q
ثنائية الجدال بين الأحزاب السياسية من جهة، والأخيرة والجماهير من جهة أخرى، لا يمكن لها ان تنتهي بهذه السهولة، طالما أصحاب القرار هم من يتحكم بالمشهد ولا يوجد من يقوض حركتهم سوى الحركات الشعبية الخجولة والتي لا يوجد من يصغي اليها، لذا يمكن التعويل بالدرجة الأساس على الوعي الجماهيري...

أكثر من ثلاث مرات يُكسر النصاب داخل البرلمان العراقي من قبل المستقلين والمعترضين على تمرير قانون الانتخابات سانت ليغو بصورته الحالية، واخيرا اتخذ البرلمان الليل جملا لتمرير هذا القانون رغم الاعتراض الشعبي والبرلماني عليه.

جلسة التصويت كانت من الجلسات الصاخبة، واكاد اجزم على انها المرة الأولى التي نلاحظ رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي بهذه العصبية والجدية لتمريره، دون السماع لأصوات المعارضين، وحرصا على هذا الامر طلب تدخل العناصر الأمنية الخاصة بالمبنى لإخراج المعارضين عنوة.

اخراج النواب، (ان كان حدثت فعلا)، رغم ما يملكونه من حصانة دستورية يعد سابقة خطيرة في العمل السياسي العراقي، ويفيد الى جانب ذلك ان الطبقة السياسية الحاكمة الحالية، داخلة في صراع وجودي مع الشعب من جهة ومع الكتل المعترضة من جهة أخرى.

بعد مناشدات حادة واعتراضات استمرت حتى ساعات الصباح وغياب ورفض العديد من النواب تم التصويت على التعديل الثالث لقانون الانتخابات النيابية ومجالس المحافظات وفقا لقانون "سانت ليغو" الذي اعتمد لأول مرة في البلاد عام 2014.

اهم الاعتراضات على القانون هو رجوعه الى المربع الأول، وإثارته مسألة الدائرة الواحدة التي خرجت من اجلها وغيرها من المطالب احتجاجات تشرين في عام 2019، وبهذا التصويت يكون مجلس النواب او بالأحرى الكتل المتنفذة فيه قد قتل آخر صوت تشريني دخل البرلمان بصورة دستورية.

الإطار التنسيقي ومن تحالف معه من الكتل السنية والكردية وكأنهم عبر هذا التصويت أرادوا ان يقصمون ظهر النواب المستقلين الذين نالوا منهم بالتعديل الأخير لقانون الانتخابات الذي تضمن تعدد الدوائر الانتخابية وتشتيت أصوات الأحزاب التقليدية الكبرى، وهو ما خلق لهم مشكلة كبير تمثلت بالمواجهة المباشر مع الكتلة الصدرية.

وبقي يتحين الفرص أي، (الإطار التنسيقي)، لإرجاع المادة التي تحفظ له كيانه من التبعثر، واصوات اتباعه من الضياع، على العكس مما عملته بعض الأحزاب التي وضعت آلية حصر الترشيح لضمان الفوز بالمقعد المخصص لها ضمن الدائرة الانتخابية في المدينة.

الا ان مسألة الدائرة الواحدة تعتبر من الموانع التي تواجه المستقلين من مزاحمة الأحزاب الكبيرة والمتجذرة في العمل السياسي، لذا فأن الرأي السائد لدى نواب الكتل الصغيرة ان هذا البند وضع في القانون لخدمة مصالح قوى الإطار وحلفائهم من القوى السياسية الأخرى.

التصويت الأخير على قانون الانتخابات بيّن ابتعاد اغلب الساسة العراقيين عن مصلحة مواطنيهم، وكأنهم حريصون كل الحرص على تعميق جذورهم دون الانتباه الى ان مثل هذه الأفعال تقلل من فرص فوزهم بثقة الشعب في الفترات والسنوات القادمة، بينما من الصحيح هو العمل على كسب شرائح إضافية لما يوجد من جمهور موالي بشكل كامل.

المعركة التي وضعت اوزارها داخل البرلمان العراقي قبل أيام، في الظاهر انها انتهت لصالح الكتل السياسية، ومن الممكن الشعور بلذة الانتصار الآني او المرحلي، الا انه سيتحول الى معول يدك عروش الأحزاب المصوتة على المدى البعيد، اذ ستضاعف الهوات المتواجدة بين الشعب والنخب السياسية على مدار السنوات الماضية.

ثنائية الجدال بين الأحزاب السياسية من جهة، والأخيرة والجماهير من جهة أخرى، لا يمكن لها ان تنتهي بهذه السهولة، طالما أصحاب القرار هم من يتحكم بالمشهد ولا يوجد من يقوض حركتهم سوى الحركات الشعبية الخجولة والتي لا يوجد من يصغي اليها، لذا يمكن التعويل بالدرجة الأساس على الوعي الجماهيري، فهو الوحيد الذي يمكن ان يهدم صومعة الأحزاب ويزيحها عن الوجود.

اضف تعليق