ومن ناحية المعنى والمفهوم، فإن الإنسان المفكر من المفترض أن لا تنقصه المعرفة والدراية من هذه الجهة، وأن لا يغيب عن باله هذا الجانب، ويكون الأكثر وعيا وإدراكا به، وبصورة مستمرة. ومن ناحية الأسس والقواعد، فإن الإنسان المفكر يدرك كذلك أن المنهجية لها محدداتها في التعريف العلمي والمنطقي...
عند النظر في علاقة الإنسان المفكر بفكرة المنهجية، يمكن القول إن هذه العلاقة لها ثلاثة أبعاد أساسية، هي:
أولا: علاقة معرفة ودراية على مستوى العلم والنظر، بمعنى أن الإنسان المفكر المشتغل بالبحث الفكري، يفترض فيه أن يكون صاحب معرفة ودراية بفكرة المنهجية، وذلك من ناحية الحكمة والفلسفة، ومن ناحية المعنى والمفهوم، ومن ناحية الأسس والقواعد.
من ناحية الحكمة والفلسفة، فإن الإنسان المفكر يدرك بعمق أثر وتأثير فكرة المنهجية في تاريخ تطور الفكر والعلم والمعرفة، وما لهذه المنهجية من حكمة وفلسفة، ويكفي للدلالة على ذلك أهمية مقدمة ابن خلدون في تاريخ تطور علم وفلسفة التاريخ، وفي تاريخ تطور علم الاجتماع وفلسفته، فهذه المقدمة الفائقة الأهمية على ممر الأزمان، كانت بمثابة المنهجية في كتابة ودراسة ما اسماه ابن خلدون لتاريخه (أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر)، هذا في المجال الإسلامي.
وفي المجال الغربي الحديث تبرز أهمية كتاب (مقالة في المنهج) للفيلسوف الفرنسي الشهيرة ديكارت، الفيلسوف الذي فتح عصرا جديدا على الفكر الأوروبي، نقله من الأزمنة القديمة التي كان عليها لفترة طويلة، هي أزمنة الفكر اليوناني القديم، إلى الأزمنة الحديثة، أزمنة الفكر الأوروبي الحديث، وبهذا التأثير أخذ ديكارت يوصف في الأدبيات الأوروبية بأبي الفلسفة الحديثة.
ومن ناحية المعنى والمفهوم، فإن الإنسان المفكر من المفترض أن لا تنقصه المعرفة والدراية من هذه الجهة، وأن لا يغيب عن باله هذا الجانب، ويكون الأكثر وعيا وإدراكا به، وبصورة مستمرة.
ومن ناحية الأسس والقواعد، فإن الإنسان المفكر يدرك كذلك أن المنهجية لها محدداتها في التعريف العلمي والمنطقي، ولها أسسها وقواعدها في هذا الحقل العلمي والمنطقي كذلك.
ثانيا: علاقة خبرة وتجربة على مستوى الممارسة والعمل، بمعنى أن الإنسان المفكر يفترض فيه أنه أتيحت له فرصة واسعة لأن يتعامل مع فكرة المنهجية على مستوى الممارسة والعمل والتطبيق، وبشكل تجعله صاحب خبرة وتجربة، وما من مفكر ينتمي إلى الأزمنة القديمة أو الحديثة، ومهما كانت ديانته وثقافته ولغته، إلا وله خبرته وتجربته الخاصة والطويلة، والمثمرة أيضا في هذا الشأن.
وبالعودة إلى ابن خلدون، فإن مقدمته الشهيرة كشفت وعرفت عن جانب المنهجية، وعن منهجيته الخاصة تحديدا، وأن تاريخه المصنف كشف وعرف عن ممارسته وعمله في تجريب وتطبيق تلك المنهجية، وهكذا حال الآخرين أمثال أبن خلدون وغيره.
ثالثا: علاقة أثر وإنجاز على مستوى الفعل والعطاء، بمعنى أن الإنسان المفكر يفترض فيه أنه قد استفاد ولفترة طويلة من فكرة المنهجية، في إنجاز الأعمال الفكرية على مستوى الكتابة والتأليف، الأعمال التي يفترض فيها كذلك أنها تمثلت واصطبغت بالمنهجية، وجاءت أثرا وحصيلة لها.
لهذا يمكن القول: إن الإنسان المفكر هو صاحب وعي كبير ومستمر، في إدراك أهمية وقيمة فكرة المنهجية على مستوى النظر من جهة، ومستوى العمل من جهة أخرى.
اضف تعليق