هذا الهدف على الرغم من كونه كبير وصعب ويحتاج إلى إمكانات هائلة، إلا أنه يجب أن يبقى الهدف الأهم للحكومة حتى يمتلك العراق منظومة إدارية رقمية مبتكرة، وكذلك يجب أن يكون الهدف الأهم على مستوى الأفراد، فالإدارة الذاتية ركن مهم بل أهم من أركان تقدم الفرد وسرعة تأثيره في الجماعة بعملية تأثير متبادلة...
الذات والأنا والفردية، كلها مفردات متقاربة في المعنى لها علاقة بالفرد الواحد، وتقابلها الجماعة، المجتمع، والكلية، وهي كلمات ذات معان جمعية، وكلا الجانبين توجد بينهما وشائج كثيرة، وتربط بينهما أواصر عديد، لاسيما من الناحية الإدارية، أي من ناحية إدارة الفرد، الذات، الأنا، وكذلك إدارة الجماعة، المجتمع، والموجود الكلي العام، فهناك ترابط في الشؤون الإدارية بين الفرد بمفرده، وبين البيئة الاجتماعية والنظم الإدارية التي تديرها.
فالإدارة مفهوم عام وشامل نحتاجه في إدارة شؤون الحياة والناس كافة، الفرد يحتاج أن يدير نفسه وحياته وأمواله ومشاريعه وعائلته وأعماله، الجماعة تحتاج الشيء نفسه، كالدول حيث يعدّ النشاط الإداري لها ومدى جودته مقياسا لتطورها وتقدمها بين الدول.
يوجد في كل دولة جهاز إداري يدير مرافقها ومؤسساتها المختلفة، وهناك أجهزة إدارية بالية (بيروقراطية) معقدة في اجراءاتها الإدارية، وجامدة وفق أدوات قديمة وأساليب متهرئة، تنتهي بالعمل الإداري إلى البيروقراطية التي تعقّد العمل الإداري وتجعل منه عبئا على الدولة بدلا من أن يكون معينا له ومساعدا على نموها وتطورها، وفي نفس السياق هناك أفراد فاشلون في إدارة ذواتهم ومؤهلاتهم وطاقاتهم، فيخسرون ممتلكاتهم المادية والمعنوية على حد سواء، مما ينعكس على القدرات الجماعية للبيئة أو المحيط الاجتماعي، كونه حاصل جمع القدرات والمؤهلات الفردية، فلا يمكن الفصل بين الفرد والمجتمع.
أساليب إدارية بالية
ولو أننا وجهنا هذا السؤال إلى من يهمه الأمر في الدولة أو الحكومة أو صنّاع القرار، هل يوجد في الدولة العراقية ابتكار إداري؟، سوف يكون الجواب لا يوجد ابتكار إداري مضاد للبيروقراطية بل على العكس من ذلك يوجد إصرار وثبات غبي على الأساليب الإدارية التي أكل عليها الدهر وشرب.
وهناك إصرار غريب من قبل المنظومة الإدارية (الوظيفية) للدولة على إبقاء التعاملات الإدارية تمضي وفق الأساليب البالية حتى تكون أكثر بطئا وأكثر تعقيدا، وتكون بوابة لأنواع كثيرة وكبيرة من عمليات الفساد الإداري والمالي، وقد تكون هذه الظاهرة نتيجة للسلوك الذاتي الفردي الفاشل الذي يتبعه الأفراد في إدارة مواردهم ومؤهلاتهم الذاتية.
تدور بعض الأسئلة في الأذهان، أو تُثار بين وقت وآخر، منها لماذا لا يكون الموظف الإداري مبتكِرا، لماذا لا تكون دوائرنا الإدارية وغيرها مبتكِرة، وتمتلك الجرأة على الابتكار الذي يختصر الخطوات الإدارية من أطنان من الورق والجهود إلى عمليات رقمية إلكترونية سهلة وسريعة تختصر المصاريف والزمن وتقضي على البيروقراطية المدمِّرة؟
لا أحد يطرح هذه التساؤلات أمام المسؤولين لأن الجميع كما يبدو لا يريد أن يبتكر إداريا، وكأنه يرغب على بقاء الحال على ما هو عليه حتى لو كان سببا دائما لاستمرار تخلف المجتمع والدولة معا، يحدث هذا على مستوى الإدارة الذاتية والجمعية أيضا، بمعنى قد تكون ثقافة إدارية يتبعها الفرد، وتتبعها الجماعة في نفس الوقت.
الإدارة الرقمية الذكية
في العراق نحتاج إلى حملة في الإدارة الذكية الرقمية، وحملة ابتكار إداري لا يتوقف، لأننا نتأخر عن الركب العالمي سنوات وسنوات وربما عقود أو قرون، في حين أن هناك دولا قريبة منا تمكنت من تحقيق (الأتمتة) الرقمية بنسبة 100%، وانتهت من أطنان الورق والأقلام والجهود الإدارية القديمة المعقدة، فبكبسة زر إلكترونية في لحظة يتم إنجاز معاملة إدارية قد يمتد عمرها الورقي إلى أسابيع أو شهور وحتى سنوات!
هذا التطور الرقمي يبدأ بشكل فردي وذاتي، أي أن كل شخص مسؤول أول عن تطوير نفسه وتحسين قدراته الإدارية الإلكترونية ذاتيا، وعليه أن يدير نفسه جيدا، لكن هذه المسؤولية الذاتية الفردية لا تلغي الأدوار المهمة التي يجب أن تقوم بها المؤسسات ذات الأنشطة الجماعية سواء كانت أهلية أو رسمية.
لهذا نحن في العراق نحتاج إلى نهضة إدارية رقمية مضادة للبيروقراطية، كما أننا نحتاج بقوة إلى الموظف الإداري المبتكِر وليس القديم الساكن البالي، بالإضافة إلى أننا بحاجة إلى الدوائر الرسمية التي تبتكر أدوات وأساليب إدارية تختصر الزمن وتقلل الجهود في الإنجاز، لأن السبيل الوحيد للعراق لكي يصطف إلى جانب الدول المتطورة هو أن يمتلك جهاز إداري رقمي متطور، وكفاءات رقمية عالية تسعى للقضاء على أساليب وأدوات الإدارة البيروقراطية البالية.
هذا الهدف على الرغم من كونه كبير وصعب ويحتاج إلى إمكانات هائلة، إلا أنه يجب أن يبقى الهدف الأهم للحكومة حتى يمتلك العراق منظومة إدارية رقمية مبتكرة، وكذلك يجب أن يكون الهدف الأهم على مستوى الأفراد، فالإدارة الذاتية ركن مهم بل أهم من أركان تقدم الفرد وسرعة تأثيره في الجماعة بعملية تأثير متبادلة بين الفرد وبيئته الاجتماعية.
اضف تعليق