إذا كان هناك من آثار سلبية للديمقراطية الحديثة هو الانقسام المجتمعي لأن الديمقراطية تعني التعددية الحزبية، ولأن جوهر الديمقراطية يتمثل بالانتخابات، ولا انتخابات حقيقية بدون حرية التعبير واستخدام الدعاية، ولأن التنافس الانتخابي بجوهره صراع سياسي للوصول الى السلطة، ولأن الأساس في اقناع الناخب هو تغيير قناعاته...
كيف تؤثر الصراعات السياسية في تعميق وتوسيع الانشطارات الاجتماعية؟ وكيف يمكن إدارة الصراعات السياسية بما يؤدي إلى تحقيق التوافق والتعايش الاجتماعي؟
الصراع السياسي راكز في النفس البشرية منذ خلق الله آدم وحواء فحب الجاه والسلطة مغروزة في تلك النفس فكانت الخطيئة الكبرى الأولى أن قتل قابيل أخاه هابيل حسداً وتنافساً.
الصراع والتعاون مظهران متلازمان من مظاهر العلاقات الدولية والمنافسات الحزبية، فالصراع السياسي على قسمين داخلي وخارجي، ونتائجه على مستوى الدول عداء الشعوب لبعضها البعض حسب درجات الصراع وأثره على المجتمعات الداخلية هو الآخر انقسام وعداء حسب شدة الصراع.
إذا كان هناك من آثار سلبية للديمقراطية الحديثة هو الانقسام المجتمعي لأن الديمقراطية تعني التعددية الحزبية، ولأن جوهر الديمقراطية يتمثل بالانتخابات، ولا انتخابات حقيقية بدون حرية التعبير واستخدام الدعاية، ولأن التنافس الانتخابي بجوهره صراع سياسي للوصول الى السلطة، ولأن الأساس في اقناع الناخب هو تغيير قناعاته، وأفضل وسيلة لتغيير قناعاته هي مخاطبة غرائزه، مذهبه، دينه، عرقه، لونه، قوميته، فئته، طبقته، وتحت كل ذلك تكمن الفتن.
هناك جدل قائم بين تيارين في كل المجتمعات الديمقراطية الحديثة، احدهما يدعي أن إظهار هذه النوازع عبر مخاطبتها وتنظيمها سياسياً هو الحل الأمثل فبقاء هذه النوازع تحت السطح سيظهر على السطح على شكل براكين تهدد الأمن والسلم المجتمعي تماماً كالدُمّل الذي ينبغي شرطه وتشريحه لإخراج القيح منه والا فانه سيقضي على كامل الجسد.
في حين يرى تيار آخر أن الفتن نائمة، وكلما تجنبنا ايقاظها كلما كان ذلك أفضل، ولهذا يجب عدم الحديث عن كل ما من شأنه أن يثير الكراهية بين الشعب ويعمق انقساماته.
الغرب اليوم يعاني من آثار الصراع السياسي بين اليمين واليسار في قضايا السود والبيض في امريكا، والمواطنين الاصليين والمهاجرين في معظم دول اوربا، وفي قضية المسلمين والمسيحيين في فرنسا، ولا تحتاج هذه الانقسامات الا القليل لكي تتحول الى حروب أهلية تعصف بالدولة والمجتمع.
عندنا في العراق تأسست الدولة عام 1921 والصراع السياسي بين المكونين الشيعي والسني منذ ايام الدولة العثمانية قائم أمام انظار المؤسسين من البريطانيين فعمدوا إلى أن تكون الأقلية السنية هي الحاكمة لكنها لم تعلن ذلك بشكل فج وصريح، واستمر الحال في الجمهوريات المتعاقبة حتى سقوط النظام الديكتاتوري على ايدي قوات الاحتلال الامريكي، فما كان لتلك الصراعات الخفية الا أن تتفجر بشكل علني وسافر وتبنت الحركات التكفيرية عبر حاضنتها السنية الاعلان عن صراع طائفي مرير أدى الى مصرع عشرات الألوف من العراقيين ومن مختلف الطوائف.
التفريق بين التنافس الانتخابي السياسي تحت سقف الدستور، وبين الصراع السياسي السلبي، الذي يستثمر في الفتن والفرقة لا يحتاج الى كثير من المعاناة (من وجهة نظري القاصر)، فالخط الفاصل بينهما هو المواطنة والتي تعني أن الاعتزاز بالهوية الفرعية (= الدين أو المذهب أو القومية) يتوقف حين يشكل ذلك الاعتزاز ضرراً بالهوية الوطنية، فكل ما من شأنه أن يضعف الوطن والدولة كوحدة سياسية منتجة لشعبها وقادرة على التفاعل في المجتمع الدولي يجب أن يتوقف.
أربعة عوامل أساسية تساهم في تقليل الآثار السلبية للصراعات السياسية في ظل حكم ديمقراطي وهي: حياد الدولة اتجاه الأديان والمذاهب والقوميات، اللامركزية الادارية، الانتخابات المحلية، والعدالة في توزيع ثروات البلاد.
اضف تعليق