q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

السقاية الحكيمة والوفرة المستدامة

المسلم بين الاعتدال والتطرف (8)

هذه الوفرة تحتاج إلى ساقٍ حكيم، قائد مدبر يعرف كيف يدير هذه الموارد، عبر الإستثمار الصحيح لهذه المياه، فيوزع هذه النِعَم الموجودة في الأرض على الجميع بحيث لا تستنزف، ولا تنتهي، بل تبقى هذه الموارد موجودة بقيادة الساقي الحكيم الذي يحافظ عليها من خلال عدم التبذير والإفراط والتفريط...

تتصاعد في عالم اليوم أزمة كبيرة جدا وهي أزمة المياه، حيث يعاني من هذه الأزمة الملايين من البشر، ويقدَّر ما عددهُ ثلاث مليارات ونصف المليار من الناس يعانون من هذه الأزمة، حيث تسببت الفوضى المناخية بجفاف الموارد المائية، وبالتالي قلة الأراضي الزراعية، وعدم وصول الغذاء الكافي إلى مجموعة كبيرة من الناس.

ولكن أزمة المياه، لا تدل على قلة المياه، لأن المياه كثيرة، لكنها قد تنفجر بكثافة من خلال عواصف وفيضانات وسيول هائلة، تؤدي إلى التدمير وتصبح غير مفيدة، فماذا يعني هذا الإفراط والتفريط في أزمة المياه؟، يعني أن هناك اختلالا في الموازين وفوضى مناخية هائلة، فالطبيعة تعتمد على التوازن البيئي في مخرجاتها من الموارد والثروات.

التطرف البيئي

هذا الاستهلاك الكبير والصناعة الهائلة والتصحّر وقطع الاشجار، يؤدي إلى ارتفاع في درجات الحرارة، وإلى تصاعد ظاهرة الاحتباس الحراري وارتفاع درجات الحرارة وبالتالي تؤدي إلى ذوبان الجليد الذي يختزن المياه ويحافظ عليها، فهناك شيئان في هذا العالم يحافظان على وفرة المياه، الجبال والأنهار الجليدية والأشجار التي تعمل على تخزين المياه من جهة وصدها من جهة اخرى، وعندما تذوب الأنهار والجبال الجليدية وتُقطَع الأشجار، فإن المياه تذهب هدرا وتتسبب بوقوع سيول وفيضانات وكوارث هائلة.

هكذا نلاحظ الاختلال البيئي الذي يحصل نتيجة لهذه المعادلة، كذلك الامر في التطرف الذي يحدث في المعادلات المعنوية، الإفراط والتفريط كله يؤدي إلى اختلال التوازن الإنساني والاجتماعي.

لقد أتينا بهذه المقدمة حتى نعرف معنى هذه الآية القرآنية: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا) الجن 16.

لو استقام البشر على الطريق الصحيح، والمنهج القويم، سواء كان ذلك في المنهج المادي أو في المنهج المعنوي أو العقائدي أو الثقافي، لأسقيناهم ماءً غزيرا كثيرا، ماءً كثيرا، والسقي أو السقاية هنا تعني الإدارة، إي إدارة الموارد بما يسيطر على الفوضى الكبيرة التي قد تحدثها السيول، واحتوائها واستيعابها نحو الاعتدال والتوسّط والتوازن.

كيف تختار طريق الاستقامة؟

الآية القرآنية تتعلق باختيار طريق الاستقامة، والبحث عن الطريق الصحيح والواضح عن والمعبَّد الذي يؤدي بنا إلى الغايات والأهداف الواقعية في حياتنا.

هذه الاستقامة نجدها في الاعتدال على الطريق السليم الذي يوجهنا نحوه منهج وسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام)، حيث روي عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى: "وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا" قال: يعني لو استقاموا على ولاية علي بن أبي طالب أمير المؤمنين والأوصياء من ولده (عليهم السلام) وقبلوا طاعتهم في أمرهم ونهيهم لأسقيناهم ماء غدقا، يقول: لأشربنا قلوبهم الايمان، والطريقة هي الايمان بولاية علي والأوصياء.

السؤال الذي لابد من الإجابة عنه، إلى أين يؤدي السير في منهج أهل البيت (عليهم السلام):

أولا: الاعتدال وعدم الانحراف

فالانحراف هو سبب كل المشاكل والأزمات، ونجد طريقة الاعتدال من خلال قراءة سيرة اهل البيت (عليهم السلام) ومعرفتها والتعمّق بها وفهمها بشكل دقيق.

