المشكلة لا يمكن حلها والسياسيين ينظرون الى المناطق العشوائية مزارع لقطف الأصوات الانتخابية، تعطي ثمارها في الأوقات اللازمة، لذا فالحلول ان توفرت فهي تعني طي هذا الملف والبحث عن ملف لا يقل أهمية عنه، وهو ما لا تريده الأحزاب المستفيدة من القضية وقضت سنوات من الصراع مع التيارات الأخرى...
جاءت مرحلة ما بعد التغيير بجملة من المتغيرات، على جميع المستويات، فعلى مستوى السكن، ظهرت في بعض المدن العراقية ظاهرة ما تسمى اليوم بالعشوائيات، والتي تعني تجاوز الأهالي على الأراضي الخاصة والعامة، وتكوين احياء كاملة في قلب المدن بصورة غير منتظمة.
عدم الانتظام والتخطيط في السكن أدى الى الضغط على الخدمات الرئيسية للأحياء المجاورة للمناطق العشوائية، اذ ينتج عن سحب انابيب مياه كثيرة ضعف في المياه بتلك الاحياء، ما يشكل عبئا إضافيا الى جانب المشاكل الأخرى التي تعاني منها المناطق السكنية المنظمة.
وكذلك الكثافة السكانية في مناطق محددة زاد من الضغط على المنظومة الكهربائية، وظهرت مشاكل انفجار المحولات وخروجها عن الخدمة بسبب الاحمال الزائدة، يقابل ذلك عدم تسديد هؤلاء المتجاوزين على الشبكة العامة المبالغ الخاصة والتي بدورها تسهم في اجراء الصيانة الدورية لخطوط النقل.
العشوائيات أضحت من الشواهد الحية على عجز الحكومات عن معالجة مشكلة السكن في البلد، اذ اخذت تنمو هذه الظاهرة وتتسع رقعتها لاسيما في المدن التي تشهد حركة تجارية مقارنة بغيرها من المدن الفقيرة نسبيا.
ففي العاصمة بغداد تنتشر هذه المساحات العشوائية أكثر من باقي المدن وربما تأتي محافظة البصرة في الدرجة الثانية من حيث الانتشار، نظرا لمكانتها الاقتصادية وما يوجد فيها من شركات عاملة في القطاع النفطي والموانئ وغيرها من المجالات الاقتصادية التي تتطلب ايدي عاملة وافدة من بقية المدن.
وفي كربلاء ظهرت كالندب السوداء تحيط بمركز المدينة وداخلها، وتتنافس من حيث الكثافة العددية مع باقي المحافظات باستقطابها المئات من الاسر النازحة من المحافظات الجوبية وغيرها بحثا عن فرصة عمل ومن ثم الاستقرار الدائم بشكل لا ينم عن توسع حضاري في المجال العمراني.
لقد اُدرج ملفت العشوائيات في البلد الى قضية المزايدات السياسية والمكاسب الحزبية، وغدت العشوائيات من الخطوط الحمراء التي لا يجوز الاقتراب منها او الحديث عنها في الاروقة السياسية، وخير الأدلة على ذلك مناطق السكن العشوائي في كربلاء وما سببته من تأخير لمشروعات حيوية على مستوى الطرق وغيرها من الخدمات العامة التي تهم المواطنين وراحتهم.
تتعاقب الحكومات على إدارة المدن ولم تأتي بالحلول لهذا الملف الذي وقفت خلفه جهات متنفذة في الحكومة واستخدمته كورقة انتخابية رابحة يتم تحريكها والاستفادة منها مع اقتراب موعد أي انتخابات برلمانية او مجالس المحافظات.
الشيء المحزن في المسألة ان الأشخاص الساكنون ينتظرون تنفيذ وعود المسؤولين بتمليكهم وتحويل الأراضي المسيطرين عليها الى ملك صرف بعيدا عن الإجراءات القانونية السارية في البلد، ومع اجراء الانتخابات بأيام تأخذ الوعود بالابتعاد عن رصيف الحقيقة وتتبخر كالماء المتروك على سطح بناء.
المشكلة لا يمكن حلها والسياسيين ينظرون الى المناطق العشوائية مزارع لقطف الأصوات الانتخابية، تعطي ثمارها في الأوقات اللازمة، لذا فالحلول ان توفرت فهي تعني طي هذا الملف والبحث عن ملف لا يقل أهمية عنه، وهو ما لا تريده الأحزاب المستفيدة من القضية وقضت سنوات من الصراع مع التيارات الأخرى.
الحلول عادة ما تنجح في البيئة المناسبة والصحيحة، وفي وضع كالعراق يمكن ان يكون الحل يتسم بنوع من التعقيد بلحاظ السنوات الماضية التي اصطدمت جميع الجهود بالأهواء والمصالح السياسية التي تريد ان تمر الحلول عبر بوابتها وتجيير المسألة الى صالحها على حساب المصلحة الوطنية العامة.
اضف تعليق