q
حين تستمر لعبة الفساد دون توقف, ودون الكشف عن مرتكبي جريمة سرقة المال العام, فهنا سيقوم العقل بأخطر وظيفة وهي الحكم على الحياة كلها بانها بلا معنى. وقد يعتقد الكثير من السياسيين ان الانسان يكتفي مثلا بكره الفاسدين لكنهم لا يعلمون ان العقل البشري قد يصبح اداة عدمية تحكم على الجميع بالخيانة...

كثيرا ما افكر بسلوك الحكومات المتعاقبة, واتساءل اي مواطن صنعت بعد اعوام الفساد الطويلة؟ نعم عزيزي القاريء, الحكومات تصنع شعوبها, كما يصنع معمل اي معمل منتجاته. فاذا كانت البضاعة المصنوعة جيدة فستكون في النهاية ماركة مسجلة باسم ذلك المصنع, اما اذا كانت البضاعة رديئة, فستسجل ماركة سيئة لمن انتجها.

من هذا المنطلق استطيع القول ان الانظمة في كل العالم تصنع شعوبها, وتصنع سعادته او تعاسته. بمعنى ادق, ان حكومة النروج مثلا لديها القدرة على صناعة اكثر الشعوب سعادة على وجه الكرة الارضية.

السعادة اذن ماركة مسجلة لحكومة النروج, وربما لحكومات غربية اخرى. تكشف هذه المقدمة عن حقيقة مهمة لا بد من ايضاحها. هذه الحقيقة تقول: كلما اختفت الحكومة من الظهور اعلاميا, واكتفت بالعمل والتزمت النظام والانجاز فهذا يعني ان القانون يطبق بشكل جيد.

أما اذا ظهر الوزراء والنواب, ورئيس الوزراء في حوارات وجلسات ومؤتمرات فهذا يعني ان هناك فوضى لا يمكن اصلاحها. حين يختفي المسؤول او حين يظهر كمواطن عادي وهو يقود دراجته او يصعد الى المترو فهنا تصل الرسالة الواضحة وهي: لقد برز دور المؤسسة بدلا من دور رئيس الوزراء او دور النائب.

ما زلنا نعيش في العصر البدائي حين يصرخ مواطن بانه يطالب رئيس الوزراء بان يعطيه قطعة ارض او ان يمنحه فرصة عمل. يقوم اي مواطن باستجداء عطف المسؤولين لأنه لا يجد غيرهم امامه اذ لا توجد مؤسسة يتوجه اليها.

لذا نشاهد الرئيس في دولة محترمة يصافحه الناس بكرامة, ولا يطلبونه شيئا لأنه مجرد موظف في كيان ينفذ القانون قدر ما يشاء. وهكذا تقوم الحكومة الناجحة بجعل مواطنيها يفخرون بحياتهم.

في حين قامت الحكومات التي جاءتنا باسم الديمقراطية بلعب دور سلبي وهي تحطم قناعات الناس باي اصلاح. ان الحديث عن الفاسدين, وعن حيتان فساد لا يمكن صيدهم اصاب الجميع بخيبة امل.

وحين تستمر لعبة الفساد دون توقف, ودون الكشف عن مرتكبي جريمة سرقة المال العام, فهنا سيقوم العقل بأخطر وظيفة وهي الحكم على الحياة كلها بانها بلا معنى. وقد يعتقد الكثير من السياسيين ان الانسان يكتفي مثلا بكره الفاسدين لكنهم لا يعلمون ان العقل البشري قد يصبح اداة عدمية تحكم على الجميع بالخيانة, ثم يبدأ العقل بتبرير اكثر الاخطاء قسوة.

اذن هناك ماركة مسجلة باسم الحكومات المتعاقبة طوال الاعوام الماضية. لقد صنعت هذه الحكومة او تلك انسانا يكره الحياة, انسانا لا يثق بالغد, ويفضل ان يعمل مع اي مسؤول فاسد كي لا يبقى عاطلا عن العمل ومنبوذا من المجتمع. انسان مهزوم مشرد لا يثق بشيء, هو ما صنعته اعوام السياسة وصفقاتها الفاسدة.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق