رئاسة الوزراء هي أرفع منصب تنفيذي، وهي قمة هرم السلطة، وحيازة المنصب يعني السيطرة على أعلى منصب في البلاد، لكن هذا المنصب لا يأتي عن طريق اختيارات الشعب كما يفترض وفق النص الدستوري، بل على أساس التوافقات داخل القوى السياسية وخارجها التي تجعل من رأي الشعب مجرد ديكور للاستهلاك الإعلامي...
يمكن تفسير استبدال رئيس الحكومة مع كل دورة انتخابية بأنه تطبيق فعلي للمادة السادسة من الدستور التي تؤكد على مسألة التداول السلمي للسلطة وعبر الوسائل الديمقراطية.
وإذا كنا ممن يعانون من فرط المديح للتجربة السياسية في العراق، فقد نذكر أن الشعب هو مصدر السلطات وشرعيتها يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية، كما تنص المادة الخامسة من الدستور.
وحسب هذا التفسير فإن من لا يريده الشعب يُستبعد من رئاسة الوزراء، أما من يختاره الشعب يفوز بالمنصب، ليخدم البلد ويسهم في تطبيق متطلبات العقد الاجتماعي بين المواطنين والسلطة الحاكمة.
أليس هذا ما يحصل منذ سنوات في العراق؟
يحصل هذا لو كانت السيادة للقانون والمؤسسات الدستورية هي التي تحدد مسار الأحداث في العراق، بينما السيادة الفعلية للقوة (العسكرية والمالية والسياسية)، أما القانون فهو مجرد رداء يرتديه من يأتي على حصان القوة يفرض نفسه رغم أنف الشعب، ويطرد من لا يناسبه حسب ما تقتضيه مصالحه وليست مصالح الشعب كما يقرر الدستور.
ثلاثة في ثلاثة
من يحلل الوضع السياسي في العراق على أسس قانونية ودستورية يغرق في بحر من النصوص التي تفيض بالمبادئ السامية لكنها حالما تصل إلى تربة التطبيق تتبخر تحت رحمة ثلاث قوى داخل المنظومة الحاكمة وثلاث قوى أخرى خارج المنظومة. كل مجموعة من القوى المشار إليها لها رؤيتها الخاصة وأهدافها التي تريد تحقيقها عن طريق أرفع منصب تنفيذي في العراق.
بالنسبة للقوى الداخلة في العملية السياسية فهي القوى السنية والشيعية والكردية، اتفاقها أو اختلافها يحدد هوية رئيس الوزراء وطبيعة شخصيته، وحتى يستطيع سياسي معين من الوصول إلى منصب رئيس الوزراء يحتاج إلى توافق الشيعة فيما بينهم، وهم مجموعة كبيرة من القوى السياسية المتناقضة في أفكارها وتوجهاتها، وهذه أصعب مرحلة في الطريق إلى المنصب، ثم ينتقل إلى المرحلة الثانية المتمثلة في إقناع القوى الكردية باختلاف ألوانها والسنية أيضاً.
تنتهي عقدة التوافق داخل منظومة الحكم من ساسة ونواب وأحزاب وكتل فائزة بالانتخابات، لكن العقبات ما تزال موجودة، إذ يمكن إلغاء تكليف أي رئيس وزراء بكلمة واحدة تأتي من المرجعية الدينية في النجف الأشرف، وقد يصار إلى إقالته في حال وصوله المنصب بتلميح بسيط، كما حدث مع رئيس الوزراء الأسبق السيد نوري المالكي الذي استبعد من المنصب بعبارة "المجرب لا يجرب"، كما اضطر رئيس الوزراء السابق السيد عادل عبد المهدي إلى الاستقالة مباشرة بعد خطبة الجمعة أواخر عام 2019، وكتب في استقالته أنها جاءت استجابة لدعوة المرجعية الدينية في النجف الأشرف.
مرجعية النجف أحد أهم مرتكزات الوصول إلى منصب رئيس الوزراء ولو أنها انسحبت من التدخل الواضح في السياسة منذ استقالة السيد عادل عبد المهدي، لكن صوتها مسموع بدون أن تنطق بكلمة واحدة.
يحتاج رئيس الشخص الطامح لرئاسة الوزراء أن ترضى عنه الجمهورية الإسلامية في إيران، ومن يغضبها بكلمة يستبعد، فقد كان رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي من أشد الطامحين بتجديد ولايته، لكنه ضيع هذا الحلم بإعلانه الإلتزام بالعقوبات الأميركية المفروضة في إيران، وعلى إثرها استبعد من الترشيح لرئاسة الوزراء وتفكك تحالفه الانتخابي "ائتلاف النصر".
انهار سياسياً وبعد أن حصل على 45 مقعداً برلمانياً في انتخابات عام 2018، لم يحصل سوى على مقعدين في انتخابات تشرين 2021، ولم يعد مؤثراً في المشهد السياسي كما كان يتوقع منه.
أما الضلع الثالث والأهم في معادلة من يكون ومن لا يكون رئيساً للوزراء فهي الولايات المتحدة الأميركية، فهي تمارس دوراً علنياً في بعض الأحيان، وخفياً في أحيان أخرى، ومن أدوارها العلنية تعيين مبعوث خاص للعراق بعد انتخابات 2018 من أجل ترتيب عملية تشكيل الحكومة.
في معادلة التجديد لرئاسة الوزراء لم يستطع سوى السيد نوري المالكي بإحراز ولايتين، وبسبب تنازلاته الكبيرة للأحزاب الكردية عام 2010 من أجل التجديد، أضعفت هذه التنازلات موقفه السياسي وجعلته غير قادر على تقديم المزيد فتحول إلى شخص ضعيف يسهل الإلتفاف عليه وهو ما أفقده حلمه بالحصول على الولاية الثالثة.
رئاسة الوزراء هي أرفع منصب تنفيذي، وهي قمة هرم السلطة، وحيازة المنصب يعني السيطرة على أعلى منصب في البلاد، لكن هذا المنصب لا يأتي عن طريق اختيارات الشعب كما يفترض وفق النص الدستوري، بل على أساس التوافقات داخل القوى السياسية وخارجها التي تجعل من رأي الشعب مجرد ديكور للاستهلاك الإعلامي.
اضف تعليق