لقد كان غياب الاصطلاح الشرعي للفظ الصحابة أو الصحابي أثرا بالغا في ارتباك تعريفه وعدم التسالم على تعريف محدد له، ولم تقدم الأحاديث المروية عن النبي بأسانيد غالبا ما أثارت الجدل والتشكيك بصحتها وقوتها لم تقدم أسسا أولى ومعاني واضحة في تعريف الصحابي، فالتجأ علماء السنّة من المحدثين...
لم يكن هناك اسم أو مصطلح الصحابة ومفردة صحابي في عصر الوحي وأزمنة نزول القرآن الكريم، فلم نجد له اثرا أو رسما في آيات القرآن الكريم، وكان الوحي العظيم يصف المسلمين ويذكر أسماء فئات أهل الإيمان بأسماء مثل الذين آمنوا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ)، وأسمى المهاجرين والأنصار (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم)، واسماهم المسلمين قال تعالى (مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)، وهكذا لا نجد اسم أو مصطلح الصحابي أو جمعه الصحابة في القرآن الكريم.
ورغم أنه قد وردت كلمة "صاحبكم" أو "صاحبه" في بعض آيات القرآن الكريم إلا إنها تحمل المعنى الخاص بها في سياقات هذه الآيات ولاتؤشر أو تحدد معنى إسلامي–ديني عام في كلمة الصحابي، فقد جاء المعنى فيها دائما مساوقا لحالة الجدل بين النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبين المشركين مثل قوله تعالى (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) سبأ: 46، وأكثر وضوحا في هذا الجدل وقد جاء في القرآن الكريم باسم "الحوار" قوله تعالى (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا) الكهف: 37.
وقد نجد تعدد أطراف الجدل مرافقا لكلمة "صاحبه" في قوله تعالى (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ثَانِیَ ٱثۡنَیۡنِ إِذۡ هُمَا فِی ٱلۡغَارِ إِذۡ یَقُولُ لِصَـٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِینَتَهُۥ عَلَیۡهِ وَأَیَّدَهُۥ بِجُنُود لَّمۡ تَرَوۡهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ٱلسُّفۡلَىٰۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِیَ ٱلۡعُلۡیَاۗ وَٱللَّهُ عَزِیزٌ حَكِیمٌ﴾ التوبة: 40، وفيها أن الله تعالى يحاجج المشركين أو من لم ينصر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وفيها أيضا أن النبي يحاجج صاحبه بأن الله تعالى معه، وطبيعة هذا الجدل أو هذا الحوار يكشف عن اختلاف أو تناقض بين أطراف الجدل–الحوار ويكشف عن عدم اتفاق في تقييم الوقائع وتحديد النتائج وهو يكشف بدوره عن غياب علاقة الإيمان بالنسبة لأحد أطراف الجدل–الحوار، أو أن الإسلام ليس شرطا في تلك الصحبة، وتكون آيات القرآن الكريم بهذا لم تتخطى المعنى اللغوي لكلمة "صاحب" في كلا اشتقاقيه "صاحبهم" و"صاحبه".
وبذلك فهو لفظ لم يحظى بأي معنى شرعي – اصطلاحي في القرآن الكريم أو كما تعارف على هذه النمط من الألفاظ الدينية–القرآنية باسم "المصطلح الشرعي"، مما يؤكد غياب التعريف الشرعي للفظ أو مصطلح "الصحابي" ويحيل اجتراحه الى مصادر أخرى فلا صلة له بالنص الأول أو بمصدر التشريع الأول في الإسلام وهو القرآن الكريم.
ومن المعلوم أن السنة النبوية المباركة لا تجترح المصطلحات أو ألفاظ الشرع وإنما تعتمد مصطلحات وألفاظ الكريم وتعمد الى شرحها وبيانها وتفصيلها عملا بحدود الله تعالى، وبهذا فإحالتها الى السنة المباركة في جملة من الأحاديث التي يغلب عليها الوضع لا تمنحها تلك الشرعية الدينية-الإسلامية والمصداقية التاريخية.
تعريف الصحابي
لقد كان غياب الاصطلاح الشرعي للفظ الصحابة أو الصحابي أثرا بالغا في ارتباك تعريفه وعدم التسالم على تعريف محدد له، ولم تقدم الأحاديث المروية عن النبي بأسانيد غالبا ما أثارت الجدل والتشكيك بصحتها وقوتها لم تقدم أسسا أولى ومعاني واضحة في تعريف الصحابي، فالتجأ علماء السنّة من المحدثين والأصوليين الى ابتكار تعريفات للصحابي تقوم على الاستنباط الشخصي والاستنتاج البياني الخاص جدا بتصوراتهم الشخصية وقراءاتهم الخاصة، مما جعل أكثر الأشياء اختلافا بينهم هو تعريف الصحابي وتحديد هويته وشروط صحبته من أجل أن تكسبه تلك الشروط حجيته في الحديث والأصول في الفقه، وهو يفسر الى حد كبير غياب الأصل الشرعي له في الدين والشرع الحنيف، ومن هنا فتعريف الصحابي يدخل في دائرة الاجتهاد الشخصي وليس الشرعي،
ويطالعنا كم هائل من التعريفات للصحابي توثق من جانبنا انطباق مفهوم الاجتهاد الشخصي على ابتكاره وانتاجه واقحامه عنوة في مجال الحديث والفقه، فقد جاء تعريفه اشتقاقا لغويا لا يستند الى قرآن صريح وبذلك فقد شرط اصطلاحه الشرعي.
