يخشى مجتمع الأعمال المتطور والنقابات العمالية النشطة وغيرها من المنظمات السياسية والاجتماعية الحديثة في مستعمرة عدن من أن تصبح جزءًا من اتحاد الجنوب العربي. خوفًا من أن يتم العبث بمستقبلهم من قبل زعماء متوحشين أميين متسللين من محميات ريفية متخلفة. من ناحية أخرى، كان زعماء القبائل يخشون من...
كان ميناء عدن تابعًا لسلطنة لحج حتى عام 1939، عندما تنازلت عنه للإمبراطورية البريطانية. بدعوة من السلطان لحج محسن بن فضل، قام اللواء مايكل باغنولد، ممثل التاج البريطاني في اليمن و كان يقيم في المخا، بزيارة عدن في أغسطس 1828. خلالها قام بمسح شامل لعدن، واقترح باغنولد إنشاء محطة آمنة ومريحة بين بومباي والسويس تعمل على تزويد البواخر بالوقود وإجراء إصلاحات طفيفة. وأوصى بأن تكون عدن هذه المحطة لأنها كانت الميناء الوحيد المناسب على طول طريق البحر الأحمر. ولهذا كان احتلال عدن لبريطانيا مشروعًا استراتيجيًا وليس تجاريًا في المقام الأول، كمركز حراسة على طرق الاتصال مع الهند وأرض الصومال البريطانية في القرن الأفريقي.
وتشير المصادر انصب اهتمام البريطانيين في ذلك الوقت على ميناء المكلا نظراً لوفرة القوى العاملة فيه نسبياً، بينما كان من الصعب الحصول على عدد كافٍ من القوى العاملة في عدن (بلغ عدد سكانها ستمائة عام 1834). إذا احتاج البريطانيون الحصول على 62 طنًا من الفحم، فسيحتاجون إلى العمل ستة أيام ونصف. بالإضافة إلى ذلك، ان المكلا أقرب الى بومباي بـ 250 ميلاً من عدن، أنشأت بريطانيا مستودعاً للفحم هناك. أصبح ميناء المكلا في ذلك الوقت أفضل ميناء للبريطانيين في جنوب الجزيرة العربية.
ومع ذلك، حولت بريطانيا انتباهها من هذا الميناء نظرًا لبعدها النسبي عن طريق التجارة البحري المباشر إلى الهند. ثانيًا، لم يكن البريطانيون راضين عن التعاون مع القادة المحليين. ويبدو أن البريطانيين قد رأوا أن جزيرة سقطرى الواقعة قبالة القرن الأفريقي تلبي مطالبهم. احتل البريطانيون جزيرة سقطرى بعد أن فشلوا في شرائها من قادة سلطنة المهرة. تراوح سعر الجزيرة في ذلك الوقت بين 15000 إلى 20000 روبية. طلب البريطانيون الإذن من السلطات المحلية إنشاء مستودعين صغيرين في سقطرى، لكن السلطان أعطاهم مستودعًا واحدًا فقط، اعتبرته بريطانيا عديم الفائدة بسبب الرياح الموسمية. بعدها اكتشف البريطانيون أن المياه في سقطرى سيئة أن القوات المتمركزة هناك كانت تموت من الحمى وكان السلطان غير مستعد للتعاون معهم. عندما قرروا مغادرة سقطرى في 25 أكتوبر 1835، بدأوا في البحث عن مكان آخر مناسب لأنفسهم. تم إرسال ضابط بحري هو النقيب هاينز إلى خليج عدن عام 1835 م. للتحقق من ملاءمة المنطقة كقاعدة بحرية ومخزن للوقود. في تقريره أكد هاينز على ضرورة احتلال عدن لأهميتها الاستراتيجية. بعدها، زار هاينز السلطان محسن سلطان لحج وطلب موافقته على إقامة قاعدة تجارية في عدن، بعدها توقف اتصال البريطانيين مع عدن حتى عام 1837. وفي نفس العام وقع حادث غرق سفينة بريطانية قبالة الساحل اليمني أعطتهم سببًا وجيهًا للاستيلاء على عدن في 19 يناير 1839 م.
