q
العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد الديني أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي، لماذا يقسمون السيطرة الأمنية إلى قسمين، قسم لبسطاء الموطنين يتعرضون فيه لمختلف أنواع المساءلة والإهانات والتأخير، وقسم آخر لأصحاب الهويات الخاصة...

في المدخل الجنوبي للعاصمة بغداد، وعلى بعد بضعة أمتار تقبع سيطرة أمنية كبيرة، كأنها منزل متعدد الأبواب يملكه شخص ثري أحمق، بوابتها الرئيسية مفتوحة لكبار الأثرياء ومسؤولي الدولة حيث يجب أن يشعروا بتميزهم عن بسطاء الناس، خط المسؤولين الكباء معنون باسم طريق "الأرتال العسكرية"، وإلى جانب طريق الطبقة العليا مجموعة بوابات صغيرة يتزاحم عليها المواطنون غير الأثرياء وممن سحقتهم الدنيا واضطروا للركوب في الكيا (باص يحمل 11 راكباً) ومن ضمنهم أصحاب السيارات رخيصة الثمن.

كل حدث أمني بسيط داخل العاصمة بغداد يحول بوابات المواطنين إلى جحيم، زحام وتفتيش وتدقيق في المعلومات، كلها إجراءات تجعل المواعيد في مهب الريح، المواقيت تتوقف عند قرار الشرطي وضابطه، لا احترام لالتزامات المواطنين ولا أهمية لدوام صغار الموظفين، الكل يخضع فـ"القانون فوق الجميع" حسب ما مكتوب على الكتل الكونكريتية القديمة الجاثمة على جانبي السيطرة الأمنية.

أي قانون هذا؟

بالنسبة لي أرى أن القانون للجميع وليس فوق الجميع، إلا أن القيادات الأمنية لها رأي آخر.

وحتى لو اتفقنا أن القانون فوق الجميع، فهل يعرفون ماذا يقول أعلى وأسمى قانون في العراق، الدستور في المادة 14 يصرح بالآتي: "العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد الديني أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي".

لماذا يقسمون السيطرة الأمنية إلى قسمين، قسم لبسطاء الموطنين يتعرضون فيه لمختلف أنواع المساءلة والإهانات والتأخير، وقسم آخر لأصحاب الهويات الخاصة والعاملين في السلم الوظيفي الأعلى، من درجة مدير عام وما فوق وأصدقائه وأقاربه.

هل يعلم رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني أن جميع السيطرات في العراق فيها تمييز ضد المواطنين من خلال بدعة "طريق الأرتال العسكرية"؟

هل يعلم رئيس الوزراء بأن دخول المواطن في طريق الأرتال يعرضه لمساءلة الشرطة ومنعه من العبور؟

يعرف الجهاز الحكومي جيداً أن أخطر شيء يواجهه العراق حالياً هو الفساد الذي تقوم به جهات وشخصيات تحمل هويات خاصة تعبر عبر طريق الأرتال العسكرية، ولأنهم لا يتعرضون للتفتيش أو مساءلة قوات الأمن لك أن تتخيل ما يمكن للمرء أن يحمله من البصرة إلى الموصل.

لا يمكنني اتهام جميع المسؤولين بالقيام بممارسات تخالف القانون وتندرج ضمن الفساد، لكن يمكن الإشارة إلى تساؤل غاية في الأهمية: لماذا يستطيع المسؤولون الكبار المتهمون بقضايا الفساد من الهروب عبر المطارات؟ وكيف يستطيعون الإفلات من جميع السيطرات الأمنية المنتشرة في العاصمة بغداد والمحافظات؟

على سبيل التوضيح نشرت وسائل الإعلام يوم الجمعة (18 تشرين الثاني 2022) اخباراً عن اعتقال شخص يدعى علي غلام وهو متهم بمخالفات قانونية بشأن سوق بيع العملة الأجنبية ومعاملات مالية غير سليمة، عملية الاعتقال جرت في مطار بغداد حسب ما أعلن، فكيف يصل متهم كبير مثل هذا الشخص إلى المطار ولم تلاحظه السيطرات الأمنية.

وسبقت عملية اعتقال غلام، ما أثير بشأن سرقة تأمينات الهيأة العامة للضرائب، وما تمخض عنه اعتقال شخص يدعى نور زهير في مطار بغداد أيضاً.

مسألة وجود طريق غير خاضع لسيادة رجل الأمن مثل طريق الأرتال العسكرية يؤشر إلى انتهاك واضح للدستور من خلال التمييز بين المواطنين وخلق فوارق طبقية تثير حفيظة المواطنين الآخرين.

كما أن هذا الطريق يمثل انتهاكاً لسلطة قوات الأمن التي يقع على عاتقها مراقبة التحركات المشبوهة لبعض الشخصيات والعصابات المتهمة بالممارسات غير المشروعة، فمن يضمن أن هذه العصابات لا تحمل هويات خاصة تخولها العبور في طريق الأرتال العسكرية غير الخاضع لسلطة الشرطة؟ ومن يمكنه التأكد بأن جميع الأمور غير القانونية تعبر في سيارات مضللة لا يعرف أحد ما تحمل داخلها؟

اضف تعليق