q
الزيارات الماضية جميعها خالية من البرامج المعدة مسبقا والملفات التي من الواجب طرحها او مناقشتها وبالنتيجة تكون فضفاضة غير قادرة على تحقيق أي تقدم في مجال معين، وبالتالي لا تخرج من صبغتها السياحية التي اصطبغت فيها اغلب الجولات السياسية في الفترات الماضية والحالية وكذلك المستقبلية...

دون مبالغة قد يكون السياسيين العراقيين هم الأكثر سفرا على مستوى المنطقة او العالم برمته، ومن يتتبع الزيارات والمؤتمرات التي يجريها السياسيين يجزم بتحويلها الى المؤتمرات السياحية او الزيارات السياحية.

اول من وضع خارطة الطريق لهذه الممارسة السياسية هم رؤساء الحكومات على مر العقدين الماضيين، فلكل رئيس وزراء يتسنم المنصب، جولة إقليمية تمهيدا لأخرى دولية يأخذ من خلالهما التهنئة بالاستحقاق الجديد، ويأخذ أيضا بعض التطمينات المتعلقة بالدعم الدولي.

الى جانب تلقي بعض التحذيرات من تجاوز الاتفاقات والخطوط الحمراء التي وضعت بالاتفاق مع الرؤساء السابقين، وبالنتيجة تكون الجولة بمثابة اذن مزاولة العمل الحكومي او مباركته شريطة الحفاظ على العهود والالتزامات بين جميع الأطراف.

وبعد الانتهاء من الجولة الكبيرة لرئيس الحكومة، يباشر الوزراء بجولاتهم الخاصة حسب توجه كل وزير والى أي محور ينتمي، وتكثر الزيارات الشرقية والغربية، وكالعادة فان هذه الزيارة تنتهي ابعادها وتأثيراتها بمجرد عودة الوزير والوفد المرافق له الى ارض الوطن.

تأتي هذه الزيارات المتواصلة دون زيارات مقابلة من الجهات الرسمية التي يقابلونها على مستوى العالم، فلم نجد وزراء خارجية الدول العربية او الغربية يتجولون بصورة مستمرة في أروقة القصور الرئاسية في المنطقة الخضراء، بل تقتصر زياراتهم على الدعوات الرسمية والمناسبات الرئيسية كالقمم او المؤتمرات المعتاد استضافتها في بغداد.

لو راجعنا جميع الجولات التي اجراها رؤساء الحكومات والوزراء والمدراء العامين، نجدها خالية من الفوائد على المستوى الداخلي، نتابع توقيع الاتفاقيات التي ستحول العراق الى بلد يخالف واقعه الحالي، وخير دليل على ذلك بقاء جميع الازمات التي جاءت السفرات من اجلها كالكهرباء وغيرها من الملفات المهمة.

يفسر المشاركون بهذه الجولات الدورية بأنها تندرج ضمن رؤية استباقية وإدراك مستقبلي تستشرفه الحكومة العراقية لما يحتاجه البلد من أولويات وضروريات تحسن عيش ساكنيه، وبالتأكيد هذا التفسير لا يصمد امام أي انتقاد جماهيري يوجه ضد النخبة السياسية.

تكثر العنوانين والموضوعات التي يزعم انها نوقشت خلال الزيارات السياحية تحت غطاء رسمي، ومن بين هذه الملفات التنمية الشاملة، والتعاون من اجل الاستفادة من التقدم الصناعي والتكنولوجي لتلك البلدان، فضلا عن التصدي ومواجهة التحديات التي تواجه النهضة الاقتصادية والتلوث المناخي والاحتباس الحراري.

ويسوق هؤلاء الساسة أنفسهم على انهم مساهمين حقيقيين في تحقيق الاستقرار الاقتصادي السياسي والمجتمعي على مستوى المحيط الاقليمي، لكن لا شيء ملموس من كل ذلك، ولا تزال هذه الجولات لا تمثل الى الرغبة الشخصية في قضاء نزهات جماعية مع الأصدقاء المقربين في الوزارة.

لم تنجح الزيارات الكثيرة في إقناع الدول وجلب الاستثمارات للبلد، الذي يعتبر من أكثر البلدان ملائمة لنمو العمل الاقتصادي، ولا يزال الاستثمار الأجنبي في العراق محدود جدا، ويكاد يقتصر على القطاع النفطي، كونه من أكثر القطاعات رواجا وازدهارا.

الزيارات الماضية جميعها خالية من البرامج المعدة مسبقا والملفات التي من الواجب طرحها او مناقشتها وبالنتيجة تكون فضفاضة غير قادرة على تحقيق أي تقدم في مجال معين، وبالتالي لا تخرج من صبغتها السياحية التي اصطبغت فيها اغلب الجولات السياسية في الفترات الماضية والحالية وكذلك المستقبلية.

اضف تعليق