الانتخابات ليست مشروعا وطنينا، ولن تتغير نظرة الجماهير اليها على انها غير ذلك، واستمرار الاحزاب بتحويلها الى مشروع نفعي لن تكون عواقبه سليمة، فهي لا تحقق أدنى نفع للمواطن او المساهمة في رفاهيته، وعليه تبقى جدواه الاقتصادية مقتصرة على دائرة ضيقة تتمثل بالحاشية الأولى لرئيس الحزب او التجمع الانتخابي...
هنالك فروق كبيرة بين إدارة المشروع الانتخابي وإدارة المؤسسات الحكومة بصورة عامة، ففي الأول تكون الفائدة محصورة بالحزب او الكتلة العازمة على خوض الانتخابات، بينما نجاح إدارة الدولة بمؤسساتها ينعكس بالإيجاب على عامة الشعب وقد يكون هذا الفارق الأساس بين الادارتين.
مناسبة الحديث عن المشروعات الانتخابية تأتي مع اقتراب موعد اجراء الانتخابات المحلية المحدد في الثامن عشر من شهر كانون الأول المقبل، وللوقف على الحراك السياسي والاجتماعي الذي يسود الأوساط خلال الأيام المقبلة والذي انطلقت شرارته مبكرا.
من طرق إدارة المشروع الانتخابي في العراق هو الشروع بتجهيز وإقامة الولائم الاجتماعية ذات النكهة السياسية الصارخة، فلا أحد يحضر هذه المآدب الا وتشبع برائحة الحديث السياسي عن اهمية المرحلة المقبلة، وما تشكله من منعطف خطير يحتاج من الجميع الوقوف الى جانب المرشح الذي سيقود السفينة الى شاطئ الأمان.
الإدارة الحقيقية للمشروع الانتخابي من المفترض الا تخرج عن الإطار العام للأهداف الموضوعة من الحزب او الكتلة السياسية الساعية لتحقيق الطموحات الحزبية الضيقة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وهنالك فرق واضح او بُعد كبير فيما بين المنفعة الشخصية والمصلحة الوطنية.
يُشم من اللقاءات الخاصة بمناقشة الضرورات الانتخابية عطب الحديث المستهلك والقديم الذي يعاد اجتراره، اذ يوضح وبصورة مطلقة الرغبات الذاتية للأفراد المجتمعين لبحث كيفية تحقيقها على حساب تضييق المنفعة العامة او تميعها، وبذلك يكون المشروع الانتخابي خارج نطاق الوطنية.
لقد ركزت جميع الشعارات الانتخابية على ضرورة ان يكون العراق سيد نفسه، وان يعمل على تعظيم موارده الاقتصادية، لكنها في الخفاء تحوك المؤامرات الداخلية وتعمل على زعزعة الأوضاع واستقرارها، بهدف تحقيق أكبر قدر من الهيمنة الحزبية وإبقاء الحال على ما هو عليه منعا لصعود منافسين جدد يعكرون صفو الأجواء.
الاستثمار الأمثل في المشروع الانتخابي يعني القدرة الكاملة على التعامل وتوظيف الإمكانات الحزبية في تحقيق المصلحة التي لا تتعدى أطراف الحزب وأهدافه المحصورة بين اعضاءه، وهذا بالتأكيد يعود الى براعة الكتل في اختراق المنظومات المجتمعية المناهضة للعملية الانتخابية.
يراعى في العمليات الإنتاجية كل ما يتعلق بتكلفة الإنتاج ضمن حسابات مدروسة لا تخرج عن الخطة الموضوعة الا بشيء طفيف يتعلق بالمستجدات الطارئة، لكن في المشروعات الانتخابية الامر مختلف تماما، تسقط جميع الحسابات ولا يريد صاحب الكتلة سوى الفوز بالانتخاب ولا يتقبل فكرة الخسارة مطلقا.
فمن الناحية الفنية الانتخابات العراقية بشقيها البرلمانية والمحلية تتسم بالنجاح الكبير مع تحفظنا على بعض الممارسات المشبوهة والتدخلات السياسية في عمل مفوضية الانتخابات، لكن لو نضعها في سلة واحدة يمكن وصفها بالناجحة من الناحية النظرية.
بينما الجوانب العملية ومضمون الانتخابات العام يبقى محصور في زاوية المشروعات الخاصة التي ينفق عليها من المال العام، وأدت الى اضعافه وتغير مساره وتحويله الى شكل من الاسراف والبذخ يتجسد بالولائم والهدايا وغيرها من المظاهر المتعلقة بكسب الراي العام.
الحديث لا يهدأ عن هدر المال في العملية الانتخابية، بينما يعيش البلد ازمة اقتصادية حقيقية، تتجاهلها اغلب الجهات السياسية، حيث تتمثل هذه الازمة باستمرار ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار، ولا يخلو حديث الساسة عن التبريرات ممزوجة بالوعود الوهمية في تخطي هذه الازمة.
ختاما فالانتخابات ليست مشروعا وطنينا، ولن تتغير نظرة الجماهير اليها على انها غير ذلك، واستمرار الاحزاب بتحويلها الى مشروع نفعي لن تكون عواقبه سليمة، فهي لا تحقق أدنى نفع للمواطن او المساهمة في رفاهيته، وعليه تبقى جدواه الاقتصادية مقتصرة على دائرة ضيقة تتمثل بالحاشية الأولى لرئيس الحزب او التجمع الانتخابي.
اضف تعليق