ما يزال الحكم مبكراً على نجاح أو فشل تحالف إدارة الدولة الذي استطاع تكليف محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء، لكن المؤكد أنه لم يكن تحالفاً متيناً ولا توجد له أسس رصينة ما يرجح كفة فشله ومعه فشل رئيس الوزراء المكلف محمد شياع السوداني...
غريب حال الأحزاب السياسية العراقية، تجدها عديمة اللون والطعم والرائحة، لكنها ليست نقية كالماء رغم اكتسابها صفاته، وقد تجدها متلونة مثل الحرباء، الظروف هي التي تحدد طريقة عيشها، لا تضع مبادئ ثابتة، الحياة السياسية لديها عبارة عن صراع، والاستيلاء على السلطة غايتها، والغاية تبرر أي وسيلة للجلوس على كرسي الحكم، سلاح أو مال فاسد أو ضغط على الجماهير وحتى تزوير الانتخابات، ولا يهم إذا استخدمت المقدسات الدينية للفوز بالسلطة.
مضى عام على إجراء الانتخابات المبكرة في العاشر من تشرين الأول 2021، ولم تتشكل الحكومة حتى هذه اللحظة، كل طرف يلقي بالمسؤولية على طرف آخر، جملة من التصنيفات والاتهامات المتبادلة بين القوى السياسية المهيمنة على السلطة، (فاسد، مجرم، مطبع مع الكيان الصهيوني، تبعي، مليشياوي، قاتل المتظاهرين، مستغل الشعب).
تصنيفات لا نستغربها إذا كانت ثابتة ولها جذور مبدئية، فعندما ترفض وجود المليشيات في البلد، يعني أنك مؤمن بضرورة تطبيق الفكرة وتدافع عنها، لكن المفاجأة أن يكون المعارض للمليشيات مالكاً لمليشيا عسكرية مؤثرة وتستعرض قواتها في الشارع وتعمل ما يحلو لها.
أستطيع أن أسرد عشرات الأمثلة لتناقضات القوى السياسية بين ما ترفعه من شعارات والتطبيقات المخالفة للشعار، لا أريد الخوض في تفاصيل يعرفها غالبية الناس، الثابت لنا أن الأحزاب لا تملك برامج سياسية ثابتة، ولا استراتيجية للتعاطي مع الأحداث والقضايا الراهنة، الاستراتيجية الوحيدة هي "رد الفعل"، يقع حدث ما تتفاعل معها الجماعات السياسية بالإيجاب أو السلب، وقد تغير مواقفها حسب تضارب المصالح بأي لحظة.
على هذا الأساس تبنى مجموعة من التفاهمات المؤقتة من أجل عبور مرحلة معينة، تغلف بغلاف كبير من أجل إضفاء نوع من الفعل السياسي الاستراتيجي، فقد تحالف ائتلاف دولة القانون مع القوى الشيعية الأخرى لتشكيل الكتلة النيابية الأكبر عام 2010 من أجل تجديد ولايته رئاسة الوزراء نوري المالكي وحصل له ما أراد، لكنه مع انتهاء عملة التشكيل تفكك التحالف وعادت الخلافات بين أطرافه لينتهي المطاف باستبعاد نوري المالكي من رئاسة الوزراء عام 2014 رغم الفوز الانتخابي الكبير لقائمته.
تم إسقاط المالكي بنفس البدعة السياسية التي اختلقها بتفسير المادة 76 من الدستور العراقي، تشكلت كتلة نيابية التيار الصدري وتيار الحكمة وبعض القوى السنية والكردية واختاروا حيدر العبادي رئيساً للوزراء، وأعيدت الكرة ضد العبادي بنفس الطريقة التي كانت ضد المالكي، انقلب الكرد والصدر ضد العبادي، وفشلت الحكومة وفشل العبادي في تجديد ولايته.
عام 2018 تشكل تحالف غريب بين كتلة سائرون وتحالف الفتح وبعض القوى السنية والكردية وانتخبوا رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، ويعد هذا التحالف أقصر التحالفات وأفشلها على الإطلاق، فقد استسهلوا عملية تشكيل الحكومة وظنوا أن الأمور بسيطة، إلا أنهم انقلبوا على بعضهم بعد أشهر قليلة لتسقط حكومة عبد المهدي قبل انتهاء مدتها القانونية.
مصطفى الكاظمي الذي خلف عبد المهدي لم يأتي عن طريق تحالف سياسي أو تفاهمات بقدر ما جاء على أنه رئيس وزراء طارئ ليسد ثغرة تركها وضع سياسي مرتبك، ليثبت عدم وجود أرضية ثابتة للتحالفات ما قبل الانتخابات وما بعدها.
من يدقق في سلوك الأحزاب السياسية يجدها تركض في كل الاتجاهات فاقدة البوصلة، مستعدة لتقديم أي شيء لغرض الحصول على أكبر قدر من المناصب التي تعتقد أنها تجلب لها مكاسب سياسية ومالية تعزز موقعها في سلم السلطة العراقية.
لم يكن الدستور يوماً سقفاً للتحالفات السياسية لذلك تكون مليئة بالأخطاء، ويشوبها الشك والتوتر بين أطرافها، تسقط من أول اختبار، هذا مصير التحالفات السابقة، فهل يكون مصير تحالف إدارة الدولة شبيهاً بالتحالفات السابقة؟
ما يزال الحكم مبكراً على نجاح أو فشل تحالف إدارة الدولة الذي استطاع تكليف محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء، لكن المؤكد أنه لم يكن تحالفاً متيناً ولا توجد له أسس رصينة ما يرجح كفة فشله ومعه فشل رئيس الوزراء المكلف محمد شياع السوداني.
اضف تعليق