فأصل تعريفه في مصادر أهل السنة والجماعة أنه (رائي النبي - صلى الله عليه وسلم - اسم فاعل من رأى، حال كونه مسلما عاقلا ذو صحبة على الأصح، كما ذهب إليه الجمهور من المحدثين والأصوليين وغيرهم، اكتفاء بمجرد الرؤية ولو لحظة)، وهو رأي أحمد بن حنبل فقد اكتفى بصحبته سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة بل اكتفى بمجرد رؤيته أن يكون قد صحبه وينطبق عليه اسم الصحابي ولم يشترط مجالسته أو مكالمته أو طول صحبته، ومضى على رأيه هذا ابن المديني قال (من صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو رآه ولو ساعة من نهار، فهو من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم) وعلى هذا القول تبعه البخاري فقال ( من صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه).
ويستند هذا التعريف الى أصل اللغة وليس الى اصل الشرع كما هو الحال في كل مصطلحات الشرع الحنيف، فقد ذكر القاضي أبا بكر بن الطيب الباقلاني ( أن لا خلاف بين أهل اللغة أن الصحابي مشتق من الصحبة جار على كل من صحب غيره قليلا أو كثيرا، يقال: صحبه شهرا أو يوما أو ساعة. قال: وهذا يوجب في حكم اللغة إجراء هذا على من صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو ساعة، هذا هو الأصل)، ولكنه نسب الى العرف في الأمة أن الصحبة لا تكون إلا لمن كثرت صحبته وهو يجعل العرف بهذا أصلا في تعريف الصحابي، مما يؤكد خلوه من جذور الاصطلاح الشرعي وانتمائه الى العرف اللغوي والاجتماعي النسبي وهو يقدح في قاعدته التأسيسية له في الشرع، فكل المصطلحات الشرعية انتقلت من دلالاتها اللغوية والعرفية الى دلالتها الشرعية فصارت مصطلحا شرعيا بعد ورودها في النص الأول للشريعة القرآن الكريم مثل ألفاظ الصلاة والصيام والحج والجهاد والزكاة والخمس، ورغم ادعاء المصادر السنية اختلاف تعريف الصحابي بين الأصوليين والمحدثين لكنه يصب في النتيجة بالمعنى الواحد للصحابي لديهم وهو اللقاء والرؤية والوثاقة والحجية لكن طول الصحبة شرطا يضعه بعض الأصوليين.
وقد أثارت تلك التعريفات الاجتهادية الشخصية لمصطلح الصحابي اشكالات عديدة لدى الأصوليين والمحدثين هؤلاء ومنها حكم من رآه من الكفار وحكم الضرير إذ هو لا يبصر النبي أو يراه وحكم الصغير من المسلمين وهو يرى النبي في سني صغره وهل يعد من الصحابة أم لا وكذلك حكم الجن الذين رأوا النبي هل لهم صحبة أم لا وأخيرا هل يدخل في الصحابة من رآه ميتا قبل أن يدفن؟، وهي أحكام لا ينطبق عليها تعريف المصطلح للصحابي باللقاء والرؤية وقد اجابوا عليها بإجابات متكلفة ومتصنعة تستند الى اجتهاد شخصي وأصل عرفي أو لغوي، وفي اشتراط طول الصحبة والاقامة المستمرة مع النبي والاتباع له في قول بعضهم فإنها تستثني من وفد عليه ثم رجع الى بلاده وتستثني الإعراب لدى البعض[1]،
جذور مصطلح "الصحابة" التاريخية
دأبت النصوص التاريخية الإسلامية مثل الطبري والمسعودي وابن الأثير وطبقات ابن سعد في ذكرها أحداث الإسلام العظمى والكبرى من حروب وغزوات ولقاءات واجتماعات ذكر اسماء الفاعلين فيها من المهاجرين والأنصار فيها دون ان تطلق عليهم اسم صحابي أو على جمعهم اسم صحابة، بل لم تذكر كلمة الصحابي أو الصحابة في كل ماوقع من أحداث وأمور في عصر الوحي وبعده في الخلافة الراشدة، ولم تنقل تلك المصادر وغيرها في محاججات السقيفة واختلاف الكلمة في بيعة الخليفة الأول أبي بكر أي نص في خطب المسلمين في ذلك اليوم يذكر كلمة صحابي أو كلمة الصحابة[2].