منح ميناء عدن الاحتلال البريطاني السيطرة على مدخل البحر الأحمر بعد افتتاح قناة السويس عام 1869. في عام 1937، أصبحت عدن رسميًا مستعمرة بريطانية. أما بالنسبة للدويلات المحلية (السلطنات والمشيخات) القريبة من مستعمرة عدن، فهي دول أبرمت معاهدات صداقة وحماية مع بريطانيا. كان الهدف البريطاني هو حماية الدول المحيطة بمستعمرة عدن من العثمانيين وخصومهم اليمنيين (الإمامة الزيدية)، ولم تكن لديهم الرغبة في ضم مستعمرات إلى الإمبراطورية البريطانية. يتضح ذلك من خلال الخلاف الذي نشأ داخل الاسرة الكسادية الحضرمية عام 1842 م. بعد وفاة النقيب عبد الرب ناشد أبناء النقيب حاكم عدن الكابتن هاينز مساعدتهم على استعادة السلطة مقابل أن تكون إمارتهم تحت الحماية البريطانية. أحال الكابتن هاينز الطلب إلى الحكومة البريطانية في الهند، التي قررت عدم التدخل في شؤون هذه المناطق الذي قد يسبب لهم مشاكل مع القبائل الاخرى. وبالمثل، عندما طلب السلطان محسن سلطان لحج ذخيرة لمساعدته على مهاجمة ميناء شقرة ميناء وعاصمة السلطنة الفضلية، لم توافق الحكومة البريطانية على تزويده بالذخيرة لأن سياستها كانت عدم التدخل في شؤون شبه الجزيرة العربية. وهذا يؤكد أن لكل تلك الدويلات (السلطنات والمشيخات والإمارات) هويتها القبلية الخاصة بها، والهوية اليمنية توحدهم من المهرة إلى باب المندب ومن بحر العرب إلى صعدة، ولم يكن هناك ما يُعرف بـ "الهوية الجنوبية" أو هوية دولة " الجنوب العربي".
بعد الإذلال البريطاني في أزمة السويس عام 1956، شكلت بريطانيا في فبراير 1959 ما يسمى "إتحاد إمارات الجنوب العربي" من المحميات الست المحيطة بعدن، هذا مشروع بريطاني وحد ست سلطنات وهي (سلطنة العوذلي، إمارة بيحان، إمارة الضالع (الأميري)، سلطنة الفضلي، سلطنة يافع السفلى، مشيخة العوالق العليا)، وكان المشروع يسمى المحميات الغربية. هي لم تشمل سلطنات حضرموت (الكثيري والقعيطي والواحدي والمهرة وسقطرى). منذ خمسينيات القرن الماضي أدركت بريطانيا أنها لا تستطيع مجاراة الحركة القومية العربية التي اجتاحت المنطقة، والتي رفضت مشروع الاتحاد، كما رفض السلاطين الاندماج في اتحاد واحد يضمهم جميعًا. سبب فشل المشروع الاتحادي هو عدم وجود نظام حكم لهذه الدويلات وكذا خلافاتهم حول هوية رئيس الاتحاد مما يؤكد عدم وجود هوية جنوبية واحدة شاملة لتلك الدويلات (السلطنات والمشيخات). هناك العديد من الهويات القبلية تحرص القبائل المحلية على حمايتها والتنمر والإستقواء بها عندما تشعر تلك القبيلة بالتهديد أو عدم الأمان. الهوية القبلية والدولة في اليمن ذات اتجاهين، تارة تكون العلاقة فيهما متطابقة لدرجة الاندماج أو الصراع تارة أخرى. تظل هذه العلاقات مستقرة وتحت السيطرة طالما أن هناك مصلحة مشتركة بين صانعي القرار في كلا الجانبين.
توسع "إتحاد إمارات الجنوب العربي"، في عام 1962 ضمت 12 سلطنة ومشيخة. ثم ضمت إليها مستعمرة عدن عام 1963، ثم سلطنة الواحدي الحضرمية عام 1964، أما سلطنات حضرموت (الكثيري، والقعيطي، والمهرة، وسقطرى)، وكذلك سلطنة يافع العليا لم ينضموا إلى اتحاد الجنوب عربي. تم إنشاء اتحاد الجنوب العربي تحت رعاية بريطانيا العظمى انتهى تأسيسها عمليا في عام 1967 بعد فترة وجيزة، أُعلن الاستقلال وأعلنت جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية
الإمامة الزيدية واتحاد الجنوب العربي
كانت الإمامة الزيدية عاملاً ثابتًا في الحياة السياسية في اليمن، وامتد حكمهم إلى تعز. كان الأئمة الزيديون ثيوقراطيين، وليسوا قادة عسكريين أو سياسيين. كثيرا ما اندلعت الانتفاضات القبلية ضدهم، وخاصة بين قبائل وشيوخ جنوب اليمن وحضرموت، الذين تنافسوا على الهيمنة مع السلالات الزيدية. بعد عودة العثمانيين إلى اليمن (لفترة قصيرة في القرن التاسع عشر)، قاومت القبائل الزيدية الشمالية العثمانيين بسهولة، بينما كانت القبائل في الجزء الجنوبي وحضرموت تخشى العثمانيين والإمام الزيدي، باستثناء عدن، مستعمرة بريطانية منذ عام 1839. لذلك دخل شيوخ وسلاطين الدويلات اليمنية الصغيرة (السلطنات والمشيخات) في تحالف مع بريطانيا العظمى.
