مع كل اختيار لرئيس حكومة جديد في العراق يفرح البعض ممن يعرفوه والمقربين منه بهذا الاستيزار ويعقدون الآمال عليه. كنت واحداً ممن رفع مستوى توقعاته كثيراً حينما كُلّف الكاظمي برئاسة الوزارة. وعلى الرغم من أني لم أؤمن يوماً أن هناك رئيساً (مخلّص savior) للعراق، لكني رفعتُ مستوى توقعاتي...

مع كل اختيار لرئيس حكومة جديد في العراق يفرح البعض ممن يعرفوه والمقربين منه بهذا الاستيزار ويعقدون الآمال عليه. كنت واحداً ممن رفع مستوى توقعاته كثيراً حينما كُلّف الكاظمي برئاسة الوزارة. وعلى الرغم من أني لم أؤمن يوماً أن هناك رئيساً (مخلّص savior) للعراق، لكني رفعتُ مستوى توقعاتي للكاظمي كثيراً.

وحينما تداول الاعلام ووسائل التواصل، جولاته الميدانية في البداية كنت كثير السرور، بخاصة بعد أن سمعت (ألو …عماد)! كنت، وما زلت، من المؤيدين لأسلوب العمل الميداني وتكثيف الزيارات لمؤسسات الدولة، والحق يقال إن الكاظمي كان أحد من يجيدون هذا الاسلوب لكن، والحق يقال أيضاً، لم تكن حصيلته للأسف توازي التوقعات المعقودة.

لذا لم يعد هذا الاسلوب رغم تفضيلي له يغريني كثيراً، ولم تعد (ألو عماد) معياراً لحكمي على أداء رئيس الوزراء، حتى ولو تم استبدالها بـ (الله لا يوفقني على هذه الخدمة)! أرجو هنا أن لا يُساء فهمي، فأنا لا أقول أن الزيارات الميدانية غير جيدة، بل بالعكس تماماً، كما أني أفرح حينما تأتي تعابير عفوية من رئيس الوزراء عن مدى سخطه أو رضاه عن مستوى الخدمات، لكني أحث على عدم الوقوع في فخ (ألو عماد) مرة أخرى.

من الجيد أن يتفاعل الرئيس مع الجمهور، لكن من السيء أن يتذاكى أتباعه على الجمهور ويعدوهم بما لم تأتِهِ الأوائلُ كما قال النابغة. على الرغم من تكراري لما سأقوله هنا مرات كثيرة لكني لن أمل أو أتوقف عن إعادته عسى أن ينتبه صناع القرار له ويشرعوا بتغييره. ان مصيبتنا في العراق بنيوية-وظيفية وليست فردية أو شخصية. بمعنى أن هناك خلل في بُنيَة النظام ومأسسته، وهناك خلل وظيفي في العلاقات بين المؤسسات وداخلها.

ان منظومة البناء الدستوري والعُرف السياسي، والمنظومة القانونية، والسياسية والادارية كلها بحاجة لإعادة نظر وتفكيك وتركيب جديدَين. هذا يشمل شكل النظام وقوانين الانتخابات والاحزاب والعلاقة بين السلطات وفصل السياسة عن الادارة وغيرها الكثير مما يجب تغييره.

لذا فأن أي شخص سيأتي ليحكم وفق هذه المنظومة سيشعر أنه مقيد اليدين ويفشل بالتأكيد. نعم قد ينجح هنا او هناك وفي هذا المفصل او ذاك لكنه في النهاية لن يزيد (الغرگان) سوى (غطّه) كما يقول المثل. من هنا نفهم لماذا كل من رؤساء الوزراء السابقين (بلا استثناء) يؤكد على نجاحه في ملفات معينة، وهو قد يكون نجح فيها وصدّع رؤوسنا بها كما يفعل مريدو كل من هؤلاء الرؤساء، لكن المحصلة النهائية أقل من الصفر دوماً بحيث تراكم السالب حتى كدنا نلمس حافة سالب (لا نهائي) infinite.

لذا أوجه نصيحة خالصة للسيد السوداني ومريديه وماكنته الإعلامية، حاولوا التقليل من مستوى التوقعات ولا ترفعوها كثيرا كي لا تُصدَموا بما يسمى بالإحباط الناجم عن الفرق بين ما مُتوقّع وما هو متحقق على الأرض. العراقيون شبعوا ضيماً وقهراً واحباطاً وما محتاجين (عوازه). أن المعيار الحقيقي لنجاح أي رئيس وزراء هي قدرته على أقناع المنظومة السياسية والشعب بأنه (وكيل) تغيير.

فيشرع أولا بتغيير العقد الاجتماعي-السياسي بعد حملة شعبية وسياسية كبرى لمناقشة العقد الذي يتوافق عليه الجميع بعد عشرين سنة من الفشل. هذه هي نقطة الانطلاق الحقيقية. عقد جديد ينتج عن رؤية جديدة وتعقبه خطة بآليات واضحة يلتزم الجميع بالقيام بها. هذه عملية لن تتم بأشهر وستستغرق وقتاً لكن يجب الشروع بها بأسرع وقت. يجب أن نملأ المجال العام بنقاش وحوار مجتمعي يقوده (حكماء) من خارج المجال السياسي ويتمتعون بتفويض سياسي واضح ليعيدوا صياغة العقد الاجتماعي-السياسي وفق رؤية شعبية وليست حزبية فقط. عند ذاك يمكنني تصديق (ألو عماد)...أو (الله لا يوفقني).

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق