وجملة مميزة من محلل رياضي تقول: كلب ينبح لك ولا كلب ينبح عليك، تختصر عليك الطريق لتعرف إن كنت على الطريق الصحيح أم لا، فالحرب رصاصة، ولكنها كلمة أيضاً، وأنت بحاجة إلى كل كلمة تنشر لصالحك، لا تكن بسيط التفكير، واستخدم أكبر قدر من خلايا الدماغ، لا سيما أذا كان عدوك يستهدف تعطيل دماغك...
اقتبست هذا العنوان من فيديو للمحلل الرياضي المصري ممدوح نصر الله، يتناول فيه فكرة التضامن وحملات التظاهر والاستنكار الحاصلة في جميع أنحاء العالم لمساندة الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لأكبر إبادة جماعية في القرن الحادي والعشرين، وكان من بين الموضوعات التي طرحها النقد الموجه لرسالة اللاعب المصري في صفوف ليفربول الإنجليزي محمد صلاح التي خص بها الشعب الفلسطيني يوم الأربعاء (18 تشرين الأول 2023).
يؤكد نصر الله أن رسالة محمد صلاح الضعيفة والمليئة بالتغافل عن تسمية الاحتلال الاسرائيلي بشكل صريح، هي أفضل من عدم بثها أصلاً، ثم تبعها بمقولة "كل ينبح لك أفضل من كلب ينبح عليك"، ولا يقصد بالكلب محمد صلاح طبعاً، لكنه يقصد أنه لو كان هناك كلب، فالأفضل أن ينبح لك لا عليك، واعتقد أن هذه القاعدة يجب أن تكون مقياساً لكل المناهضين لجرائم الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني.
وإذا ما اعتمدنا قاعدة كلب ينبح لك خير من كلب ينبح عليك، نجد أن من واجب كل شخص على كوكب الأرض يعتقد بأن ما يجري من جرائم إسرائيلية في فلسطين تستحق الإدانة، ثم يجد أن شخصاً يختلف معه في الرأي أو التوجه السياسي أو العقائدي، فمن واجبه وضع توجهه جانباً واستخدام فعل الإدانة لصالح القضية التي يدافع عنها (أي قضية الدفاع عن حقوق المدنيين الذين يتعرضون لعمليات إبادة جماعية)، لأن الخلافات لا تنتهي، وهذا الوقت ليس وقت تصفية الخلافات، لتنتهي الحرب ولنحافظ على أطفال فلسطين والأبرياء هناك من محرقة الإبادة الجماعية، ثم نتفرغ بعدها لخلافاتنا.
مؤسف أن نرى عدداً لا يحصى من الجماهير العربية لا تفهم قاعدة (الاتحاد بوجه المخاطر)، واليوم الخطر لا يشمل فلسطين وحدها، بل يشملنا جميعاً، وعندما يصطف الرئيس الأميركي العجوز جو بايدن، مع مجرم الحرب بنيامين نتنياهو بكل ما لديه من قوة، وتأكيد نتنياهو بأن هذه الحرب ستغير الشرق الأوسط، فليعلم الجميع أنه الهدف القادم لمجازر الاحتلال. شيعياً كنت او سنياً، هناك حرب تستهدف الجميع.
الاحتلال الذي لم يحترم الاتفاقيات الدولية، ولم يلتزم بأي اتفاقية تطبيع قيل إنها ستحل السلام بالمنطقة، بل على العكس كان يستخدم اتفاقيات التطبيع لتعزيز سيطرته، وقضم المزيد من الأراضي العربية في فلسطين، وزيادة جرائمه، بينما تنتظر الشعوب العربية الاخرى دورها لتوضع على مقصلة النازيين الجدد.
ليس من الصحيح التنابز بالكلمات الطائفية، وقد شاهدت آلاف الحسابات عبر موقع أكس وهي مليئة باللغة الطائفية، حتى أن بعضهم يتابع الصحفي الأميريكي جاكسون هانكيل، وهو أحد أبرز المناهضين للأكاذيب الإعلامية الغربية، وأسهم بشكل كبير في كشف كذبة إسرائيل التي تبرأت من قصف مستشفى المعمداني، لكن وسط كل هذا النشاط لهانكيل وجدت حسابات تتهمه بأنه شيعي، وأنه مقرب من إيران، وما إلى ذلك من الأفكار الطائفية التي لا أساس لها من الصحة.
وحتى وإن كان شيعياً، أو كان إيرانياً، لماذا لا يستطيع العرب توظيف العداوة لصالحهم، لماذا ترحب إسرائيل بكل كلمة إدانة ضد الفلسطينيين لصالحها ولا تفكر بقائلها، بينما يفتش العرب عن هوية القائل قبل أن يوافق على رأيه، وهم أصحاب القول المأثور (عدو عدوي صديقي)، وماذا عن ملايين الشيعة الذين يتظاهرون لنصرة فلسطين، وويكتبون لصالح الشعب الفلسطيني.
أنا أخاطب كل صاحب نفس طائفي، وأدعوه للتفكير بشكل مختلف، فإن كان يعتبر أميركا دولة ظالمة، وهو يستخدم تقنياتها مثل الهاتف وموقع أكس وغيرها من أجل توصيل رسالته للعالم، رغم قناعته التامة بوقوف أميركا مع الاحتلال الإسرائيلي، إذا هو لا يجد مشكلة في استخدام أدوات عدوه لصالحه، فما المشكلة إذا أن يستخدم الخطاب الشيعي المناصر للقضية الفلسطينية من أجل حماية الأبرياء الفلسطينيين.
القضية الفلسطينية بحاجة إلى كل صوت، والحرب التي تجري بالصواريخ والرصاص، توازيها حرب أخرى لا تقل أهمية عنها، وهي حرب التحشيد، أو حرب التفسيرات والآراء، ولا يمكن الانتصار في هذه الحرب إلا من خلال تحشيد أكبر عدد من الأشخاص، ووسائل الإعلام ومواقع التواصل، والمواقف السياسية.
التحشيد مهم للضغط بكل الإتجاهات، على الرأي العام المناهض لإجباره على إعادة التفكير قبل تصديق الأكاذيب، بالإضافة إلى استخدام التحشيد للضغط على القادة السياسيين من جميع الدول ليكونوا أكثر إنصافاً، وأكثر جرأة في نقد جرائم الإبادة الجماعية، لا سيما وأن الرأي العام مؤثر في جميع الدول بما فيها الديكتاتوريات.
وعن أهمية تحشيد الرأي العام خلال حرب الإبادة في غزة، ذكر تقرير لشبكة سي أن أن الأميركية أن هناك نقاشات جارية في الأوساط الاستخبارية الأميركية حول ما جرى في المستشفى المعمداني، وهم يعتقدون ان المناقشات تعكس القلق المتزايد بأن الولايات المتحدة وإسرائيل فقدتا السيطرة على الخطاب الإعلامي القادم من غزة والذي أكد بأن إسرائيل هي المسؤولة عن قتلى المستشفى يوم الثلاثاء الماضي.
مسؤولو استخبارات سابقون ومصادر مطلعة على الاستخبارات الأمريكية الحالية يعتقدون الآن أن البيانات التي تنشرها الولايات المتحدة تبدو أقل صدقية، ولم يعد لديها ذلك التأثير، لذلك ستضطر الاستخبارات لنشر مزيد من التقارير، وهو اسلوب غير معهود، من أجل السيطرة على الخطاب الإعلامي وعملية تحشيد الرأي العام العالمي تجاه حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
تؤكد هذه التقارير وهي ليست مقتصرة على ما ذكرته الآن، أن أي كلمة، وأي بيان استنكار، وأي رأي في الصحف ومواقع التواصل له قيمة، ومن واجب المناوئين لحرب الإبادة الإسرائيلية أن يستخدموا كل أدوات النقد الموجهة ضد المجازر في فلسطين، وتناسي خلافاتهم، لأن الوقت غير مناسب، والخلافات التي استمرت 1400 عام، لا بأس بأن تستمر لعام آخر.
مثل عربي يقول: عدو عدوي صديقي، وجملة مميزة من محلل رياضي تقول: كلب ينبح لك ولا كلب ينبح عليك، تختصر عليك الطريق لتعرف إن كنت على الطريق الصحيح أم لا، فالحرب رصاصة، ولكنها كلمة أيضاً، وأنت بحاجة إلى كل كلمة تنشر لصالحك، لا تكن بسيط التفكير، واستخدم أكبر قدر من خلايا الدماغ، لا سيما أذا كان عدوك يستهدف تعطيل دماغك عبر بث المزيد من الرسائل الطائفية وعناصر التفرقة وهو القائل بمقولة فرق تسُد.
اضف تعليق