ونتيجة لذلك، قامت لجنة مشتركة عام 1904 بفحص الحدود وأبرمت معاهدة تحدد الحدود بين شمال اليمن العثماني والممتلكات البريطانية في جنوب اليمن. لاحقًا، بالطبع، رأى كلا اليمنيين في المعاهدة مثالًا صارخًا على تدخل في الشؤون الداخلية. برحيل القوات العثمانية، حصل الشمال على استقلاله في نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918. كان الحاكم الفعلي في الشمال إمام الزيديين يحيى المتوكل. سمح استقلال اليمن في عشرينيات القرن الماضي للإمام بإحياء المطالبة الزيدية بـ " اليمن التاريخي"، حاول الإمام يحيى تعزيز سيطرته على البلاد، التي شملت عدن والمحميات البريطانية. بطبيعة الحال، لم يعترف الإمام يحيى باتفاقية الحدود الأنجلو- عثمانية. من ناحية أخرى، احتفظ البريطانيون بالسيطرة على الجنوب، الذي اعتبروه مهمًا استراتيجيًا واقتصاديًا لإمبراطوريتهم. تميزت الفترة بين الحربين العالميتين بتزايد التنافس بين الإمامة وبريطانيا، حيث سعى الإمام يحيى إلى ضم الجنوب الذي اعتبره إرثه. عزز البريطانيون موقعهم في الجنوب، وكان أهم تغيير ما حققه الدبلوماسي البريطاني هارولد إنجرامز، من ضم حضرموت وواديها الكبير إلى المحمية البريطانية، وتوقيع "سلام إنجرامز" الشهير. في عام 1945.
انتشر الاستياء من يحيى وإمامته إلى شرائح واسعة من المجتمع اليمني، وبلغت موجة المعارضة ذروتها في أوائل عام 1948 باغتيال يحيى والانقلاب على نظامه. تمكن ابنه أحمد بن يحيى من الإطاحة بالحكومة الجديدة وإعلان نفسه إمامًا. لكن جنون العظمة لدى الإمام أحمد بشأن ولاء العناصر القبلية الرئيسية له انتهى بتكبد ابنه البدر خسارة الدعم القبلي له خلال الحرب الأهلية التي أعقبت ثورة عام 1962.
جاءت سياسات الإمامين يحيى وأحمد بنتائج عكسية في الجنوب. لقد أساء الإمامان تمثيل نظام الحكم الإسلامي، الذي كان يفترض في ذلك الوقت أن يكون بديلاً للنظام العلماني البريطاني. أثارت السياسات العدوانية للإمامين يحيى وأحمد قلق الكثير من الأسر الحاكمة (الأمراء والمشايخ) في الولايات الجنوبية. اعتقد الأمراء والشيوخ، ربما هم على حق، أنه إذا سيطر الإمام على دولهم الصغيرة، فإن امتيازاتهم وهيبتهم ستنخفض، بل وربما تدمر. ونتيجة لذلك، وجد معظمهم أنه من المفيد العمل بشكل أوثق مع المملكة المتحدة، والتي دعمتهم في النهاية وضمنت المشاركة في الاتفاقيات المستقبلية. بحلول أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، تطور الاقتراح السابق من اندماج العديد من الدول الصغيرة إلى مخطط أكبر بكثير يشمل جميع الإمارات والسلطنات في كيان سياسي أكبر من شأنه أن يحقق الاستقلال في نهاية المطاف.
الجريمة البريطانية
يخشى مجتمع الأعمال المتطور والنقابات العمالية النشطة وغيرها من المنظمات السياسية والاجتماعية الحديثة في مستعمرة عدن من أن تصبح جزءًا من اتحاد الجنوب العربي. خوفًا من أن يتم العبث بمستقبلهم من قبل زعماء متوحشين أميين متسللين من محميات ريفية متخلفة. من ناحية أخرى، كان زعماء القبائل يخشون من سكان عدن، الذين لديهم خبرة ومعرفة بشؤون الدولة، وفي أسوأ الأحوال، كانوا يخشون منع مشاركتهم في الشؤون السياسية والاقتصادية التي لا يفقهون بها. لكن البريطانيين أصروا على أن تكون عدن جزءًا من الاتحاد لغرض في نفس يعقوب. وبحلول عام 1965 انضمت جميع الولايات الـ 21 إلى الاتحاد، باستثناء السلطنات الحضرمية الثلاث (المهرة والكثيري والقعيطي) بالإضافة إلى يافع العليا، والتي لم تنضم إلى الاتحاد وكانوا مستقلين رسميًا.
بعد ذلك انضمت عدن وجميع السلطنات والدول الأربع المستقلة إلى الاتحاد، يكون اتحاد الجنوب العربي قد اكتمل. بعد فترة وجيزة، غادرت القوات البريطانية والمسؤولين البريطانيين عدن. ولدت جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية المستقلة في 30 نوفمبر 1967 بانتخاب قحطان الشعبي من الجناح الأكثر اعتدالاً في الجبهة الوطنية رئيساً.
اضف تعليق