اعتاد العراقيون في موسم الصيف على حدوث أزمة كهربائية خانقة، أما الأسباب فهي كثيرة ومختلفة، لكن ما تم الإعلان عنه وبشكل مستمر يعود إلى القطع المفاجئ للغاز المستورد من إيران بسبب عدم سداد المستحقات المالية لإيران على العراق كنتيجة للعقوبات الأمريكية المستمرة منذ سنوات طويلة...
الخبرات المتراكمة سواء على مستوى الأفراد أو الدول لها دور كبير في تحسين نمط الحياة، وتطويره في جانب الخدمات أو تطوير الاقتصاد والسياسة والاجتماع، كل هذه الخبرات تنتهي بالنتيجة إلى بناء دولة الحلول الاستباقية للأزمات، وجميع الدول لاسيما المتقدمة منها تتبارى فيما بينها لكي تثبت بأنها دولة خدمات من الطراز الأول، ودولة قادرة على معالجة أصعب وأعقد الأزمات قبل حدوثها.
إذن نحن وغيرنا نهدف إلى بناء دولة الحلول الاستباقية، وهذا يكون ممكنا من خلال بناء شخصية من هذا الطراز، شخصية تضع الحلول اللازمة للمشكلات قبل وقوعها، ومن مجموع هؤلاء الأشخاص تتكون ثقافة جمعية تعتمد هذا الأسلوب في مواجهة الأزمات بطريقة مسبقة، لماذا هذا التركيز على هذا النوع من الحلول أو المعالجات؟، بعضهم يطرح هذا النوع من التساؤلات، ولعل الإجابة لا تحتاج إلى كثير من الذكاء.
ففي الغالب يتحرك الناس لحل الأزمات بعد وقوعها، يشمل هذا الأسلوب في التعامل مع الأزمات كثير من الدول، وقلما تجد مجتمعا يعالج الأزمة قبل وقوعها إلا إذا كان ذا عقلية جماعية استباقية، ولو أننا سألنا عن طبيعة تعامل العراقيين مع أزماتهم، لوجدنا أن معظم العراقيين بمن فيهم القادة السياسيين أو قادة النخب الأخرى، لا تخطر في بالهم الحلول الاستباقية للأزمات.
أزمات تشكل امتدادا لسابقاتها
الدليل على صحة هذا القول، هو ما يعيشه العراقيون اليوم في ظل أزمات كثيرة ومتفاقمة، وما أن تُحَلّ أزمة حتى تظهر أزمة أكبر وأشدّ وأكثر تعقيدا، فهناك أزمات تشكل امتدادا لما سبقها، أي أن بعض الأزمات تتراكم وتشتد بسبب عدم المبادرة بالحلول الصحيحة لها، أما العقلية الاستباقية للمسؤول أو القائد أو حتى رب الأسرة العادي، فتجد أنه يستعد للأزمة قبل وقوعها، ويهيّئ جميع متطلبات حل هذه الأزمة قبل ان تولَد، فتظهر للعيان وحلولها معها.
هذا النوع من الأزمات في المجتمعات ذات الحلول الاستباقية لن يكون له أي تأثير على الناس ولا على الدولة، لأن الأزمة تتم معالجتها بشكل استباقي، وهذه المعالجة تبدأ قبل وقوع الأزمة، أي يقوم المسؤول بالتفكير الصحيح مع مستشاريه المختصين، فيتوقعون حصول هذه الأزمة أو تلك في هذا الوقت أو ذاك، بهذا الحجم أو ذاك. وتكون المعالجة حاضرة ومهيّأة مسبقا، وما أن تظهر بوادر لولادة الأزمة الجديدة، حتى تبدأ جهود الحلول بالعمل على مواجهتها والقضاء عليها.
هذه هي سياسة الحلول الاستباقية للأزمات، فهل لنا في العراق نصيب منها، أم أننا نواجه أزماتنا ونحلها بعد وقوعها، وبعد أن تتسبب لنا بكثير من الأذى والتعقيدات التي تطال الناس والدولة معا، مثال على هذه الأزمات ما عاناه العراقيون من الانقطاع الكبير للطاقة الكهربائية، بالتزامن مع الارتفاع الموسمي الشديد والمتصاعد لدرجات الحرارة.
نحتاج لعقول إدارية استباقية
وقد اعتاد العراقيون في موسم الصيف على حدوث أزمة كهربائية خانقة، أما الأسباب فهي كثيرة ومختلفة، لكن ما تم الإعلان عنه وبشكل مستمر يعود إلى القطع المفاجئ للغاز المستورد من إيران بسبب عدم سداد المستحقات المالية لإيران على العراق كنتيجة للعقوبات الأمريكية المستمرة منذ سنوات طويلة.
هذه الأزمة ليست وليدة اليوم ونقصد أزمة شحّ الكهرباء، إنها أزمة صيفية تتكرر في كل عام، ومع ذلك غابت الحلول بكل أنواعها، الاستباقية أو سواها، ولكن الغريب أننا نتفاجأ بحل متأخّر جدا وقد سُمّيَ بـ (النفط الأسود مقابل الغاز)، وهو اتفاق بين العراق وإيران، على أن يقوم العراق بسداد مستحقات الغاز الإيراني بما يعادلها من النفط الأسود، تخلصا من القيود والعقوبات الأمريكية.
السؤال لماذا تم ابتكار هذا الحل بعد أن عاش العراقيون أزمة خانقة للكهرباء في هذا الصيف وفي مواسم سابقة، وبعد أن تعرضوا لأضرار صحيحة ونفسية وترفيهية وإنتاجية وغيرها، لماذا لم يفكر المسؤول العراقي بهذا الحل بطريقة استباقية قبل حدوث أزمة الطاقة؟
لو أننا وجهنا هذا السؤال إلى المسؤول المختص، أو إلى أي مسؤول كان، ربما لا نجد عنده الجواب الوافي الشافي، وقد يتهرّب من الإجابة عن ذلك، لكن السؤال يبقى قائما، لماذا لا يبادر المسؤولون بحلّ المشكلات الخدمية أو سواها قبل وقوعها، وأين تكمن المشكلة في هذا الأمر، أين الخلل؟، ومتى يمكن للعراقيين أن يعيشوا في ظل عقول إدارية استباقية الحلول ولا تنتظر وقوع الأزمة ثم تبدأ التفكير في حلّها؟
اضف تعليق