العدالة مبدأ إلهي سماوي وقاعدة قانونية إنسانية، فعندما تسود العدالة يشعر الناس بالكرامة والاطمئنان والسعادة، وعندما تغيب العدالة وتهتز موازينها تسود الفوضى ويتسلط الفوضيون والفاسدون والتافهون! العدالة ليست المساواة، وليست القسوة، انها وضع الشخص في مكانه الصحيح ووضع المكين في مكانته، واحقاق الحق، وكشف الحقيقة، بلا تحيز او مداراة او خداع...
العدالة مبدأ إلهي سماوي وقاعدة قانونية إنسانية، فعندما تسود العدالة يشعر الناس بالكرامة والاطمئنان والسعادة، وعندما تغيب العدالة وتهتز موازينها تسود الفوضى ويتسلط الفوضيون والفاسدون والتافهون!
العدالة ليست المساواة، وليست القسوة، انها وضع الشخص في مكانه الصحيح ووضع المكين في مكانته، واحقاق الحق، وكشف الحقيقة، بلا تحيز او مداراة او خداع.
قبل أيام كنت في حوار مع صديق من أيام الدراسة الثانوية وهو اليوم من كبار القضاة المتقاعدين، ورحنا نتحدث عن رحلة العمر القصيرة، ونتذاكر في مواقف واحداث وقصص عشناها منفردين او متشاركين في بعض تفاصيلها، وهنا سألته: ما مفهوم العدالة عند قاض حكيم!؟
تأمل قليلا في السؤال ثم قال:
- من خلاصة تجربتي استطيع ان أقول ان هناك نوعين من العدالة هما؛ العدالة المبصرة والعدالة العمياء!؟
تعجبت من هذه التسمية فقلت هل يمكن ان توضحهما عبر مثال او واقعة!؟
قال: نعم.. كنت قاضيا ووردتني قضية شاب قتل والديه نحرا، واستولى على اموالهما وبيتهما الوحيد.. وفي يوم النطق بالحكم بالإعدام وفق القانون النافذ، كنت قبل الجلسة متحفزا للحكم بقسوة لأن ضميري مستفز نتيجة عقوق الولد وسقوطه الأخلاقي، كنت انظر في اوراق القضية والاعترافات فأشعر بجسدي يرتجف من هول الجريمة وبشاعتها، وعندما وقف الشاب أمامي كنت اريد ان اقوم من مكاني واصفعه، لكن مكانتي جعلتني اتظاهر بالصبر والحكمة!
طلبت منه ان يسرد ما جرى، فقال وهو يبكي، لم يجري اي شيء مما تراه امامك في اوراق الاعتراف، فقد دخلت البيت ووجدت والدي مقتولين لا اكثر!
سألته: ألم تقتلهما انت!؟
قال: سيدي القاضي انا لم اذبح دجاجة في حياتي فهل تراني قادرا على ذبح أمي وأبي!؟
شعرت بالحيرة والدوار، فهذا الشاب الحزين الرقيق لا يمكن ان يكون قاتلا، كما يبدو أمامي، ولكن ما هي الحقيقة!؟
قلت: لماذا اعترفت على نفسك!؟
قال: شاهد آثار التعذيب في جسدي وستعرف الجواب!؟
قلت مع نفسي لو حكمت عليك الان بالإعدام ماذا تقول!؟
قال الشاب: هذه تسمى (العدالة العمياء) يا سيدي!؟
كدت اسقط من الكرسي فقد اهتزت الأرض تحتي لهذا الوصف الرهيب!
قلت وما هي العدالة الحقيقية في نظرك ايها المتهم بالقتل!؟
قال الشاب؛ لو اعدت التحقيق وجمعت أدلة جديدة وتعمقت في الاستجواب سوف تكون العدالة مبصرة وليست عمياء!؟
شكرته ورفعت الجلسة بعد ان قررت اعادة التحقيق من قبل ضباط ومحققين اخرين بأسرع وقت وتحت اشرافي المباشر!
التحقيق الجديد المعمق المحايد كشف عن تفاصيل مذهلة اولها براءة الشاب من تهمة القتل وثانيها تورط احد الجيران من المسؤولين الكبار في ذلك الوقت بترتيب الجريمة بهدف الاستيلاء على بيت المقتولين بعد ان رفضا بيعه لذلك المسؤول الذي يريد التوسع في بيته على حساب جيرانه!
كشفت خيوط الجريمة كلها وجعلت المسؤول والقاتل المستأجر في قفص الاتهام وحكمت عليهما بالإعدام، وتلك هي العدالة المبصرة، ولكن ما اصعبها فقد كانت حياتي ووظيفتي مهددة أمام جبروت المجرم!
رويت هذه الواقعة في حضرة مسؤول (كبير) ولكن ما اصغره امامي، وطلبت منه اعادة التحقيق في قضية كنت متهما فيها بأنني قلت في رسالة واتس ان فلان الفلاني فاسد!
اجاب ذلك الاعمى قلبا وعقلا: ان تظلمك غير صحيح لان لجنة التحقيق تقول انك تصر على الاتهام ولم تتراجع او تعتذر!
قلت نعم انها العدالة العمياء!
نهضت ولم اودعه، ونلت وسام جدي الإمام الحسين عليه السلام عندما قال لا للظلم والفساد في مواجهة اكثر من ثلاثة الاف سيف مرفوع بالباطل!
تبا للفاسدين والظالمين! ورمضان مبارك وصيام مقبول ان شاء الله لمن صحت نياته وصدقت اقواله وتنزهت افعاله!
اضف تعليق