الرقم 56 يختصر حقبة كاملة من تاريخنا، تميزت بأرقام فلكية من الاموال المختلسة والمسروقة، وبأرقام قياسية في تزوير الشهادات وشراءها وانتحال صفات وألقاب كاذبة، واسماء عجيبة لاتحادات ونقابات ومنظمات وشركات وهمية، وتاريخ ملفق وبطولات زائفة، فلا تتعجب عندما تسود مصطلحات في السياسة والاعلام والادارة والتعامل اليومي لا تعبر عن معناها الحقيقي...
اللغة الرقمية اصبحت لغة العالم، فمن الصفر والواحد تتكون كل المعلومات الالكترونية، وفي العراق بات رقم 56 اشهر من فلم (ناصر 56) بطولة احمد زكي الذي يروي مقاومة الشعب العربي لما سمي بالعدوان الثلاثي ضد مصر، وهذا الرقم يضفي على صاحبه صفة جديدة منتشرة في ظل مظاهر الفساد والغش والاختلاس والتلاعب التي تسود كل مجالات الحياة.
العراقيون اخترعوا الحروف والارقام والقوانين قبل الاف السنين، وقد اخترعوا في السنوات الاخيرة رقم 56 للتعبير عن بعض صفات الشخصية العراقية الجديدة التي ابتكرت في ظل الحرية غير المحددة فنون التحايل في السياسة والاقتصاد والمال والادارة والمجتمع لم تكن تخطر على بال الشيطان نفسه!
ليس من المستغرب ان تشاهد شخصية مشهورة في التلفزيون يتحدث بكل وقار وعفة واحترام، فيعلق أحد الجالسين: هذا 56.
الديمقراطية انجبت رقم 56 ماركة مسجلة لكل من يعرف كيف يخترق القانون ويغش ويخدع، وهذا الرقم كما يبدو مقتبس من فقرة في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 حيث خصصت المادة رقم 456 لعقوبة جريمة الاحتيال.. وقد تم اختصار الرقم من قبل الناس للسهولة والسرعة!
هناك الكثير من الارقام التي انتشرت في العقود الاخيرة.. فثورات العراق وانقلاباته الشهيرة هي 58 و63 و68 و79 و.2003
وحروب العراق اختزلت في ارقام صغيرة لا تعبر عن حجم الكوارث وعدد الضحايا ومن اشهرها 80 و91 و2003.
الرقم 56 يختصر حقبة كاملة من تاريخنا، تميزت بأرقام فلكية من الاموال المختلسة والمسروقة، وبأرقام قياسية في تزوير الشهادات وشراءها وانتحال صفات وألقاب كاذبة، واسماء عجيبة لاتحادات ونقابات ومنظمات وشركات وهمية، وتاريخ ملفق وبطولات زائفة، فلا تتعجب عندما تسود مصطلحات في السياسة والاعلام والادارة والتعامل اليومي لا تعبر عن معناها الحقيقي، فقد كان السارق والمزور والكاذب يحتقر أما اليوم فيمجد ويحترم ويصبح قدوة سيئة.. وهناك الكثير من الامثلة!
فمن المعروف في تراثنا الريفي العشائري ان (الحرامي) السارق لا يقترب من بيوت تكون محروسة برجالها طوال الليل، وان الحرامي يكون خائفا مرعوبا وهو يقتحم البيت، وان اي حركة او صوت من داخل البيت يجبره على الفرار! كانت السرقات لا تتجاوز بعض المواشي او الاثاث البسيط، وان الفقر هو العامل المشترك بين السارق والمسروق!
اليوم هناك دولة فيها اجهزة ووزارات وهيئات والاف الموظفين لحماية المال العام، ولكن السرقات تتم في ضوء النهار دون خوف او تردد! الحرامي الجديد يسرق مليارات الدولارات في النهار، ويظهر على شاشة التلفزيون وهو يتحدث عن الشرف والنزاهة والمنجزات! مكافحة الفساد تحتاج الى قليل من الشجاعة فقط، وعندما يسقط أول حرامي كبير بيد العدالة سوف تتهاوى المنظومة التي كانت تحميه ويتساقط الاخرون من امثاله تباعا، الرئيس محمد السوداني لم يلق خطابا يقول فيه بأنه سيضرب الفاسدين بيد من حديد، كما وعد الفاشلون قبله، واكتفى بجرة قلم، وبدأت منظومة مكافحة الفساد تعمل بكل طاقاتها خلال ايام معدودات.
من اجل استمرار هذا الاندفاع ينبغي مراجعة كل المناصب الملوثة بالفساد، واقالة ومحاكمة كل من يشتبه بتورطه بالسرقات الكارثية. بعض وسائل الاعلام تلوثت بالابتزاز والفساد، واسماء بعض الاعلاميين اصبحت عناوين بارزة للفساد، ويتوجب على رئيس الوزراء تطهير المؤسسات الاعلامية الحكومية اولا من رموزها الفاسدين، ثم تفعيل دورها في كشف الفساد وفضحه أمام الرأي العام وتقديم ملفات استقصائية عن الفساد الى الاجهزة المعنية!
الفساد ظاهرة مجتمعية وعلينا ان نبث ثقافة احتقار الفاسدين، وليس احترامهم، مهما كانت صفاتهم ومناصبهم! في مواجهة الحرامية لا يحتاج المرء سوى قليل من الشجاعة، فهم يعيشون اسوء لحظات حياتهم اليوم.
اضف تعليق