وحين تفقد الدولة علاقتها بمجتمعها تفقد شرعيتها، فلا يبقى لديها الا التسلط وممارسة القهر السياسي، وبهذا فأنها تقرب من لحظات انهيارها ونهايتها والتسريع من ساعة سقوطها، دولة الثقب الاسود هي دولة الطوائف والقبائل، دولة الفساد الذي يستشري في كل اجهزتها فينخر جسدها، فتصبح آيلة للسقوط بين لحظة واخرى...
أطلق تقرير التنمية البشرية لعام 2004 تسمية (دولة الثقب الاسود) على بعض الدول العربية، ودولة الثقب الاسود هي الدولة التي تبتلعها الحكومة، اي يختصر كل النفوذ والسلطات بيد السلطة التنفيذية، التي بيدها كل شيء.
اذ يقول احد الباحثين (تجسد الدولة العربية الحديثة إلى حد كبير التجلي السياسي لظاهرة “الثقب الأسود” الفلكية. وفيه تشكل السلطة التنفيذية ثقبا أسود يحول المجال الاجتماعي المحيط به إلى ساحة لا يتحرك فيها شيء ولا يفلت من إسارها شيء)، حتى الاحزاب السياسية تتحول الى ادوات بيد السلطة (الحكومة) ومن يفلت من هذا الدور ويخرج من هذه الخانة فإنه سيوضع في خانة الخيانة، فلا معارضة في دولة كهذه.
وتنسى الحكومة واعضاؤها انهم ليسوا الا موظفين لدى الدولة يمكن الاستغناء عنهم او سحب الثقة منهم. ولكنهم لا يعيرون اهمية لكل هذا لانهم بلا شرعية، فيمارسون التسلط ويستقوون على المجتمع بأجهزتهم القمعية ويسخرون الاعلام لتلميع صورهم، فهم المالكون لكل شيء.
وحين تفقد الدولة علاقتها بمجتمعها تفقد شرعيتها، فلا يبقى لديها الا التسلط وممارسة القهر السياسي، وبهذا فأنها تقرب من لحظات انهيارها ونهايتها والتسريع من ساعة سقوطها، دولة الثقب الاسود هي دولة الطوائف والقبائل، دولة الفساد الذي يستشري في كل اجهزتها فينخر جسدها، فتصبح آيلة للسقوط بين لحظة واخرى.
هذه المواصفات كانت تنطبق على الدولة العراقية التي سقطت في التاسع من نيسان 2003، اذ كانت دولة ذات خاصرة منخورة، ومؤسسات منهارة، وحتى اجهزة القمع التي كان يعول عليها النظام كثيرا دب فيها الفساد والخراب.
فهل يجدي الاصلاح مع كل هذا الخراب؟ هل كان للمجتمع مخرج للتغيير وللتحرر مما هو فيه من كبت وقسر واكراه ومصادرة للحريات؟، فضلا عن ظروف اقتصادية ومعيشية لم تمر بها اية دولة الا ما ندر.
امام اغلاق كل ابواب الاصلاح، وعدم وجود اية خيارات للإصلاح الداخلي، كان التدخل الخارجي، الذي اعتبره المجتمع نوعا من الحل امام استحالة وجود حلول داخلية. كان التغيير الذي حدث في التاسع من نيسان 2003 قطيعة مع كل ما مضى، قطيعة سياسية وثقافية، فكانت استحقاقات التغيير التي فتحت النوافذ نحو المستقبل مع كل ما يمكن ان يأتي به من احتمالات. هل تستطيع الدولة العراقية (المشروع) ان تفلت من خانة دولة الثقب الاسود؟ مشروع الدولة العراقية ما بعد 2003 بقت داخل مفهوم ومعايير (دولة الثقب الاسود) في ظل فساد عام وشامل ينخر مؤسسات الدولة، وعدم سيطرة الدولة على اقليها.
اي ليست هناك سيادة للدولة معنى السيادة حتى بعد رحيل الاحتلال، اذ سيطرت على مرافق الدولة مافيات الفساد وازلام الاحزاب المتنفذة ومليشياتها، فضلا عن محاصرة المجتمع المدني وتهديده وشيوع اوضاع العنف والارهاب والقتل لكل صوت يرتفع بالمعارضة او الدعوة للإصلاح.
اضف تعليق