وكان أخر ماذكرته هذه المصادر التاريخية في أخبار المهاجرين والأنصار هو خروجهم جملة واحدة إلا أقل القليل منهم مع علي بن ابي طالب (ع) في حربه مع معاوية ابن ابي سفيان، فقد كان مع علي (ع) في صفين وفق ما ذكره المؤرخ اليعقوبي سبعون رجلا من أهل بدر وسبعمائة رجل ممن بايع تحت الشجرة، ومن سائر المهاجرين والأنصار أربعمائة رجل ولم يكن مع معاوية من الأنصار إلا النعمان بن بشير ومسلمة بن مخلد ولم يكن أحد من المهاجرين معه[3]، وعن الحكم ابن عيينه (كان في جيشه – أي علي – ثمانون بدريا ومائة وخمسون ممن بايع تحت الشجرة)[4]، وعن عبد الله بن عبد الرحمن بنِ أبزي، عن أبيه (قَالَ: شهدنا مع علي ثمان مائة ممن بايع بيعة الرضوان، قتل منهم ثلاثة وستون رجلا، منهم عمار)[5]
وكانت تلك الحقيقة التاريخية تستفز وعاظ بني أمية ومن يناصرهم فيعمدون الى تكذيبها وانكارها فقد روي عن بعضهم قوله (هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله عشرات الألوف ولم يحضرها منهم مائة بل لم يبلغوا ثلاثين) وروى عن شعبة أن أبا شيبة قال له عن الحكم بن عبد الرحمن بن أبي ليلى (قال: شهد صفين من أهل بدر سبعون رجلا فقال كذب أبا شيبة والله لقد ذاكرنا الحكم في ذلك فما وجدناه شهد صفين من أهل بدر غير خزيمة بن ثابت)[6]، لكن المصادر التاريخية والرجالية كانت قد نصت على أسماء المهاجرين والأنصار الذين كانوا مع علي في حربه مع معاوية [7].
وكان قعود المهاجرين والأنصار عن نصرة معاوية يثير الشك لدى المسلمين في شرعية سلطته وأحقيته في الحكم، ولأجل سد هذا النقص وسد ثغرة افتقاده الشرعية بوقوف المهاجرين والأنصار مع علي (ع) لجأ معاوية الى محاولة حذف المصطلح الشرعي للمؤمنين في عصر الوحي وهو ما أثبته واجترحه القرآن الكريم من اسم ومسمى "المهاجرين والأنصار" واستبداله باسم "الصحابة" في أو ممارسة في تاريخ الإسلام في تحريف الكلم عن موضعه، فقد كان أول ظهور لهذا الاسم أو ذلك اللفظ المحرف في التعبير عن فئات المهاجرين والأنصار في النصوص المروية في تاريخ الإسلام جاء في رسالة معاوية الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال: (ثمّ إنّ الله سبحانه اختصّ محمّدا عليه الصلاة والسلام بأصحاب أيّدوه ونصروه وكانوا كما قال الله سبحانه لهم "أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ" فكان أفضلهم مرتبة وأعلاهم عند الله والمسلمين منزلة الخليفة الأوّل الذي جمع الكلمة ولمّ الدعوة وقاتل أهل الردّة ثمّ الخليفة الثاني الذي فتح الفتوح ومصر الأمصار ثمّ الخليفة الثالث المظلوم الذي نشر الملّة وطبق الآفاق بالكلمة الحنيفيّة)[8]، وهو أول نص في تاريخ الإسلام ورد فيه اسم "الأصحاب" والدلالة فيه على الصحابة، وقد رد أمير المؤمنين علي (ع) على كتاب معاوية هذا بكتاب ثبت فيه اسم المهاجرين والأنصار ثلاث مرات ذاكرا ما جرى بينهم في أمر البيعة والسقيفة دون أن يقول فيهم اسم أو مسمى الصحابة وإنما ذكر فيه ما جاء في كتاب معاوية في هذا الاسم لغرض الرد عليه قال عليه السلام (أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر فيه اصطفاء الله محمدا صلى الله عليه وآله لدينه وتأييده إياه بمن أيده من أصحابه، فلقد خبأ لنا الدهر منك عجبا إذ طفقت تخبرنا ببلاء الله عندنا ونعمته علينا في نبينا، فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر... وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الأولين وترتيب درجاتهم وتعريف طبقاتهم)، ثم ذكرهم في موضع ثاني في هذه الرسالة فقال (ألا ترى غير مخبر لك ولكن بنعمة الله أحدث أن قوما استشهدوا في سبيل الله من المهاجرين ولكل فضل)، وثالث موضع ذكر فيه اسم المهاجرين والأنصار قوله عليه السلام (ولما احتج المهاجرون على الأنصار يوم السقيفة برسول الله صلى الله عليه وآله فلجوا عليهم فإن يكن الفلج به فالحق لنا دونكم، وإن يكن بغيره فالأنصار على دعواهم)[9]، وفي كل ذلك لم يذكر أمير المؤمنين علي اسم الصحابة أو الأصحاب في التعبير عن جماعة المهاجرين والأنصار لأنه اسم غير متداول بين المسلمين الأوائل في عصر الوحي وبعده الى زمنه عليه السلام.
