q
لأول مرة تطرح فكرة التعديل الوزاري لحكومة عراقية منذ عام 2003 وحتى تشكيل حكومة محمد شياع السوداني، الرجل وضع فقرة في برنامجه الحكومي تشترط على القوى السياسية ضمن ائتلاف إدارة الدولة بإجراء تعديل وزاري خلال اول ستة شهور من عمر الحكومة بعد خضوع الوزراء لتقييم مهني بعيداً عن الاستهداف السياسي والتقسيمات المكوناتية...

لأول مرة تطرح فكرة التعديل الوزاري لحكومة عراقية منذ عام 2003 وحتى تشكيل حكومة محمد شياع السوداني، الرجل وضع فقرة في برنامجه الحكومي تشترط على القوى السياسية ضمن ائتلاف إدارة الدولة بإجراء تعديل وزاري خلال اول ستة شهور من عمر الحكومة بعد خضوع الوزراء لتقييم مهني بعيداً عن الاستهداف السياسي والتقسيمات المكوناتية.

الأحزاب السياسية لم تأخذ الفكرة على محمل الجد، واعتقدت انها تأتي في سياق تسييل الحبر بالوعود التي لا تجد طريقها للتنفيذ، لكن السوداني قال في أحدث لقاء تلفزيوني له على قناة الأولى العراقية، أنه عازم على إجراء التغيير وسوف يذهب بالوزراء الفاشلين إلى البرلمان ليقيلهم، وبذلك يضع القوى السياسية في ائتلاف إدارة الدولة أمام مسؤوليتها وتحميلهم مسؤولية الفشل في حال حدوثه مستقبلاً.

صحيح أن فكرة التعديل الوزاري تستند إلى الدستور والقانون، لكنها حديثة في سياق العرف السياسي السائد، فالوزير لدينا عمره من عمر الحكومة، وإذا ما استبعد من المنصب، فلا يستبعد لأن هناك تقييماً مهنياً له، بل لوجود تأثيرات سياسية أقوى من رئيس الوزراء، على أساس أن الأحزاب أقوى من رئيس الوزراء والوزير يحتمي بحزبه لا بالإنجاز الذي يحققه.

ترسيم الحدود

السوداني يريد كسر القاعدة عبر إعادة ترسيم الحدود الفاصلة بين قوة الأحزاب والبرلمان من جهة، وقوة موقع رئيس مجلس الوزراء، إذ يسود شعور عام بضعف موقع مجلس الوزراء وتحول رئيسه إلى مجرد مدير عام كما قال زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي.

ووفق فكرة الخزعلي فالسوداني له حدود ترسمها القوى التي نصبته، وفي هذا الكلام شيء من الصحة، إذ إن النظام السياسي العراقي هو نظام برلماني يعطي قوة كبيرة للأحزاب المهيمنة على عمل البرلمان، وبعد سنوات من العمل وتشكيل حكومات ضعيفة بما يخدم البرلمان يبدو أن موقع رئيس الوزراء قد أفرغ من محتوه.

على سبيل المثال صار الإنجاز التنفيذي بيد رئيس البرلمان في محافظات معينة، وكأنها سقطت من سلطة رئيس الوزراء وتحولت تحت سلطة رئيس البرلمان، وهنا الحديث يكون عن محافظة الانبار، فما نسمعه عن إعمار أو فشل يربط بزعيم حزب تقدم السيد محمد الحلبوسي لا برئيس الحكومة رغم ان أي عمليات إعمار أو حتى فشل تنفيذي يفترض ارتباطه برئيس الحكومة لا البرلمان.

وحتى بعض القوى السياسية السنية تقر بهذا الوضع الذي تآكلت فيه سلطة الحكومة وباتت ضعيفة، رئيس البرلمان الاسبق أسامة النجيفي أقر في برنامج تلفزيوني رمضاني بتوسع سلطات البرلمان على حساب الحكومة خلال السنوات الأخيرة، واعتبره مشكلة يجب على رئيس الوزراء الحالي حل هذه المشكلة كونها تمثل خرقاً للدستور.

ويتفق معه رئيس البرلمان الأسبق محمود المشهداني بهذا الطرح، ويعتقد بأن الضعف نتج عن الظروف السياسية خلال السنوات السابقة، يضاف لها شخصية رؤساء الوزراء السابقين التي تسمح بالتمدد البرلماني على حساب الحكومي التنفيذي.

هناك اتفاق على ضرورة تعديل الكفة لمنع حدوث مشكلات مستقبلية، لكن أي إجراء في هذا الاتجاه سوف يولد احتاك سياسي قد يأزم الوضع بشكل أسوأ، وقد حدث بالفعل عندما شعر محمد الحلبوسي بالضيق من محاولات سوداني لاستعادة سلطته.

طلب الحلبوسي استضافة وزير الداخلية بحجة تجاوز احد الضباط على نائب في البرلمان، وقبلها أخذ إجازة لمدة أسبوعين لعرقلة إقرار الموازنة، بينما تضرب الحكومة في الاتجاه الآخر عبر كشف ملفات فساد كبيرة في مديرية عقارات الانبار، ثم اعتقال الهارب سعد كمبش الذي توفي اثناء الاعتقال وهو من المقربين من الحلبوسي.

الوضع يمكن وصفه بانه كر وفر بين رئيس الحكومة ورئيس البرلمان، وما تزال النقاشات والمبادرات قائمة، إلا ان الثابت في كل هذا ان رئيس الحكومة يريد إعادة ترسيم الحدود بين السلطات، واستعادة مكانة رئيس الحكومة ووضع حد لنفوذ القوى السياسية التي ترشحه وتنتخبه.

وهذا كله بحاجة إلى إصرار وعزيمة ومساندة سياسية كبيرة.

ننتظر الجولات التالية لنعرف أين تستقر سفينة الحكومة وموقعها بين السلطات الأخرى.

اضف تعليق