العقد الاجتماعي في ظل النظام الديمقراطي يضمن للمواطن حقه وفق قانون واضح ومحدد بدون أي تأثيرات لأطراف لا تتمتع بصلاحيات دستورية، وخلاف ذلك فهو عقد اجتماعي بين متسلط مهيمن وضعيف لا يملك قراره بنفسه، وأي علاقة قائمة على القوة والضعف، لا تنتمي إلى المفردات الديمقراطية...
العلاقة بين السلطة الحاكمة والشعب تقوم على "إلتزام" من قبل السلطة تجاه الشعب، و"تنازل" من قبل الشعب عن بعض حريته لمصلحة السلطة، أي أن العلاقة تقوم على ثنائية الخدمة والطاعة، أو ثنائية الحق والواجب، فهناك واجبات على الحكومة القيام بها تجاه شعبها، وعلى الشعب أن يتنازل عن بعض حريته. تسمى علاقة الحكومة بالشعب بالعقد الاجتماعي.
وتحديد ثنائية الحق والواجب يكون وفق تشريعات قانونية موثقة ومعروفة لدى الجميع، تبدأ بالدستور، ثم القوانين، ثم القرارات، والتعليمات، وغيرها من الوثائق والنصوص الناظمة للعلاقة بين أطراف العقد الاجتماعي، بين أعضاء الشعب أنفسهم، وبين الشعب من جهة والسلطات الحاكمة من جهة أخرى.
بمعنى آخر إن السلطة لا تحكم بما تشاء، وهي ليست عشوائية ومتغولة، بل تحكم وفق علاقة تعاقدية وقواعد ثابتة قائمة على مبدأ الحق والواجب، وهو ما يصطلح عليه الدستور العراقي بعبارات قانونية واضحة، تتمثل بالحقوق بالنسبة للمواطن، بينما أعطى الصلاحيات بالنسبة للسلطة المسيطرة على مقاليد الحكم، وما يمثلها الجهاز الإداري القائم على تنظيم شؤون المواطنين في جميع أرجاء البلد.
ومن أجل ضمان عدم تجاوز الحقوق والصلاحيات، وزع الدستور السلطات بين سلطة تشريعية يقوم بها ممثلو الشعب في البرلمان عبر تشريع القوانين، والرقابة على تنفيذها من قبل السلطات الأخرى.
ووضعت السلطة التنفيذية لتقديم الخدمات وحماية البلد من العدوان الخارجي وفرض الامن والاستقرار وتوزيع الثروات بين الناس، وهي تعمل تحت رقابة السلطة التشريعية.
وهناك السلطة القضائية التي تختص بفض المنازعات استناداً إلى الدستور والقوانين المعمول بها، بدون تحيز لصالح طرف على حساب الآخر.
كما اعطى الدستور مساحة لا بأس بها لوسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني لتقوم بسد الثغرات، والعمل في المساحات الفارغة بين السلطات، لتتكامل العملية وتولد لدينا دولة ديمقراطية قادرة على تحقيق طموحات الشعب.
دولة الواقع
الحذر كل الحذر أن يصدق العراقي بما كتبته في المقال أعلاه عن عقد اجتماعي وعلاقات يحكمها القانون، فكل الحقوق والواجبات التي ذكرتها والفصل بين السلطات، لا يعمل وفق الطاقة القصوى له، لأن سلطاتنا غير مفصولة عن بعضها واجتماعاتها الدورية تجعلها سلطة واحدة وليست سلطات ثلاث، وانتهاكاتها المتواصلة للقانون والدستور تجعلها مساهمة في انتهاكه بينما وضعت هذه السلطات لضمان حماية القانون.
العقد الاجتماعي الواقعي يمكننا تلمسه عند محاولتنا ترويج معاملة رسمية، إذا كنت مصدقاً بما تسمعه من مبدأ الفصل بين السلطات، ستبقى تراجع صيفاً وشتاء، ويتم تأخير اتخاذ القرار لصالحك او ضدك، لان الموظف العراقي نسي التعامل بالقواعد القانونية، وعندما تسلك الطريق القانوني يعرقل إجراءاتك. انت تحتاج إلى شيء خارج القانون.
عليك إذلال نفسك والتوسل إلى هذا الشخص أو ذاك، ممن بات معروفاً بالواسطة، تملق لواسطتك لعله يتصل بأحد الموظفين في الدائرة الحكومية التي تمت عرقلة إجراءاتك فيها، وسوف ينتهي الأمر.
وفي حال عدم قدرتك على تحمل حجم الإذلال في طلب المساعدة من الواسطة، أنت مضطر لدفع الرشوة، وهنا تعيش حالة من الصراع مع مبادئك، حيث تشعر وكأنك تغرس خنجرك في حنجرة الوطن، لأنك تعلم حجم الخراب الذي تمثله مثل هذه الأفعال.
ما العمل إذاً
تتظاهر في الشوارع لمدة ثلاث أو أربع سنوات، تتحمل الظروف الجوية ببردها وحرها، ومخاطرها، لتحصل على أبسط حق من حقوقك التي ضمنها لك العقد الاجتماعي الموثق في دستور وقوانين البلاد.
على سبيل المثال، لو كنت أحد الطلبة الأوائل، فالقانون يفرض على مؤسسات الدولة توظيفك لديها، لكن لا أحد يطبق هذا النص، تضطر للانتظار عدة سنوات، بينما يتوظف من هم دونك في الخبرة والشهادة والدرجة العلمية، وعندما تصل الأمور إليك يتحدثون عن تكاليف التوظيف وتأثيرها على الموازنة.
لا يبقى سوى طريق التظاهر، من اجل الحصول على الحق الطبيعي المكتوب في القانون.
هناك طريق أسهل من كل هذه الطرق وأقربها إلى تحقيق ما تريد، الانتماء لحزب سياسي أو جماعة مسلحة يختصر لك المسافات، ويفتح لك السيطرات الأمنية، والشوارع المغلقة، ويسمح لك بدخول المدن المحصنة، كل هذا ببطاقة هوية متميزة عن البطاقة الوطنية، تسمى "الباج".
هذه هي طبيعة العلاقة التعاقدية بين الشعب والسلطة، وإذا أردنا توصيفها بشكل أدق، يمكن وصفها بأنها علاقة بين طغيان قلة من المتنفذين والمتحكمين بالقرار، وكثرة من الضعفاء المضطرين لطاعة القلة.
وإذا ما اتفقنا على توصيف الواقع على ما هو عليه، يصبح الحديث عن نظام ديمقراطي يتخذ المواطن قراره بنفسه، ويمارس حريته بما يشاء، نكون أمام توصيف غير مطابق للواقع، إلا إذا كنا نعرف الديمقراطية بتعريفات أخرى تختصر بشتم الحكومات وانتقاد المنظومة السلطوية الحاكمة.
العقد الاجتماعي في ظل النظام الديمقراطي يضمن للمواطن حقه وفق قانون واضح ومحدد بدون أي تأثيرات لأطراف لا تتمتع بصلاحيات دستورية، وخلاف ذلك فهو عقد اجتماعي بين متسلط مهيمن وضعيف لا يملك قراره بنفسه.
وأي علاقة قائمة على القوة والضعف، لا تنتمي إلى المفردات الديمقراطية، بل إلى عالم التسلط وغياب العدالة وسيادة القوة.
ومتى وجدت القوة والهيمنة، وجد الإذلال والخضوع.
اضف تعليق