ولم يسبق نص معاوية نصا أخر يذكر فيه اسم الصحابة أو اسم الأصحاب في كل مصادر التاريخ الإسلامي، وإنما لحقه نص أخر لعبد الله ابن عباس وفي كلام له مع معاوية قال (يا معاوية إن الله جل ثناؤه... خص نبيه صلى الله عليه وسلم بصحابة آثروا على الأنفس والأموال)[10]، فكان معاوية أول من وصف المهاجرين والأنصار بالصحابة ويبدو أن أحدا من الصحابة أو من تعارف بهم بهذا المصطلح الحديثي والأصولي السني من المهاجرين والأنصار لم يذكر هذا الاسم في حديث أو قول له بل أن التابعين لم يثبت تداولهم هذا الاسم سوى ماروي عن سعيد بن المسيب تـ94هـ في قوله أو تعريفه للصحابي (إنما يكون صحابيا من اقام مع النبي عاما أو عامين وغزا معه غزوة أو غزوتين)[11]، وهناك رواية عن أنس بن مالك قوله (قد بقي قوم من الاعراب فأما أصحابه فأنا أخرهم)[12] ويعلق دكتور بشار عواد على عدم وجود هذا النص عن أنس في طبقات ابن سعد[13].
ولعل ظهور هذا المصطلح السني كان مقترنا بظهور مصطلح التابعي لغرض التمييز بين من روى عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بلا واسطة من المهاجرين والأنصار وممن أدرك حياة النبي ووعى حديثه وحفظه وهم من أطلق عليهم في مصادر السنة اسم الصحابة، وبين من روى عنهم من أجيال المسلمين الذين لم يدركوا حياة النبي ولم يكونوا معه في المدينة المنورة وهم من اطلقت عليهم تلك المصادر اسم التابعين ومفرده تابعي، وما يؤكد ذلك هو خلو المصنفات التاريخية والأدبية الإسلامية من كلا المصطلحين واندماجهما في المصنفات الحديثية والرجالية السنية وقد جاء التعريف بهما والتمييز بينهما في تلك المصنفات:
فالصحابي إضافة الى تعريفه بما تقدم في تلك المصنفات يثبت بأحد خمسة أمور وهي التواتر والشهرة وإخبار صحابي وإخبار ثقة من التابعين وإخباره عن نفسه، ونصت تك المصنفات على عدالتهم جميعا فينتج عن ذلك قبول جميع رواياتهم[14].
وفي الاجماع على عدالتهم ما يخالف وقائع وحقائق التاريخ وقد اعتذر المصنفون السنة في الحديث والرجال بأن من لابس الفتن منهم يحمل أمره على الاجتهاد المأجور فيه لكل منهم[15] وهو قول يخالف الحق والانصاف بل وشرع الله تعالى، وقسموهم الى أكثرهم حديثا وهم خمسة ابي هريرة وابن عمر وانس بن مالك وعائشة أم المؤمنين وابن عباس وهم من لم يكن ذا مركزية في حياة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأضافوا إليهم جابر بن عبد الله الانصاري، وقسموهم الى اكثرهم فتيا وقسموا طبقاتهم التي بلغت لدى ابن سعد خمس طبقات ولدى الحاكم اثني عشر طبقة وجاءت في تلك التصنيفات افضلهم وأولهم إسلاما وأخرهم موتا[16]، ولانجد في تلك التصنيفات أثرا من القرآن الكريم نصا واضحا في الدلالة أو ظاهرا في الحكم وإنما تصاغ المعايير وفق مسلمات العقيدة السنية وما أجمعت عليه مدارس الحديث والرجال في المصادر السنية، ثم تردف تلك المصنفات بذكر التابعين بعد ذكر الصحابة وتعرفهم لغة واصطلاحا وطبقات وفضلا[17] وغيرها من مستلزمات علم الحديث والرجال، وهو ما يؤكد على اجتراح وابتكار بل وابتداع متأخر لمصطلح الصحابي أو مصطلح الصحابة عموما وعدم استناده الى الأصول الشرعية والقرآنية في وضع المصطلح الشرعي وتمييزه عن المصطلح اللغوي.
اضف تعليق