إن شكل الكتابة يتغيّر بتغيُّر المواقف والمشاعر المراد التعبير عنها، إذ يختار البعض القصة وسيلةً للتعبير عن مشاعره وإطلاق العنان لخياله، وآخرُ يختار الرسالة للتواصل والتعبير عن الرأي ووجهة النظر، ومنهم من يختار المقالة القائمة على الحُجج والبراهين ليقنع الآخرين بوجهة نظره...
مفردة الوصف واضحة من معناها البسيط المباشر، فهي تعني وصف تفاصيل شيء معيّن، حتى يتضح للمستمع أو القارئ، وقد يكون الوصف شفاهيا، أي يتم عبر اللسان وتوصيف شيء ما للآخر، أو قد يكون الوصف مكتوبا عبر لغة معينة لكي يتم توضيح تفاصيل الشيء للآخرين، ويتم هذا عبر طريقين، الأول هو الوصف المباشر، والثاني الوصف اللغوي.
هناك علاقة مباشرة بين الأدب والوصف، فالتعبير عن المشاعر والآراء والمواقف يحتاجُ إلى وسيلة للتعبير، وكثيرًا ما تكون وسيلة التعبير هي الكتابة، ويمكن القول إن شكل الكتابة يتغيّر بتغيُّر المواقف والمشاعر المراد التعبير عنها، إذ يختار البعض القصة وسيلةً للتعبير عن مشاعره وإطلاق العنان لخياله، وآخرُ يختار الرسالة للتواصل والتعبير عن الرأي ووجهة النظر، ومنهم من يختار المقالة القائمة على الحُجج والبراهين ليقنع الآخرين بوجهة نظره، كما تؤكد ذلك الكاتبة إسراء ابو رنة.
وتضيف أيضا، ولعلّ أكثر ما يساعد في التعبير عن الرأي والعاطفة والإحساس في آن واحد هو الوصف، ومن خلال الاطلاع على تعريف الوصف يُلاحَظ أن الوصف في الأدب يعتمد على ما تلتقطه الحواسّ من صفات للموصوف، ثمّ يتم التعبير عن هذه الصفات في نصّ أدبيّ، كما أن في الوصف مساحة من الحرية لاستخدام التشبيهات والصور والاستعارات والمحسّنات البديعية، وهذه الأمور هي التي تزيدُ الوصف إبداعًا، وتعبّر عن قدرة الكاتب على التفنّن في الوصف.
ما هو الهدف من الوصف؟
إننا في الغالب نحتاج أساليب جيدة ومقبولة لتوصيل أفكارنا للآخرين، فنحن مثلا بحاجة قصوى إلى كسب الشباب وإقناعهم عبر توصيل أفكارنا وحججنا وأهدافنا، وهذه القضايا الهامة لا يمكن تحقيقها إلا عبر أساليب إقناع سهلة ومعقولة، خصوصا وإن الشباب ينفرون بسرعة من الأساليب اللغوية الجامدة والتعابير الجافة.
ما الذي نحتاجه حتى نمد الجسور بصورة جيدة مع الآخرين، لا يمكن أن يتم ذلك إلا عبر التوصيف الواضح الشيّق البسيط الذي يتحلى بالوضوح والسلاسة والإقناع، وهذا بدوره يحتاج إلى لغة سهلة بسيطة قوية وجلية المعاني، بعيدا عن التعقيد، حيث يؤكد خبراء اللغة والوصف على أهمية الاكتفاء بالمفردات السهلة والمناسبة لتقديم الوصف الوافي.
في إحدى محاضرات الأديب المعروف موباسان لعدد من طلابه وهو يعلّم هؤلاء الطلاب على كيفية كتابة القصة الجيدة، قال لهم: عليكم أن تتخلصوا من كل المفردات الثقيلة الفائضة التي تثقل جسد النص، وعليكم الكتابة بوضوح، وتوصيف الأحداث بمفردات واضحة، وأهم شيء أنكم تتخلصون من المفردات التي لا حاجة لها، وأنها تبدو زائدة عن حاجة الوصف.
من الأساليب المهمة للوصف هو تجميل الموصوف، ومحاولة وضع المتلقي في حالة من الرغبة والشغف لاستقبال عناصر الوصف، وكلما كان الواصف قادرا على التوصيل والإقناع، كان أكثر سيطرة على المتلقي من حيث التفاعل والاستجابة عبر تجميل الوصف، حيث تقول إسراء أبو رنة:
(أحيانًا يسافر الواصف (الكاتب) بالقارئ إلى أماكن بعيدة وهو جالس على أريكته. كما أنّ الوصف يحرك المشاعر والعواطف والأحاسيس والانفعالات، ولا سيّما عندما يكون وجدانيًا حيث يدغدغ الواصف مشاعر القارئ ووجدانه بوصفه العميق ورموزه المرهَفة، وعباراتها الرقيقة، وأوصافه النديّة).
أهمية تحديث أساليب الوصف
وهناك دور في غاية الأهمية للوصف، فهو يمكن أن يصحح الأفكار ويقوم بإقناع المتلقي بأهمية تغيير وجهات نظره الخاطئة، فالوصف يمكن أن يلعب دورًا في تغيير وجهة نظر القارئ تجاه الموصوف، فقد يكون الوصف فيه تقبيحٌ للموصوف، وعندما يبدع الواصف في جمع الأوصاف الذميمة والعبارات المقيتة التي تعبر عن قبح الموصوف، يستطيع تغيير وجهة نظر القارئ بالموصوف، ويدفعه إلى النفور منه. هكذا يمكن للوصف أن يغير وجهات النظر والقناعات للمتلقي.
أما في كلامنا عن دور الوصف في المسرودات وأنواعها، فهناك قدرة هائلة للوصف في تحديث أساليب السرد، لهذا يُقال أن معظم الكتب الأدبية السردية الأكثر مبيعا من سواها، تتميز بالوصف الأخّاذ، وهذا دليل على أن هيمنة ودور الوصف واضحة في تحسين الأسلوب وتطويره، أو العكس، وهو ما يجعل المتلقي في حالة نفور أو تقارب بحسب طبيعة الوصف.
فعندما يتداخل الوصف في نصوص أخرى كالسرد مثلًا، فإن الوصف هنا يساعد على تعريف القارئ بسمات الشخصيات، ودوافع تصرفاتها، ويضفي جوًّا من الواقعية والحيوية على النص، ويُغني الخيال، ويزيد التشويق لقراءة النص. وهذا يؤدي بالنتيجة إلى فتح النوافذ للهيمنة الفكرية والإقناع، وهو ما يهدف إليه معظم المفكرين والأدباء.
خلاصة الأمر لكي نجعل أفكارنا و وجهات نظرنا مقبولة وحاصلة على تأييد وقناعة الآخرين، فإن هذا الهدف لا يمكن تمريره إلا عن طريق أساليب الوصف الجيدة السلسة، وهذا ما يُعرَف بالكلام الجميل المعسول المقبول الذي ينقل الفكرة ويوصلها بأوضح وأدق وأجمل المفردات، لاسيما في النصوص السردية أو الأدبية، واليوم أصبحت حتى النصوص الفكرية (المقالات والدراسات والبحوث) بحاجة إلى درجة معينة من الوصف الجيد حتى تضمن التفاعل المطلوب معها، ومع المحتوى والمضمون الذي تنقله للمتلقين.
اضف تعليق