ثانيا: التعبير بالماء (لأسقيناهم ماءً غدقا).

يأتي التعبير بالماء، لأن الماء أساس الحياة والوجود والبقاء والازدهار، وأساس التقدم الاقتصادي والزراعي، وبالتالي استمرار الإنسان في الحياة، لكن هذا الماء قد يصبح خطِرا، إذا لم يكن في الطريق الصحيح، والاستثمار بالصورة الصحيحة، لذلك يكون الاعتدال هو الاستفادة من الماء بالطريقة الصحيحة، وعدم الإسراف.

بعض البلدان يقوم الفلاحون بالزراعة الكثيفة الخارجة عن الحد الصحيح، حتى يصدرون منتوجاتهم الزراعية إلى بلدان أخرى، ولكنهم لا يعلمون بأنهم يستنزفون المياه الجوفية الموجودة تحت الأرض، فتفقد هذه البلاد أمنها المائي وتبقى بلا مياه، لاحظ كيف أضاعوا الماء؟، إنهم أضاعوه بالإسراف وعدم الإدارة الصحيحة.

كيف نحصل على الوفرة المستمرة؟

أما لو كان هناك اعتدال في إدارة المياه لاختلفت النتائج، لأن الاعتدال قائم على المعرفة والفهم والإدراك للموازين والمعايير التي يجب أن يقوم عليها العمل والمنهج، لذلك فإن السير المستقيم على منهج أهل البيت وطريقتهم وشريعتهم (عليهم السلام)، يؤدي إلى الوفرة المستمرة، المستدامة، المعتدلة.

لكن هذه الوفرة تحتاج إلى ساقٍ حكيم، قائد مدبر يعرف كيف يدير هذه الموارد، عبر الإستثمار الصحيح لهذه المياه، فيوزع هذه النِعَم الموجودة في الأرض على الجميع بحيث لا تستنزف، ولا تنتهي، بل تبقى هذه الموارد موجودة بقيادة الساقي الحكيم الذي يحافظ عليها من خلال عدم التبذير والإفراط والتفريط والتضييع الهمجي.

كما نلاحظ الآن في بعض البلدان، حيث هناك تضييع للموارد الكبيرة التي تملكها البلاد، حين يأتي حاكم مستبد وجاهل، ومن خلال استبداده يستبعد العقول والخبرات، فتضيع كل هذه الموارد والنِعَم الموجودة في البلاد. ولكن منهج الاعتدال ومنهج القيادة والإمامة هو الذي يؤدي إلى حماية مختلف الموارد والاستفادة منها واستثمارها بشكل نافع، فمنهج أهل البيت (عليهم السلام)، منهج القيادة الحكيمة التي تسقي الأمة سقاية مفيدة مثمرة تأتي بالزرع الوفير، وبالنِعَم الوفيرة وبالاستقرار الذي تحتاجه الأمم من اجل التقدم والبناء.

ثالثا: معنى السقاية (وأسقيناهم ماءً غدقا).

السقي عبارة عن الإدارة المعرفية القائمة على التخطيط والاستدامة والوسطية، لذلك فإن السقاية هنا تعني العمل، يسقي ويحرث الأراضي، ويحفر الترع والأنهار، حتى تصل المياه بالنتيجة للجميع، ويستفيد جميع الناس من هذه المياه، وهذا يحتاج إلى إدارة جيدة، إدارة واعية، ويحتاج هذا الأمر إلى التخطيط الجيد، ولكن المرض الذي يصيب الإدارة ويؤثر على عملها، وهو التطرف والجهل.

التطرف الذي يصيب الإدارة نستطيع أن نشبههُ بالحاكم الذي يريد أن يبني قصرا كبيرا، أو عمارة، أو برجا هائلا كما يجري اليوم في بعض البلدان، حيث تُبني أبراج هائلة من اجل مجد الحاكم، ولكن هذا يستنزف الموارد الموجودة عند الناس، وكذلك يستنزف الموارد الطبيعية الاقتصادية، حتى يبني الحاكم قصوره وأبراجه وامجاده على دماء الناس. هذا هو التطرف، والإسراف، التبذير، والتبديد، وتضييع الموارد.

