كان واضحاً منذ الماضي، أن العلاقات العربيّة-العربيّة، (مُحافظة ملكية، قومية جمهورية) هي علاقات صراعية، أكثر مما هي تعاونية، وليست الدول الغربيّة أو إسرائيل هي من الأسباب المباشرة وحدها، وراء تحقيق هذا النوع من العلاقات، بسبب أنها تقع على عاتق الدول العربيّة نفسها أولاً، وهذا لا يحتاج إلى الإثبات، بسبب أن التاريخ موجود بحذافيره، ويمكن الاطلاع عليه بأمان، وهي وإن كانت تُضمر الضرر لبعضها، فإن الضرر الحاصل كان أكبر بكثير بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني، الذي كان بسببه، تُشعره هويّته بالخوف تارة وبالخجل تارة أخرى، لتحمله العناء ولمشاهدته لقضيته، التي يُفترض أنها تمثل القضية الأولى لدى العرب أجمعين، بأنها وصلت بعد طول عناء إلى مرحلة ميّتة أو متحلّلة على نحوٍ أدق، وحتى في ضوء تطوراتها الحالية، والتي تعني لدى الأغلبية من الفلسطينيين بأنها لا شيء.
كانت العلاقات العربية الصراعية، والتي أصبحت التنظيمات الفلسطينية على أنواعها لا حقاً جزء منها، من أهم العوامل المؤدية إلى ضربها في الأعماق، وتشتيتها في بقاع الأرض، حتى أضحت السّمة الغالبة عليها ومؤسساتها، وأهمها الإعلامية، هي التنقل والترحال، وسواء كان عن طريق الطرد المباشر لها من قِبل الدول المضيفة، أو بطريق الضغوط الآتية من أيّة جهةٍ أخرى، وكنّا عاصرنا منذ البدء، انتقالها من المملكة الأردنية ولبنان وسوريا وغيرها، إلى جانب عمّا كان يلحق بها من أنواع العلاقات السيّئة، التي كانت تطاردها من حكومات عربيّة أخرى، نظراً للتقلبات المصلحية، السياسية والأمنية التي ترغب بها تلك الدول.
لا يمكن إخفاء أن القضية الفلسطينية أُصيبت بسكتة سريرية، منذ أن انسحبت كل من مصر والمملكة الأردنية بصورةٍ طواعيّة من خط المواجهة مع إسرائيل، وحين تلتها أغلبية الدول بصورةٍ خفيّة وغير ظاهرة، والتي مثّلت خطراً أكبر على الفلسطينيين بشكلٍ عام، ليس بسبب برودتها باتجاههم، وإنما بسبب أنها تشتعل حرارةً مع إسرائيل، جنت في أثرهما نتائج طيبة، بإسقاطها من حساباتها أيّة مواجهات عسكرية قادمة، وكسب مصالح معنوية وسياديّة ومآرب أخرى، والتي مكّنتها من إنشاء سلسلة من الخطوات، التي عملت على إغلاق الوقت أمام أي حديث عن دولة أو أيّة حقوق فلسطينية.
لم تكن حركة حماس بعد سيطرتها على قطاع غزة منذ منتصف 2007، أفضل حالاً من التنظيمات الفلسطينية أو منظمة التحرير ككل، التي كابدت ألوان التنقّل والترحال، في ضوء رفضها من الأقارب، بسبب مفاهيمها وانقلابها على السلطة الوطنية كما يقولون، والجيران أيضاً وخاصةً مصر، التي تحمل لها تاريخاً من العداء أبّاً عن جد، بعدما أكثرت من مراهنتها على بعض الدول العربية، مثل دولة قطر في الجهة المعتدلة، وسوريا في الجهة الممانعة، في شأن تكفّلها بالاستمرارية ضد إسرائيل على الأقل.
لكن مراهناتها تلك، كانت تسقط واحدةً تلو الأخرى، حين اضطرت إلى حزم أمتعتها لمغادرة المملكة الأردنية بسبب انتكاسة العلاقات بينهما، ثم اضطرّت لمغادرة سوريا، لاختلاف وجهات النظر في شأن الحرب الداخلية الدائرة، وها هي الآن تتأهب للحزم من دولة قطر، التي طالما وقفت إلى جانبها، بناءً لما تُمليه الشروط الواردة في اتفاقية مصالحتها مع مصر، والتي منها إيقاف دعمها بالكليّة لها، وسواء كان مالياً أو معنوياً أو بالمحاولة إلى تلطيف أو تخفيف حِدّة العداء الدولي المتّجه نحوها، باعتبارها لاعباً دولياً رئيساً من خلال الإعلام والمال.
وبناءً على التطورات الآنفة، فإنه يحق لحماس أن تبدِ انزعاجها من التقارب بين قطر ومصر، على الرغم من تكثيفها الاتصالات باتجاهها، من أجل أن لا تؤثّر تلك المصالحة على العلاقات معها، وأن لا تُمثّل أيّة عرقلة أمام تواجد ودعم الحركة السياسي، الذي تتلقاه من الدوحة منذ خروجها من سوريا، برغم علمها بأن اتصالاتها هذه، ستكون غير مثمرة أو ضعيفة على الأقل، وحتى في ضوء حصولها على تعهدات بعدم التعرّض لقيادتها الموجودة في الدوحة أو التضييق عليها، فإن حركتها ستكون مقيّدة وحسب الأصول، بسبب أن قطر تقع تحت ضغوط خليجية وغربية، التي تجبرها على فعل ذلك، وحتى باتجاه تحديد سياستها الخارجية، وضغوط مصلحيّة أيضاً، والتي من شأنها الدوس على الأقل، للحصول على الأكبر، حيث لا مكان للمبادي والمواقف المعتادة.
حماس بعد يأسها من الواقع المؤلم بالنسبة لها (فرار الأصدقاء، العداء المصري، الآمال المتلاشية بشأن المصالحة مع حركة فتح، عدم الاستقرار الأمني باتجاه إسرائيل، المواقف الأوروبية والأمريكية المنكرة لها)، والتي أنبأت بأفاقٍ مجهولة وغير مُبشرة، ستضطرّها إلى العمل بمفردها، وذلك بالرحيل باتجاه إيران، باعتبارها آخر جهة - غير عربيّة- يمكن الاطمئنان إليها، وهذه الخطوة، وإن كانت لا تُفيدها بشكلٍ كامل، لكنها الحصاة الوحيدة، التي يمكنها اللجوء إليها، كجِهة إقليمية رادعة، يمكن الاستناد عليها والاستقواء بها، سيما وأن كل الجهات التي تهابُها حماس، هي ذاتها التي تخشى أن ينقلب قطاع غزّة إلى منطقة عسكرية إيرانية مُغلقة.
اضف تعليق