مرحلة ما قبل أي عملية انتخابية يمكن وصفها بفترة "الوعود الانتخابية"، هذا الشكل معتاد من وسائل التواصل والاستعراض بين الكتل السياسية والناخبين، هي تشبه عملية التفاوض غير المباشر بين طرفين يملك كل منهما قيمة شيء معين، والانتخاب واختيار المرشح جزء من العملية وليس نهاية لها...
مرحلة ما قبل أي عملية انتخابية يمكن وصفها بفترة "الوعود الانتخابية"، هذا الشكل معتاد من وسائل التواصل والاستعراض بين الكتل السياسية والناخبين، هي تشبه عملية التفاوض غير المباشر بين طرفين يملك كل منهما قيمة شيء معين، والانتخاب واختيار المرشح جزء من العملية وليس نهاية لها.
لنوضح الفكرة بشكل أكثر تفصيلاً، الوعود الانتخابية عبارة عن تعهدات شفوية أو مكتوبة يطلقها المرشح والكيان السياسي على حد سواء، وتتمثل التعهدات بأمور لها علاقة برغبات الناخبين يطمحون في تحقيقها، وكلما جاء شخص بوعود أكثر، رفع من سقف توقعات الناخبين وجعلهم يحلمون بأمور جديدة.
المخول بسلطة الشعب
شخص يتبرع لهم مستعرضاً علاقاته وقدرته على الفعل السياسي، ولكي تتحقق رغبة الناخبين يجب أن يمنحوا تخويلاً للمرشح ليمارس عمله السياسي نيابة عنهم، عبر التصويت له، فيدخل إلى بيت الشعب "البرلمان"، ومن هناك يبدأ بتنفيذ الوعود التي على أساسها اختاره ناخبيه.
إذا العلاقة بين الناخب والمرشح لا تنتهي بعد اغلاق صناديق الاقتراع، إنما هي البداية الرسمية للعلاقة بين الطرفين، وحتى وصف المرشح يتغير ليصبح نائباً في البرلمان، لماذا تغير؟ لأنه ينوب عن الناخبين في المجالات المسموح بها وفق القانون، وتعريف النائب في اللغة: مَن قام مقام غيره في أمر أَو عَمَل.
ولماذا ينوب النائب عن الشعب؟
لأن الشعب مصدر السلطات حسب ما تقول المادة الخامسة من الدستور العراقي.
شرعية النائب مبنية على وكالة شعبية في أمر معين، وعدم تنفيذ بنود الوكالة ينقض هذه الشرعية، فإن فشل ووجد معوقات تمنعه من القيام بواجباته عليه توضيح العقبات لناخبيه وإعلان فشله كما يفعل المسؤولون بالدول الديمقراطية، بدون خوف أو تردد، وإن لم يفعل يراه الناخب بمنظار مختلف.
يصبح النائب الذي كان يرفع طموحات الناخبين إلى محتال سياسي استولى على سلطته التي منحها لهم الدستور، ولم يفي بباقي بنود العقد المبرم خلال يوم الانتخابات.
تلك هي مشكلتنا في العراق.
النائب وكتلته السياسية يطلقون الوعود الكبيرة للشعب، ويستخدمون طرقاً غير واقعية وصعبة التطبيق لجذب الناخبين، ولا يفكرون بطريقة تنفيذها لأنهم يعتقدون بأن علاقتهم مع الشعب تنتهي بعد يوم الاقتراع، ولا داعي للقلق بشأن أي وعد انتخابي حتى لو تضمن تعهدات بإرسال الناخبين في رحلات سياحية إلى المريخ.
تعاني أغلب القوى السياسية من غياب البرامج السياسية القادرة على تقديم حلول واقعية للبلاد، فتلجأ إلى أسهل الطرق وهي المغامرة بكل ما تملك من خيال والمواقفة على كل ما يطلب منها وتأجيل التنفيذ إلى مرحلة ما بعد الانتخابات، ثم يأتي اليوم المحدد فتجد نفسها ضائعة بين أمور شتى لا قبل لها في أي منها، فيغلقون أبوابهم أمام الشعب لأنهم لا يملكون أي أجوبة لتساؤلاتهم.
وقد صار معروفاً لدى العراقيين أن المرشحين للبرلمان أو مجالس المحافظات يغيرون أرقام هواتفهم حالما يصلون إلى مواقع المسؤولية وكأن علاقتهم بالشعب قد انتهت.
تولد هذه الطريقة المشهوة في فهم النظام الديمقراطي مشكلة مزمنة، وهي "فقدان الشرعية السياسية" للأحزاب والقوى السياسية، وهذا ما تقر به القيادات العليا في العراق، فقد كان الرئيس السابق برهم صالح أحد أكثر المسؤولين الحكوميين تأكيداً على ضرورة تنظيم عقد اجتماعي جديد بين الشعب والسلطة، لقناعته الراسخة بأن الطبيعة التعاقدية الحالية مبنية على أسس غير صحيحة، والعلاقة بين صاحب السلطة وهو الشعب، ونواب الشعب في البرلمان قد شابها عدم التوازن.
صار النائب هو المالك للسلطة، وهو من يقرر ما يراه مناسباً، والشعب ينظر إليه على أنه محتال استولى على سلطة أصواتهم الانتخابية بالوعود والأكاذيب والأساليب غير الشرعية للصعود إلى البرلمان.
على القوى السياسية الحالية أن تعي أن الوعد الانتخابي يعني رفع سقف توقعات الجمهور، وعدم تنفيذه يعني انهيار شرعية صاحب الوعد وهو النائب ومعه كتلته السياسية.
قد يستمرون في السلطة لعشرات السنوات، لكنها سلطة غير شرعية، وما نعنيه بهذا الكلام، أنهم بدون حماية شعبية، وحينما يتعرض النظام السياسي لأي خطر خارجي أو داخلي لن يجدوا الشعب يدافع عن هذا النظام لأنه من وجهة نظر الشعب نظام للمحتالين.
لقد كان صدام حسين صاحب سلطة غاشمة، لكنها غير شرعية، وعندما تعرض لتهديد خارجي باسقاطه من قبل الولايات المتحدة عام 2003 لم يدافع عنه الشعب، لأنه فاقد للشرعية، والشعب لم يرغب بوجوده.
نفس الحال ينطبق على النظام السياسي الذي يتخذ من الوعود الانتخابية وسيلة للسطو على سلطة الشعب، سوف يجد نفسه وحيداً في مواجهة التحديات، لأنه ببساطة لا يملك الشرعية الشعبية.
اضف تعليق