بلد المليون مطعم تسمية تصلح ان تكون التسمية الرديفة لبلد المليون نخلة، وان كان من المستحيل تغيير التسمية بصورة فعلية، لكنها حاصلة بشكل واقعي، وفي ذلك مؤشر خطير على الجهات المعنية في البلد الالتفات اليه ومعالجته بما يضمن لجميع القطاعات الازدهار والنهوض حفاظا على كيان البلد من الانهيار أكثر فأكثر...
لديّ رغبة شخصية بتحويل التسمية السابقة لبلاد الرافدين، الموسومة ببلد المليون "نخلة" الى بلد "المليون مطعم"، وهذه الرغبة نابعة من عدد المطاعم المتضخم في جميع محافظات البلد، التي لا يخلو شارع من شوارعها من مطاعم بمستويات مختلفة.
كثرة المطاعم في جميع انحاء البلاد يجعلك تشعر وكأنه أولى اهتمامات الافراد هي المأكل ومن ثم الملبس، بالنظر الى عدد المولات التجارية التي تفتتح باستمرار دون تخطيط ولا تنويع في الاستثمار الذي يخلق حركة تجارية كبيرة تسهم في توفير الايدي العاملة واكتساب الخبرات.
شيء مفرح إنك ترى مئات الاسر وهي تتجول في الأسواق وترتاد المطاعم بشكل منتظم، وفي أحيان كثيرة تزدحم الاماكن ويضطر الزبون الى الانتظار طويلا لحين توفير مقعد له واسرته التي فضلت تناول وجبة الطعام خارج الروتين المنزلي اليومي.
والشيء المفرح أيضا ان هذه الاسر المعتادة على تناول الأطعمة في المطاعم العامة، لديها قدرة شرائية تمكنها من وضع جدول دوري يقسم أيام الأسبوع الى خروجات منتظمة برفقة افراد الاسرة، فهي ان لم تتمكن من دفع الفواتير المرتفعة في العادة لا يمكن ان تخرج بهذا العدد من المرات وتكتفي بمرة واحدة في الشهر او الشهرين.
المحزن في المسألة ان مواطني هذا البلد تحولوا بشكل مباشر او غير مباشر الى مستهلكين بطريقة غير اعتيادية، ومما ساعدهم على ذلك توفير البيئة الاستهلاكية البحتة، فلا توجد أي نسبة مقارنة او مقاربة بين عدد المطاعم والمولات التجارية مقارنة بالمشروعات الإنتاجية.
العراق يخلو من التوازن بين هاذين الجانبين، واقتصر الاستثمار في الجوانب او المشروعات سريعة الربح والفائدة، ولم يفكر أصحاب رؤوس الأموال بافتتاح مصنع لإنتاج الألبسة الرجالية او النسائية والأطفال، ولجأ رجال الاعمال الى الاستيراد الخارجي هربا من الرقابة او التعقيد الحكومي في الداخل.
الحكومات العراقية بعد التغيير لم تعطي الاستثمار الأجنبي او المحلي وتحديدا القطاع الصناعي أي اهتمام، بل ساعدت على إيقاف المصانع الداخلية العاملة بزمن النظام السابق، وليس بعيدا عن الاذهان توقف معمل الألبسة الجاهزة في النجف الاشرف، او الاقتصار على انتاج نوعية رديئة من البدلات لا تنافس المستورد من حيث التصميم وجودة القماش.
ومن يسير في طريق الكرادة خارج، يتألم كثيرا حين يرى المعروضات تأكلها الاتربة في منفذ البيع المباشر الخاص بالشركة العامة لصناعة الجلود، فتعطيل هذه المرافق واخراجها عن العمل هو نوع او خطوة من خطوات قتل الصناعة المحلية الوطنية، واستفحال المنتج الأجنبي وغزوه الأسواق.
بينما يمكن للحكومة العراقية او أصحاب القرار النظر بأهمية عودة المرافق الإنتاجية والصناعية الى العمل، مع وجوب زيادة طاقتها الإنتاجية نظرا لزيادة عدد نسمات البلد، وما يصاحبه من زيادة في الطلب، مع الاخذ بعين الاعتبار ما يوفره ذلك من محافظة على العملة الأجنبية وما يعطيه من قوة للعملة المحلية.
فقدان هذه الرؤية من قبل المسؤولين فسح المجال امام المستثمر الباحث عن أكبر قدر من الأرباح، مقابل وقت زمني قياسي، ولهذا انتشرت المطاعم في ارجاء البلاد، واستدمت ماركات الطعام العالمية، التي استطاعت ان تشق طريقها الى ذائقة الزبون وتجعله من الحريصين على تناولها.
بلد المليون مطعم تسمية تصلح ان تكون التسمية الرديفة لبلد المليون نخلة، وان كان من المستحيل تغيير التسمية بصورة فعلية، لكنها حاصلة بشكل واقعي، وفي ذلك مؤشر خطير على الجهات المعنية في البلد الالتفات اليه ومعالجته بما يضمن لجميع القطاعات الازدهار والنهوض حفاظا على كيان البلد من الانهيار أكثر فأكثر.
اضف تعليق