التغيير الذي سوف يطرأ على العراق يبدأ بتغيير الكادر المتقدم بالوزارات واستبداله بكوادر جديدة موالية للأحزاب الجديدة. يعود أحد القراء ليقول: أليس هذا هو التغيير؟ أليست الديمقراطيات الراسخة تقوم بنفس هذا الأسلوب من خلال استبدال الكوادر القديمة بأخرى جديدة؟ ألا يعد هذا الإجراء انعاشاً للمؤسسات الحكومية بالطاقات المتحفزة للعمل؟ ...
لم اتفاعل مع أزمة تشكيل الحكومة العراقية منذ إعلان نتائج انتخابات تشرين الأول 2021 وحتى تسنم محمد شياع السوداني رئاسة الوزراء، واقصد بعدم التفاعل هو انعدام مشاعر الخوف أو الأمل أو الخيبة، كل شيء سواء، إذا جاء رئيس وزراء ينصبه التيار الصدري، أو رئيس وزراء مرشح من قبل الإطار التنسيقي الشيعي.
ولا فرق حتى لو جاء رئيس وزراء سني أو كردي، الكتاب هو ذات الكتاب، والمحتوى ثابت، هي مجرد طبعة جديدة لكتاب قديم.
يحق للقارئ طرح تساؤل مهم يخص الاختلاف الحاد بين الإطار التنسيقي الذي يضم معظم القوى السياسية الشيعية والتيار الصدري، والسؤال مفاده أن هذا الاختلاف في طبيعة تكوين الطرفين وعلاقاتهم الخارجية سوف يولد بعض التغيير.
نعم اتفق مع هذا الطرح، لكنني سوف أوضح طبيعة التغيير الذي يحصل بالعراق في حال استبدال الحكومة القديمة بأخرى جديدة وبالطبع مع كتل سياسية تختلف عن الأحزاب السابقة.
التغيير الذي سوف يطرأ على العراق يبدأ بتغيير الكادر المتقدم بالوزارات واستبداله بكوادر جديدة موالية للأحزاب الجديدة.
يعود أحد القراء ليقول: أليس هذا هو التغيير؟ أليست الديمقراطيات الراسخة تقوم بنفس هذا الأسلوب من خلال استبدال الكوادر القديمة بأخرى جديدة؟ ألا يعد هذا الإجراء انعاشاً للمؤسسات الحكومية بالطاقات المتحفزة للعمل؟
من حيث الشكل يبدو الأمر كذلك، إلا أن الهدف مختلف، هنا يتغير المسؤول ولا تتغير الخدمة، يتغير المسؤول ولا يشعر المواطن بأي أثر، نظام الواسطة نفسه، الرشوة في تصاعد مستمر، الفوضى تتسيد الموقف، أزمة الكهرباء، التصحر، السكن، الاقتصاد الريعي، انهيار التعليم، رداءة الطرق، مشكلات البنية التحتية، غياب الاحتكام إلى القانون، التخلف التقني، الترهل الوظيفي. ولك أن تحصي ما تشاء من مشكلات تستمر بغض النظر عن تغيير شكل الحكومة، والسبب في انعدام أثر استبدال الحكومة على المواطن يعود إلى الفجوة الواسعة التي تفصل بين القوى السياسية من جهة والشعب من جهة أخرى، النائب في البرلمان لا يدري ما يجري في البلد حتى وإن زَعَم إلمامه بما حوله.
الكثير من الناخبين يعرفون حجم الفجوة بين الشعب والقوى السياسية، وقد مارسوا (الناخبون) حقهم في إعلان اعتراضهم بطرق مختلفة إما عبر عدم المشاركة ف الانتخابات لتوصيل رسالة رفض، أو عبر المشاركة انتخاب وجوه جديدة.
وبحسب إحصائية لموقع "ناس" الاخباري العراقي فقد استبدل حوالي 265 نائباً في البرلمان بنواب جدد خلال انتخابات تشرين الأول 2021، وهو مؤشر على غياب الثقة بالوجوه البرلمانية التقليدية التي كانت تكرر نفسها، وتعيد نفس الخطاب ونفس السلوك السياسي السيء الذي أدى إلى تدمير جسور الثقة بين المواطن والسياسي.
الإشكالية إن شيئاً لم يتغير منذ الانتخابات وحتى اللحظة، نقرأ برنامج رئيس الوزراء فنجده يكرر برامج من سبقوه من محاربة للفساد وتحسين لأحوال المواطن، وغيرها الكثير من الوعود الرنانة.
ما نستفيده حقاً خلال استبدال رئيس وزراء بآخر هو تبدل الخطاب السياسي لدى القوى الفائزة والخاسرة.
الخاسر يستعيد نغمة محاربة فساد الحكومة ويتحول إلى محقق في هيأة النزاهة عبر اتهامات كثيرة ضد الحكومة، وفي الأغلب يسود الخطاب المعارض الشعبوية وعدم وجود هدف.
الفائز يعدل من خطابه، ينسى ملفات الفساد التي كان يشهرها ضد الحكومة السابقة، بل ينسى أهم مطالبه قبل حصوله على المنصب الأكبر، كما هو الحال مثلاً مع رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني الذي كان من أكثر المطالبين بتخفيض سعر صرف الدولار الذي قامت به حكومة السيد مصطفى الكاظمي.
الآن يخبرنا السوداني أن تغيير سعر الصرف ليس من اختصاص الحكومة ولا البرلمان، بل من صلاحيات البنك المركزي، ونسي تماماً إنه شن حربه ضد الحكومة السابقة من منطلق مسؤوليتها المباشرة في تخفيض سعر صرف الدولار. لقد كان الرجل ورفاقه في الإطار التنسيقي مغالين في الشعبوية فسقطوا مع أول اختبار.
هذا الملف كان أحد أبرز الملفات التي رفعتها قوى الإطار التنسيقي ضد التيار الصدري.
أمسكوا برئاسة الوزراء ومجلس النواب ولم يتحقق شيء مما رفعوه من شعارات.
سيقولون انتظروا فالحكومة ما زالت في أيامها الأولى، وهي عبارة مكررة لكل حكومة جديدة.
ماذا ننتظر؟ المحتوى نفسه، لقد تغير الغلاف فقط.
اضف تعليق