقتنعاً بوضعه "القوقعي" وانكفائه على ذاته، لا يهمه ما يجري من حوله، لان بغياب المسبب والمعلول، سيغيب بالضرورة، السبب والعلّة في استمرار الفقر والفساد والتخلف الناجم عن التخاذل أمام الفاسدين والمسببين للاوضاع المأساوية للناس.
يقول العلماء أن الأمنية بالأساس تمثل إفرازاً نفسياً للعجز عن فعل شيء لاسباب كثيرة، ربما أهمها وأبرزها؛ فقدان الإيمان، لذا نجد المؤمنين أقوى الناس أملاً في الحياة، وأكثرهم عملاً من اجل التغيير والإصلاح رغم التكاليف الباهضة، بينما العاجز والكسول وغير المؤمن يعوض هذا النقص برسم الأماني الكبيرة في خياله الواسع، بينما يرسم الآخرون الخطط الخاصة بهم على ارض الواقع وينفذون المشاريع العملاقة التي تخدم مصالحهم المادية البحتة البعيدة عن الفطرة البشرية، فتلحق الاضرار الفادحة بالسلوك والثقافة والتفكير، بل والهزيمة النفسية المنكرة أمام أعين الحالمين بالتغيير المفترض ان يكون في خدمتهم وخدمة ابنائهم والاجيال القادمة.
إن الأمل الملاصق للواقع مقرونٌ بالصدق، بينما التمنّي مقرونٌ بالكذب والتغرير والتخدير والابتعاد عن الواقع، ولنا في شعوب "العالم النامي" خير عبرة في كيفية تحولهم من واقع التبعية للاجنبي، والتخلف، الى واقع الاستقلال والكرامة والتقدم، ليس بالأماني والشعارات والوعود المعسولة، إنما بالأمل المقرون بالعمل على ارض الواقع، وهذا –بالتأكيد- لا يأتي بالمجان، فقد بذلت الشعوب جهوداً مضنية، مضحية بأرواحها، وبراحتها، ورفاهيتها الظاهرية، لتأسيس قاعدة متينة للتنمية المستدامة تتيح للأجيال القادمة البناء على هذه القاعدة مشاريعها الاقتصادية والثقافية، ثم تحقيق أمل الآباء والأجداد بالرفاهية والازدهار.
هذا على صعيد الأمة، ونفس الأمر ينطبق على الفرد في هذه الامة، فإن الأمل المقرون بالعمل هو الذي يضمن له النجاح والتفوق، ولو بعد حين، عندما يسهر الليالي، ويبذل الاموال والوقت والجهد العضلي والذهني لتحقيق ما يتطلع اليه لمستقبل زاهر.
اضف تعليق