q
لا تضاد بين الثقافة والصحافة، خاصة إذا التزم الصحفيون والصحف بالمهنية، والاستقلالية وحرصوا على عدم الانصياع إلى الضغوط المادية والميول السياسية، وابتعدوا عن التعصب أو التطرف أو التخادم السياسي والإعلامي الصحفي، من هنا لابد أن يكون هناك حرص كبير على تنقية الوسيط الصحفي المهم بين الثقافة والمجتمع...

الثقافة تصنع الأفكار، أو تطوّرها وتستبدل الرديء منها بالجيد، والثقافة تحسّن تفكير الإنسان ومن ثم تغيّر سلوكه وتشذّبه كي يكون أعلى خُلًقا، وأفضل أسلوبا في التعامل، وأقرب إلى الإنسانية والقبول العام من المجتمع، فالثقافة كما يقول ذوو الشأن تفيد المجتمع كله وترتقي بأبنائه، ولذلك يُقال أيضا الإنسان بلا ثقافة كالشجرة بلا ثمار.

ماذا تعني الجملة السابقة، هل الإنسان غير المثقف يكون إنسانا غير مفيد لا لنفسه ولا لغيره، هذا بالضبط ما يمكن أن نستنتجه من ملاحظات وتعليقات وتفسيرات أهل الفكر وأهل الثقافة، وهناك أسباب تبرر فقدان فائدة الإنسان إذا كانت حيازته الفكرية ضئيلة، وأفكاره فقيرة، وانحيازه للجهل أكثر من سواه، وهو ما يؤكد أن المجتمع غير المثقف هو مجتمع غير مفكّر، وأنه أقرب إلى الجهل والتطرف في نشاطاته ومواقفه المختلفة.

ما هو دور الصحافة وماذا تعني من حيث الفهم والتفسير، عُرِّفت الصحافة بأنها صناعة الصحفي لمقالات تهتم بجميع الأحداث التي تدور في المجتمع، والصحافيون هم القوم الذين ينتسبون إليها ويطَّلعون عليها، ويعملون بها. أول من استعمل لفظ الصحافة، بمعناها الحالي، كان الشيخ نجيب الحداد، منشئ جريدة «لسان العرب»، في الإسكندرية، وحفيد الشيخ ناصيف اليازجي، وإليه يرجع الفضل في هذا المصطلح «صحافة»، ثم قلده سائر الصحفيين، بعد ذلك.

الصحافة وسيط ناقل للثقافة

استخدم العرب والأوروبيون عديدا من المصطلحات لوصف الصحافة، بأشكالها المختلفة. فعند دخول الصحافة، لأول مرة، في مطلع القرن التاسع عشر، كان يطلق عليها لفظة «الوقائع»، ومنها جريدة الوقائع المصرية، كما سماها رفاعة الطهطاوي. وسمّيت كذلك «غازته»، نسبة إلى قطعة من النقود، كانت تباع بها الصحيفة. كما أطلق عليها الجورنال.

وقد استعمل العرب الأقدمون كلمة «صحفي» بمعنى الوراق الذي ينقل في الصحف، وقيل في ذلك عن بعضهم، فلان من أعلم الناس لولا أنه صحفي. بمعنى أنه ينقل عن الصحف أو الصحائف. وقد عرف بعضهم الصحافة الحديثة بأنها كل نشرة مطبوعة تشتمل على أخبار ومعلومات عامة وتتضمن سير الحوادث والملاحظات والانتقادات التي تعبر عن مشاعر الرأي العام وتباع في مواعيد دورية محددة وتعرض على الجمهور عن طريق الاشتراك والشراء.

من هنا يمكننا توصيف الصحافة بأنها الوسيط الناقل للثقافة، أو هذا هو دورها وما ينبغي أن تقوم به، فالثقافة بلا صحافة يكون تأثيرها محدودا أو بطيء الانتقال من بيئة اجتماعية إلى أخرى، قد يستكثر بعضهم هذا الدور المهم للصحافة، فيقول إن الوسائط الثقافية غير الصحفية كثيرة، وهو قول صحيح، لكن هذا الرأي لا يعدم ذلك الدور الصحافي المهم لنشر الأفكار الجديدة، فالصحافة يمكن أن تُسهم بفعالية كبيرة لجعل الناس أكثر ثقافة.

كما أن الصحافة يمكن أن تصنع الإنسان المثقف من خلال نشر الأفكار البناء التي تسهم في صناعة الشخصية المدرِكة للأفكار وأهميتها، ويمكنها أيضا صناعة الشخصية المثقفة المتأنية البعيدة عن المواقف المتطرفة، والبعيدة عن اللغو غير المبرّر، وهل هناك لغو مبرّر قد يسأل أحدهم، ليس هنالك لغو مبرّر مطلقا، لهذا فإن الثقافة تقلل اللغو عند الإنسان، فيصبح مثقفا مدركا قليل الثرثرة، فمن علامات المثقف أنه يستمع كثيرا ولا يتحدث إلا قليل.

فاعلية الصحافة المستقلة

يُقال إن الثقافة تعني تحول الكائن من مجرد الوجود الطبيعي إلى الوعي بهذا الوجود.

كما ان المعلومات النظرية التي لم ينقلها العمل من دائرة الذهن إلى واقع الحياة، تشبه الطعام الذي لم يحوّله الهضم الكامل إلى حركة وحرارة وشعور. بمعنى الثقافة ليست كلمات وإنما مجموعة أفكار يجب أن تتحول إلى منجزات فعلية.

لذلك لا يوجد تضاد بين الصحافة والثقافة، لاسيما إذا فهمنا بأن الصحافة لها الدور الكبير في الوساطة والتوصيل لأكثر عدد من الناس، سواء الصحافة الورقية أو الإلكترونية، قديما كان الناس ينظرون إلى قارئ الصحف بأنه إنسان مثقف ومدرك وواسع الرؤية وثاقب النظر، وهي نظرة متأصلة عند الناس.

فحتى الآن لا يزال الناس ينظرون إلى من يحمل صحيفة هو إنسان مختلف مدرك ومثقف كونه يحمل صحيفة وهذه تحمل الأفكار والمعلومات المختلفة التي توسع وتطور قابلية الإنسان وتصنع منه مثقفا فاعلا.

إذًا لا تضاد بين الثقافة والصحافة، خاصة إذا التزم الصحفيون والصحف بالمهنية، والاستقلالية وحرصوا على عدم الانصياع إلى الضغوط المادية والميول السياسية، وابتعدوا عن التعصب أو التطرف أو التخادم السياسي والإعلامي الصحفي، من هنا لابد أن يكون هناك حرص كبير على تنقية الوسيط الصحفي المهم بين الثقافة والمجتمع، ومنحه كل الإمكانيات (خصوصا الاستقلالية)، لكي يبقى وسيطا جيدا فاعلا بين الثقافة والمجتمع.

اضف تعليق