الانسان الذكي هو الانسان الذي يحسن الاستثمار في الفرص، ومنها فرصة العمر، لكي يحقق النجاح في الدنيا والسعادة في الاخرة، وحتى لا يتحول الى انسان شقي ومتعب ولا قيمة له في هذه الدنيا وكذلك في الاخرة، عليه ان يجتهد في اقتناص الفرص الموجودة من حوله، او يسعى...
اغتنام الفرص ومنع ضياعها او اهدارها، اسلوب الانسان الذكي الذي يسعى لتحقيق النجاح، قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): "إن الفرص تمر مر السحاب، فانتهزوها إذا أمكنت في أبواب الخير، وإلا عادت ندماً"، وهي السمة التي ميزت سيرة العظماء للوصول الى القمة، ومواصلة العطاء في مختلف مجالات البر والخير، فلم يكن للسكون او الجمود معنى في قاموس مسيرتهم الحافلة بالإنجازات الانسانية، خصوصاً لمن يدرك جيداً ان النجاح في فهم فلسفة الحركة واقتناص الفرص فيها خلال أيام حياته المحدودة، سوف يؤدي الى تحقيق السعادة والاطمئنان والراحة في أي حياة يعيشها
الفرص التي يمكن اغتنامها واستثمارها كثيرة، بل هي أكثر من ان تحصى او تعد، فهي بعدد عمر الانسان، في أيامه وساعاته ودقائقه وثوانيه ولحظاته، ومثلها الفرص المهدورة، لا يمكن حصرها او جمعها، وبالتالي فان الانسان مرهون بقدرته على التعامل مع هذه الفرص، مع وجودها او القدرة على خلقها، وكيف يمكن له الاستثمار فيها، وصولا الى النجاح، وقد عرفها المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي: "الفرص هي عبارة عن أوقات زمانية رائعة، لما تحمل في طياتها من خير للإنسان، ولكن على الإنسان أولاً: أن يدرك أن هذه اللحظات هي الفرصة التي لا تعود، ويعرف ثانياً: كيف يستغلها ويستفيد منها فائدة عقلائية، فعلى الإنسان العاقل والذكي أن يستغل أوقاته بشكل تام وصحيح، وأن يستقبل الفرص ويتقدم هو نحوها، لا أن ينتظر قدومها هي نحوه".
اما اهدار الفرص فيعني الانهزام والتراجع الداخلي للإنسان، والتحول من الحركة والنشاط الى السكون والكسل، مع تراكم الخسائر المعنوية والمادية التي يمكن لها ان تطيح بقدرة الانسان على الاستمرار في الحياة، فضلاً عن العطاء، وهي ليست من علامات الانسان الناجح كما يشير اليها السيد الشيرازي: "أما الاتكال على طول الأمل، ومجرد الأماني، والاغترار بالوساوس الشيطانية، والأفكار الواهية، وإقناع المرء نفسه بأنه طويل العمر، وأن عمل اليوم سوف يقوم به غداً، وما إلى ذلك، فهذا كله عبارة عن الإسراف والتبذير للعمر الغالي، والتسويف والتضييع للوقت الثمين، وهي ليست من علامات الإنسان الناجح".
الاستغلال الأمثل للفرص واستثمارها في أفعال الخير والاعمال الصالحة، هو المفتاح نحو الرضا والتصالح مع الذات ويعزز من الطاقة الإيجابية التي تحرر الانسان من الكسل والخمول والكآبة، كما انها تساهم في نهضة الانسان وقدرة على التخلص من القيود الوهمية التي كبلته بفعل عوامل الزمن لتحدث نقلة كبيرة في حياته التي يعيشها لمرة واحدة في هذه الدنيا: "فإن الإنسان عندما يؤدي العمل الصالح ويأتي بفعل الخير، فإنه يشعر بالراحة النفسية، لأنه يرى أن فعله هذا صدر في محله، وأنه قد استفاد من الزمن استفادة تامة، (...)، على العكس من الذي ضيع ساعات عمره في اللهو واللعب، فإنه يندم على كل لحظة لم يستثمرها في فعل الخير، ويتعقب ذلك الندم حسرة نفسية وكآبة روحية".
في حديث شريف قال فيه رسول الله (صلى الله عليه واله): "يا أبا ذر، اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك"، نجد الكثير من الدلالات والنصائح التي يمكن الإشارة اليها في تحقيق قصد الفرصة واستثمارها لدى الانسان الناجح منها:
1. "إن الإنسان في هذه الدنيا مرهون بساعات عمره من جهة، ومرهون بالزمن المحيط به من جهة أخرى، فلكل منهما قيمة لا تقدر بشيء، لأن الإنسان إنما يقيم بعمله".
2. "لكي يحافظ الإنسان على فرصة عمره يلزم عليه أن يستثمر ساعات العمر، ولحظات الزمن بالعمل الصالح، إذ بواسطته سوف يطول عمر الإنسان، لأن بركة العمر في حسن العمل".
3. "فالزمن مجموعة ساعات تتخللها فرص ثمينة للإنسان، فالذكي من اغتنمها وعمل فيها فربحها، والشقي من غفل عنها ولم يعمل فيها فخسرها، فإنها لن تعود أبداً".
4. مثلما تعتبر الفرص ثمينة وغالية، فان اهدارها له كلفة نفسية ومادية عالية جداً، لذلك لا يمكن تفويت الفرص باي شكل من الاشكال.
5. لا يعني عدم وجود الفرص الركون للسكون والجمود، فالفرص، اما فرص تأتي لاستثمارها، او فرص يخلقها الانسان من اجل استثمارها، وفي كلا الحالتين يسعى الانسان لتحقيق النجاح.
6. الانسان الذكي يتعامل مع كل شيء على انه فرص يمكن استثمارها وعدم اهدارها، فالعمر والشباب والصحة وغيرها، هي فرص قد تكون غير منظورة للإنسان، لكنها فرص حقيقية للنجاح والسعادة.
والخلاصة
ان الانسان الذكي هو الانسان الذي يحسن الاستثمار في الفرص، ومنها فرصة العمر، لكي يحقق النجاح في الدنيا والسعادة في الاخرة، وحتى لا يتحول الى انسان شقي ومتعب ولا قيمة له في هذه الدنيا وكذلك في الاخرة، عليه ان يجتهد في اقتناص الفرص الموجودة من حوله، او يسعى الى خلقها، وفي كلا الحالتين عليه ان يضع أهدافه امام عينيه للوصول الى الغاية المنشودة.
فكلما نجح الانسان في اسعاد الاخرين وحول ساعات وايام عمره الى اقوال وأفعال واعمال أسهمت في وجه من وجوه البر والخير والعمل الصالح، مهما كان صغيراً او كبيراً، كلما كان قادراً للوصول الى المعنى الحقيقي في استثمار عمره بالشكل الأمثل والأفضل.
ان الذكاء في استثمار العمر واقتناص الفرص لا يعني التكالب على المادية وتجميع الثروات او البحث عن السعادة المؤقتة من خلال اللهو واللعب.
كما لا تعني الزهد المطلق في الدنيا والابتعاد عن الاخرين والانقطاع عن العالم والمجتمع، والاعتكاف والامتناع عن العمل والاجتهاد والبحث عن الملذات المحللة.
بل تعني ان يكون الانسان قادرا على فهم الحياة بطريقة لا يميل معها الى المادية لينغمس في ملذاتها ويصبح انسان بلا قيمة حقيقية، مثلما يملك القدرة على التفريق بين الرهبانية والحاجات الروحية، وبذلك سوف يملك القدرة على النجاح والوصول الى قمته.
اضف تعليق