لكن منهج أهل البيت (عليهم السلام) منهج وسطي، يراعي تطور الإنسان بشكل وسطي معتدل ماديا ومعنويا.

رابعا: لأشربنا قلوبَهم الإيمان.

القلب يحتاج أن يمتلئ بالصالحات والإيمان، لأن المعرفة تأتي من خلال امتلاء القلب بالفضائل والصفات الطيبة عند الإنسان حتى يصل إلى المعرفة الصحيحة، ولكن لو امتلأ القلب بعدم الإيمان وتشرب بالشك، أو امتلأ بالحرص والحسد، والإفراط، وحب الدنيا، يصبح سلوكه متطرفا، مفرطا وغير معتدل.

بالنتيجة تصبح معرفته، معرفة هامشية سطحية عمياء، لا يفهم الأمور فهما صحيحا، ولا يفهم المناهج التي توصله إلى غاياته، لذلك فإن منهج أهل البيت (عليهم السلام) يحيي القلوب بالإيمان، من خلال زرع الفضائل والإيمان، وكل هذا الزرع الطيب للفضائل والسلوك الجيد في قلب الإنسان، يؤدي إلى إحياء البلاد وإعمارها بالاعتدال والعمل.

هكذا يمكن أن نقرأ هذه المعادلة، إنه كيف يصل الإنسان إلى البناء، إلى الإعمار الحقيقي، وإلى الاستفادة المعتدلة من الثروات، وإلى الاستفادة الطيبة الوسطية من الموارد الطبيعية والبشرية، يتحقّق ذلك من خلال نماء القلب، واستدامة هذا النماء بالطيبات والصالحات من الأخلاق الحكيمة، والأخلاق الجيدة التي تؤدي إلى نمو سلوك الإنسان نموا صالحا، وبالنتيجة فإن هذا النمو يؤدي به إلى السير في طريق متصاعد ومستمر نحو الأمام.

خامسا: استحكام الإيمان وقوة اليقين.

في الاستفادة من هذه الآية القرآنية، وفي منهج الاعتدال لأهل البيت (عليهم السلام)، وكيف يوصلنا هذا المنهج إلى النِعَم الكبيرة، والاستفادة الحكيمة من الثروات والموارد، بما يؤدي الى استحكام الإيمان وقوة اليقين، اشربنا في قلوبهم، تعني امتلأت قلوبهم بالإيمان، وهذا هو الإنسان الذي يسير في طريق معتدل في الدنيا سلوكيا، وأخلاقيا، وعمليا، وإيمانيا، فإن قلبه يستحكم بالإيمان واليقين. ويتشرب بالصالحات بشكل كامل، ويمتلئ قلبه بالإيمان وقوة اليقين، بفضل الاستقامة والاعتدال.

الشك أساس البؤس والتعاسة

وعندما ينحرف الإنسان عن طريق أهل البيت (عليهم السلام) وعن طريق الإيمان، فإن ذلك سوف يؤدي إلى تسلّل الشك والقلق الذي هو أساس البؤس والتعاسة والخوف.

كيف يكون الإنسان حين يعيش تحت هيمنة الظالمين ومناهج الاستبداد والديمقراطيات الزائفة، والاقطاعيات المستحكمة، والتفاوت الطبقي الكبير بين الفقراء والأغنياء؟

إنه يعيش في القلق والخوف، ولا يعيش في الاستقرار، ويكون قلبه في شك دائم، ولا يوجد إيمان في قلبه، بل هناك شك في قلبه، وهذا الشك يؤدي به إلى أن يعيش بائسا وتعيسا في حياته.

ولكن لو استحكم الإيمان في قلبه، والتزم بمنهج أهل البيت (عليهم السلام)، فهذا يؤدي به إلى الاستقرار والطمأنينة، وعدم القلق وعدم الخوف.

سادسا: القيادة الحكيمة.

لابد من الالتزام بهذه القيادة الحكيمة والالتزام بطاعتها، فلا يكفي أن تؤمن بهذه القيادة، ولكن لابد أن تلتزم بهذه القيادة، وعليك طاعتها في أمرها ونهيها، وعلى كل شخص ان يكون منصفا مع نفسه، وأن لا يخدع نفسه، وليذهب ليقرأ روايات أهل البيت (عليهم السلام) وأن يقارن نفسه بهذه الروايات، هل هو ملتزم بما تقوله هذه الرواية، وهل هو ملتزم بأمر الإمام وبنهجه؟.

