المصالح هي القاعدة لوطنية الأحزاب الشيعية والدستور لا يكون معياراً لها، لذلك لا تستطيع العبور وإقناع جماعات أوسع بتوجهاتها، بل ضغطت على المواطنين لتولد في النهاية تياراً متعصباً هو الآخر، يضع جميع الأحزاب والتيارات السياسية الشيعية في خانة الخائن والمتهم بالسرقة وتدمير البلد...
ليس من السهل وضعك في صف الوطنيين إذا إذا كتبت رأياً عبر وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي تدعم فيه حراك "تشرين"، الأمر غير مستساغ من قبل طائفة من العراقيين الذين يوالون الأحزاب والحركات الإسلامية الشيعية، وإن جلست معهم لا تتوقع فتح حوار بناء في هذا الشأن.
التشريني بالنسبة للأحزاب الشيعية يكون على صنفين:
الصنف الأول: مواطن مُغَرّر به لا يعرف ما يجري حوله لذلك فهو ضحية للدعايات المغرضة والمؤامرات التي تبثها وسائل الإعلام الغربية والعربية، ومن ثم فهو بحاجة إلى معاملة خاصة باعتباره جاهلاً بالواقع أو غير مؤهل لفهم الأحداث.
الصنف الثاني: متعاون مع الدول المعادية للعراق، هو "جوكري، إبن سفارة، متآمر"، وغيرها من التوصيفات التي تطلق للتقليل من شأن المواطن، هذا النوع بحاجة إلى معالجة بالقمع والسجن وعدم السماح له بتضليل الشباب من الفئة الأولى.
الهجمة التي شنها الإعلام الشيعي ضد الحركات المطالبة بتغيير الواقع العراقي تأتي في إطار تعزيز الروح الوطنية العراقية وبما يتناسب مع معايير الأحزاب والتيارات الشيعية، لكي تكون وطنياً وفق السياقات الحزبية يجب أن تعمل بالآتي:
- تنتخب مرشحي الأحزاب التقليدية ولا تنتقد الإسلام السياسي.
- لا تتحدث عن التدخلات الإيرانية في الشأن الداخلي العراقي.
- لا تتحدث كثيراً عن الأزمات السياسية.
- لا تطالب بتطبيق القوانين بحذافيرها، بل أطلب حق المكون الشيعي إن أردت أن تكون وطنياً عراقياً.
لا تستند هذه الوطنية على أرضية ثابتة، تتقلب حسب مصالح زعماء الأحزاب، جمهورها معرض للإحراج، بينما يمارسون دعاياتهم ضد شخصيات معينة يجدون زعماء الأحزاب قد تعاونوا معهم وعقدوا تحالفات جديدة، العدو اللدود صار الصديق الحميم، أبرزها ظاهرة خميس الخنجر ومسعود البرزاني ومحمد الحلبوسي، هؤلاء كانوا أعداء الوطنية السياسية الشيعية، ليس لأنهم خرقوا القواعد الدستورية، إنما لإضرارهم بمصالح بعض الزعامات السياسية الشيعية.
المصالح هي القاعدة لوطنية الأحزاب الشيعية والدستور لا يكون معياراً لها، لذلك لا تستطيع العبور وإقناع جماعات أوسع بتوجهاتها، بل ضغطت على المواطنين لتولد في النهاية تياراً متعصباً هو الآخر، يضع جميع الأحزاب والتيارات السياسية الشيعية في خانة الخائن والمتهم بالسرقة وتدمير البلد.
التيار الوطني المضاد لا يقف على قاعدة ثابتة أيضاً، معارضة توجهات الأحزاب هو المعيار، لا يملك استراتيجية، بل رد فعل سلبي تجاه كل تحركات الأحزاب، الدستور بالنسبة له وثيقة غير ضرورية، لديه آراء يعتبرها معياراً لتكون وطنياً في نظره وهي:
- يجب أن تطالب بإقصاء جميع الأحزاب والتيارات السياسية الشيعية.
- عليك أن تتهم غالبية العاملين في وسائل الإعلام الشيعية بالخيانة.
- تطالب بقطع العلاقات مع إيران.
لكي تكون وطنياً ولك صوت مسموع، تستطيع ممارسة الوطنية بإحدى النسختين المتاحتين فقط، نسخة التطرف السياسي للأحزاب الشيعية، والتيار المتطرف المضاد للنسخة الأولى، لا مجال لوطنية مبنية على الدستور ووفق هوية عراقية موحدة.
قد نجد بين الطرفين من يؤمن بوطنية مبنية على الدستور، لكنه محشور في زاوية هامشية ويقل تأثيره مع مرور الزمن حتى يخرج من التيار في النهاية، القوة والتأثير الأكبر للمتطرفين والمنتجين للكراهية ضد الآخر.
ومع مجيء حكومة تقف وراءاها الأحزاب الشيعية التقليدية، هناك فرصة لهذه الأحزاب لمعالجة الأخطاء والسلوكيات التي انتجتها المراحل السابقة من عمر التجربة الديمقراطية، عليهم إعادة تعريف الوطنية على أساس دستوري وقانوني بعيداً عن التصورات والأفكار المشوهة.
لم يعد هناك مجال للتجريب، وإذا ما استمرت الماكينات الدعائية للأحزاب الشيعية ببث الوطنية المغذية للكراهية فلا أمل بالنجاة من كارثة تقلب الوضع العراقي رأساً على عقب.
ومن خلال رصد الأنشطة التابعة لشخصيات إعلامية وحزبية رأينا أن الخطاب هو نفسه، تخوين وتجريد من وطنية المعارضين وتنكيل بهم واتهامات متعددة بالضعف تارة وبنسج المؤامرات تارة أخرى.
لحد هذه اللحظة قرأت مقالات وتغريدات من متطرفي قوى الإطار التنسيقي تنتقد تعيين بعض المعتدلين بالإطار في مناصب حكومية علياً، يعتبرون هذه التعيينات هزيمة للقوى المتطرفة داخل الإطار.
هذه الأصوات المتطرفة يجب أن تتوقف، ومن واجب الحكومة أن تضع حداً للخطاب المتطرف من جميع الأطراف، وأن يكون الدستور هو المدخل الوحيد للعبور إلى واحة المواطنة الكريمة، المطلب صعب لكنه ليس مستحيلاً، لو توافرت الإرادة فإن كل شيء ممكن.
لنعود إلى ثلاثة قرون ونسمع ما قاله المفكر الفرنسي فرانسوا ماري أرويه الشهير بفولتير قبل ثلاثة قرون ودعوته إلى إصلاح الوضع النفسي للمتطرفين ودعاة الوطنية المغذية للكراهية، يقول فولتير: "الوسيلة المثلى للتقليل من عدد المهووسين، إذا بقي منهم أحد، هي إخضاع هذا المرض الذهني إلى العقل الذي ينير الناس ببطء، ولكن بفعالية. إن هذا العقل معتدل، إنه إنساني، ويدعو إلى الرحمة، ويقلّص من حجم الخلاف ويرسّخ الفضيلة، ويحبّب طاعة القوانين، أكثر ممّا تقوم القوّة بذلك".
اضف تعليق