q
الأحزاب الحالية اجترت الماضي والبسته ثياب عصرية، فهي الآن تمارس الاقصاء للآخر والتهميش لدوافع كثيرة، وفي النهاية هناك من يرى ان النظام الجديد لا يقل بطشا بالشركاء الذين يعانون من التفرد بالقرارات على مستوى التعامل مع الأطراف الأخرى، وكذلك في التعامل مع شركاء الداخل...

وكأن الزمن متوقف في العراق، لا شيء يحدث يجعلك تشعر في تحرك عقارب الزمن، النظام السياسي يسير بنفس الوتيرة، والاقتصاد لا يزال يتعثر، وملف الخدمات هو الآخر غير مكتمل العناصر، ناهيك عن القطاعات الأخرى التي دمرت وغابت ملامحها.

من اسرار نجاح الأنظمة الحاكمة على مر العصور هو الوضوح مع نفسها أولا ومع جمهورها ثانيا، وإذا صدر غير ذلك من قبل الحزب الحاكم مصيره ما انتهى اليه النظام السابق في العراق، الذي سقط دون أي مقاومة شعبية، بل كانت الجماهير مرحبة بالقوات الأجنبية.

النظام السابق كان يصدر نفسه على انه حامي العروبة ومنقذ الامة من التشتت والتفكك، كان كثيرا ما يدعوا الى الوحدة العربية، والدفاع عن الامة الإسلامية من المخاطر التي قد تتعرض لها من هنا وهناك، وفي ذلك إشارة الى العداء مع احدى الدول الجارة والمتحولة الى صديقة في العهد الجديد.

ومع ذلك لم تمكن النظام من الاستمرار بذات النهج وتطبيق الشعارات التي يطلقها امام الشركاء العرب، وفي عام 1991 شن حرب علنية على الكويت، وبذلك يكون قد نسف آخر معاقل الكيان العربي الموحد والذي كثيرا ما يحرص عليه من التفكك والدعوة الى تعاضد الجهود للحفاظ عليه.

الاختلاف بين الظاهر والنوايا الباطنية للنظام السابق هو من ساعد واسهم في تقويض حكمه وإعطاء مشروعية دولية للتدخل في الشأن الداخلي العراقي، اذ شوهد كيف كانت قرارات مجلس الامن والمجتمع الدولي قاطبة لشن الحرب على العراق في عام 2003 وإسقاط النظام واستبداله بآخر وفق الرؤية الغربية وما يخدم مصالحها.

لقد كان من عن عدم الوضوح مع الشعب (النظام السابق)، حرمانه من حصوله على مكافئة الدفاع عنه أوقات المحن والنتيجة هي السقوط اليسير.

جزئية عدم الوضوح الفعلي مع الجماهير، لا تزال متبعة من قبل أحزاب السلطة الحالية، فهي كثيرا ما تنادي بالديمقراطية وحقوق الانسان وتعدها من الخطوط الحمراء الممنوع تجاوزها، بينما الاعتقالات جارية على قدم وساق في صفوف الداعين الى منح هذا الشعب حقوقه وانصافه بالتعيينات وتقديم الخدمات.

الأحزاب الحالية اجترت الماضي والبسته ثياب عصرية، فهي الآن تمارس الاقصاء للآخر والتهميش لدوافع كثيرة، وفي النهاية هناك من يرى ان النظام الجديد لا يقل بطشا بالشركاء الذين يعانون من التفرد بالقرارات على مستوى التعامل مع الأطراف الأخرى، وكذلك في التعامل مع شركاء الداخل.

رجال السلطة الحاليين يتبجحون بحرصهم على حماية المال العام وعدم تبديده من قبل ضعاف النفوس والطارئين على العمل السياسي، لكنهم في الوقت نفسه، يُعبرون مئات الملايين من الدولارات الى الخارج لتضاف الى ارصدتهم وثرواتهم التي اخذت بالانفجار عقب تغيير النظام.

أصيبوا بنفس المرض الذي أصاب بعض الانظمة وهو التصرف خلاف ما يظهر، فقد صدعت الأحزاب السياسية رؤوسنا في الشفافية والمهنية بالتعامل مع بعض القضايا، لكن في الواقع المرير خلاف ذلك، تجد لا مكان للشفافية ويأتي بمحلها المحسوبية وخدمة المصالح الضيقة.

ينادون بضرورة الحفاظ على السيادة الوطنية، وهم لا يكفون عن زيارة الدول التي يرتبطون فيها بالرابط الديني والقومي وغيرها من الروابط، متناقضون في العلن وامام الملأ، يدعون سهرهم على خدمة المواطنين، وفي الحقيقة يقضون ساعات معدودة في العمل لتمرير امر يتعلق بمستقبلهم ووجودهم السياسي، وكان آخر ذلك التصويت على قانون الانتخابات المعدل الذي اضطرت الأحزاب عقد الجلسات حتى ساعات الفجر.

يحتكمون الى الدستور وهم اول من يخرقه إذا اقتضت المصلحة لذلك، ففي الانتخابات الأخيرة، اُدير الملف بعيدا كل البعد عن الاحتكام الى المواد الدستورية، اخترقت جميع البنود القانونية، وتعطلت اغلب مضامينها خدمة لقضية بعينها متجاهلين خدمة الشعب ومصالحه المتعددة.

الأحزاب السياسية الحالية إذا ارادت الحفاظ على تواجدها في السلطة لمديات بعيدة، عليها ان توقف عملية اجترار الماضي واستنساخ تجربته المريرة على العراقيين، ففي الاستمرار مؤشر واضح على قرب ساعة الصفر التي يعلن فيها الشعب مواجهته الساخنة مع هذه القوى التي لبست قناع الخدعة لتمرير ارادتها ونواياها الضيقة.

اضف تعليق