الإيمان وحده لا يكفي، لأن الإيمان هو عمل، والإيمان بلا عمل هو ليس بإيمان، الإيمان يكون مع العمل، والالتزام بالأوامر والنواهي، حتى يكون المنهج مستكملا، لأن المنهج يحتاج إلى عمل، فهناك قواعد عقائدية وفكرية وثقافية، هذه القواعد تحتاج إلى الالتزام والطاعة، والالتزام بالأوامر والنواهي حتى يستكمل المنهج وجوده وتتحقق الغايات المطلوب.

فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الإيمان والعمل أخوان شريكان في قرن، لا يقبل الله أحدهما إلا بصاحبه)، وعنه (صلى الله عليه وآله): (لا يقبل إيمان بلا عمل، ولا عمل بلا إيمان).

عندما يُصاب الإنسان بالمرض، فيذهب إلى طبيب جيد وحاذق، لكنه لا يشفى، نعم هو أدى ما مطلوب منه وذهب إلى الطبيب، لكنه لم يحصل على الشفاء لأنه لم يلتزم بأوامر الطبيب، ونهيه عن بعض الأمور، كما أن المريض لم يستعمل الدواء بالشكل الصحيح وكما أوصاه الطبيب بذلك، ولم يمتنع عن بعض الأغذية التي كان يجب عليه أن يمتنع عنها، ولهذا سوف يبقى مريضا، بل يسوء وضعه الصحي أكثر من ذلك.

كذلك فإن الإنسان الذي يمتنع عن الالتزام بأوامر أهل البيت (عليهم السلام) ونهيهم، سوف يبقى مريضا ولا يصل إلى الغايات الصحيحة، فيبقى بائسا شقيًا.

تبقى الأمة متخلفة وتعيش الأمّية عندما تبتعد عن الطاعة المطلوبة التي توصله إلى مستوى (لأسقيناهم ماءً غدقا).

سابعا: الأسباب والمسببات.

(وإن لو) أي يتوقف الأمر عليهم، فهذا الذي نعيشه اليوم مرتبط بعالم الأسباب والمسببات وليس التمنيات، التقدم والازدهار كله يتحقق من خلال العمل بالأسباب حتى نصل إلى المسببات، ليس هنالك تقدما أو وصولا إلى طريق الاستقامة، وطريق التطور، إلا من خلال العمل بالأسباب والمسبّبات، والأسباب الحقيقية تأتي في منهج أهل البيت (عليهم السلام) وطاعتهم، والالتزام بأمرهم، والالتزام بنهيهم حتى يصل الإنسان إلى المسببات التي يحتاجها في الحياة السليمة والصحيحة.

ما هي نتائج الاستقامة على طريق أهل البيت (عليهم السلام)؟

إن الأشياء تُعرَف بنتائجها، فما هي النتائج التي يمكن أن نحصل عليها، إذا التزمنا بمنهج أهل البيت (عليهم السلام)، في طريق الاستقامة والاعتدال؟

نستكشف النتائج فيما روي عن الإمام علي (عليه السلام): (إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله) وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقْرَأُ كِتَاباً وَلَا يَدَّعِي نُبُوَّةً فَسَاقَ النَّاسَ حَتَّى بَوَّأَهُمْ مَحَلَّتَهُمْ وَبَلَّغَهُمْ مَنْجَاتَهُمْ فَاسْتَقَامَتْ قَنَاتُهُمْ وَاطْمَأَنَّتْ صَفَاتُهُمْ).. ومن النتائج هي:

1- المعرفة:

النتيجة الأساسية التي يحتاجها الإنسان في تقدمه بالحياة هي المعرفة، (وليس أحدا من العرب يقرأ كتابا)، فالكتاب هو دليل المعرفة، فهذه الرسالة المحمدية العلوية هي التي أعطت المعرفة الحقيقية للأمة.

يمكن أن نرى أحدهم اليوم يدرس كثيرا إلى أن يصل إلى مرتبة عالية من الدراسة، ولكن نلاحظ أن هذا الإنسان غير فاهم، وليس عنده فهم في كثير من الأمور، ورغم أنه يمتلك معلومات لكنه يبقى جاهلا، ولكن المعرفة هي من نتائج طريق أهل البيت (عليهم السلام)، لأنها معرفة قائمة على البصيرة، لذلك فإن الاستقامة على منهج أهل البيت (عليهم السلام) يوصلنا إلى المعرفة الواقعية، حيث القراءة الحقيقية.

سؤال نوجّهه للقارئ الكريم، هل تقرأ كتابا، كم نقرأ في اليوم او في الشهر او في السنة؟، أليست رسالة الإسلام ورسالة أهل البيت (عليهم السلام)، هي القراءة؟

وعن الإمام علي (عليه السلام): (العلم أول دليل، والمعرفة آخر نهاية)، وعنه (عليه السلام): (لقاح المعرفة دراسة العلم، لقاح العلم التصور والفهم).

إن منهج أهل البيت (عليهم السلام) قائم على المعرفة، فلابد أن تكون عارفا بحقّهم، لذلك فإن المعرفة تحتاج إلى إطّلاع وإلى تعلّم، إلى قراءة، إلى تعمّق، إلى تدبّر في الروايات الشريفة، على الأقل يجب أن تقرأ الروايات الشريفة، وتتعمق فيها، وتطابق مضامينها على مجريات حياتك.

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أفضلكم إيمانا أفضلكم معرفة).

القراءة مهمة في حياة الإنسان، لأنها تعطي للإنسان معرفة بكيفية أن يعيش في حياته، وكيف يمكن أن يتخلص من مشكلاته، وكيف يجد الحلول في حياته، لذلك فإن المعرفة مهمة جدا، وهي من أهم نتائج منهج أهل البيت (عليهم السلام).

وعن الإمام علي (عليه السلام): (أسعد الناس من عرف فضلنا، وتقرب إلى الله بنا، وأخلص حبنا، وعمل بما إليه ندبنا، وانتهى عما عنه نهينا، فذاك منا، وهو في دار المقامة معنا).

2- السكن المحترم ماديا ومعنويا.

(حتى بوّأهم محلّتهم)، يعني أسكنهم مسكنهم اللائق، والسكن اللائق طبعا يعبر عن البيت الذي يعيش فيه الإنسان، وكذلك عن الوطن الذي يعيش فيه الإنسان، الوطن المادي والوطن المعنوي، هذا يعني إن الإنسان يحتاج إلى مكان سكن لائق يشعر فيه بالاحترام.

الإنسان الذي يريد أن يشعر بالسكن اللائق، وأن يكون هذا السكن لائقا به، لابد أن يكون هو أيضا لائقا بهذا السكن من خلال الالتزام بالفضائل والآداب، والعقائد الصحيحة السليمة، لأن الإنسان الذي لا يمتلك الفضائل الجيدة والعقائد الصحيحة، والسلوكيات السليمة، فإن هذا الإنسان أينما يسكن، لا يستطيع أن يعيش في سكن لائق.

لأن السكن اللائق يتم في تكامل بين الجانب المادي والمعنوي وفي تحقيق الاحترام، فيعيش مع جيران صالحين، ويعيش في وطن صالح، وكذلك هو يكون إنسانا صالحا من خلال اكتسابه للفضائل.

(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم 21.

3- النجاة وحسن العواقب

(وبلَّغهم منجاتهم)، فكلنا اليوم نبحث عن النجاة، عن الطريق الذي يقودنا إلى الحياة السليمة، عن السلامة والنجاة من المخاطر التي تسببها الثقافات المنحرفة، والأخلاق السيئة التي تحصل في البلدان والمجتمعات كافّة، لذلك نحن نحتاج إلى النجاة.

منهج أهل البيت (عليهم السلام) في الاستقامة، غايته الوصول إلى حسن العاقبة والنجاة من السقوط، ولكن بعض الناس تفكيره منحصر فقط بالعيش اللذيذ والتمتع بالماديات، ولا يفكر في نجاته. وحسن عواقبه، وعندها يصل إلى نهاية يجد نفسه دونما عاقبة.

وعن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام): (إن خواتيم أعمالكم قضاء حوائج إخوانكم والإحسان إليهم ما قدرتم، وإلا لم يقبل منكم عمل، حنوا على إخوانكم، وارحموهم تلحقوا بنا).

لذلك لابد على الإنسان أن يفكر بحسن العاقبة، في الطريق إلى العواقب السليمة، من خلال الالتزام بالمنهج الصحيح في الحياة.

وللبحث تتمة...

اضف تعليق