تخطت الانقسامات الآن سياسة التشطير، وظهر انقسامات مختلفة بين شعوب المرتفعات والساحل، انقسامات بين مجموعات المناطق النائية الغنية بالنفط والغاز والثروات المعدنية والمناطق الزراعية المكتظة بالسكان. المآسي التي يشهدها اليمن اليوم لا علاقة لها بالوحدة اليمنية: اعتقد القادة السياسيون اليمنيون أن التوحيد الرسمي للشطرين سيحل خلافاتهم...
"دع الجسد يحترق ولكن لا تدع الوطن يخترق"
يعود فشل مشروع الوحدة عام 1990 إلى الحروب وإلغاء الطرف الآخر، بسبب فشل النظام السياسي الذي حولته النخب السياسية والاجتماعية إلى عصبويات، مما زاد من عملية التخلف والتشظّي السياسي والاجتماعي والثقافي في المجتمع. لم تعد الديناميكيات التنافسية في المجتمع اليمني بسيطة كما كانت قبل عام 1990.
فقد تخطت الانقسامات الآن سياسة التشطير، وظهر انقسامات مختلفة بين شعوب المرتفعات والساحل، انقسامات بين مجموعات المناطق النائية الغنية بالنفط والغاز والثروات المعدنية والمناطق الزراعية المكتظة بالسكان. المآسي التي يشهدها اليمن اليوم لا علاقة لها بالوحدة اليمنية: اعتقد القادة السياسيون اليمنيون أن التوحيد الرسمي للشطرين سيحل خلافاتهم وكذلك المجتمع الدولي والدول المانحة للمساعدات ركزت اهتمامها في ذلك الوقت والآن على المؤسسات التي تدعم وحدة الشطرين.
ولم يكن لديهم وضوح أن اليمن يعاني من مشاكل اخرى، جهوية وليس من التشطير (أي يعاني انقسامات بين سكان المرتفعات والساحل، بين المناطق الغنية والفقيرة). وهذا ما أكدته احداث المحافظات الواقعة في المرتفعات حول صنعاء، مثال قبائل صعدة، والحراك السلمي في المحافظات الجنوبية مثال قبائل الضالع – ردفان.
يفكر المواطنون من منظور جهوي ثم جاءت عاصفة الولايات المتحدة بعد الحادي عشر من سبتمبر، و"الحرب على الإرهابيين"، وغزو أفغانستان والعراق، وما إلى ذلك، وأشعلت المنطقة. في نهاية المطاف، سار أهالي المرتفعات المحيطة بصنعاء إلى العاصمة الشمالية وأقاموا سلطة الأمر الواقع وأطلقوا شعار الوحدة والحفاظ على السيادة الوطنية. من ناحية أخرى، سار ضباط متقاعدون، معظمهم من مرتفعات الضالع وردفان، إلى العاصمة الجنوبية عدن ويحاولون الآن إقامة سلطتهم الفعلية تحت راية "دولة الجنوب العربي". وهذا يؤكد أن لا ناقة للوحدة فيها ولا جمل، في الصراعات القائمة. الوحدة عمل مقدس للشعب اليمني ويجب عدم المساومة عليها. ترتبط الأزمة بتوجه القيادة السياسية في الشطرين وعجزهما في حل المشاكل، بما في ذلك الجهوية، والظاهرة في التنافس على الموارد والإنتاج الثقافي والاجتماعي. الآن سوف نعرف من أين أتى اسم "دولة الجنوب العربي ".
في 19 يناير 1839 م وبعد معركة غير متكافئة بين الأسطول والقوات البريطانية من جهة وقوات قبيلة العبدلي اللحجية من جهة أخرى، نتيجتها سقطت عدن في أيدي البريطانيين. أصبحت عدن colony مستعمرة خاصة تطبق عليها القوانين البريطانية، وهي تختلف بشكل كبير عن قوانين المحمية protectorate. بعدها أجبرت بريطانيا الحكومة المصرية على سحب قواتها المنتشرة في المنطقة منذ عام 1832 عبر الإنذارات والتهديدات. وبالفعل غادرت القوات المصرية اليمن في مارس 1839. بسط البريطانيون نفوذهم في اليمن والبحر الأحمر وجنوب وشرق شبه الجزيرة العربية.
بذلك إنفردت بريطانيا بمقدّرات جنوب اليمن. وبدأ الإنجليز بتنفيذ سياسة التهدئة في المنطقة من أجل ضمان استقرار الأمور في عدن بما يحقق مصالحهم الاستراتيجية والتجارية والبحرية. لهذا أبرموا اتفاقيات صداقة مع السلاطين والمشايخ والقبائل الجنوبية وإعطائهم رواتب لضمان ولائهم. واقترح هينز، حاكم عدن، أن تقدم الحكومة الهندية رواتب لزعماء القبائل، على سبيل المثال، تلقى سلطان لحج 3000 دولار ماريا تيريزا وابنه حامد بن محسن 1200 دولار ماريا تيريزا إلخ ينقص أو يزيد الراتب وهذا يعتمد على مكانة الشيخ وعشيرته. كما أمرت الحكومة الهندية هينز بعدم تقديم أي التزامات سياسية لزعماء القبائل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية في المناطق المجاورة لعدن وكذا عند تسليم الراتب لزعماء القبائل أخذ تعهد كتابةً بالولاء للحكومة البريطانية والسلطات البريطانية في عدن.
وهكذا، تميز النفوذ البريطاني في جنوب اليمن " الارض الممتدة من جزيرة ميون والبر المقابل لها حتى ساحل عمان " من 1839 إلى 1871 بإملاء بعض الاتفاقيات مع شيوخ القبائل في جنوب اليمن حتى نشأت الصراعات والتوترات في العلاقات البريطانية العثمانية في الأعوام 1872-1873 حول مناطق النفوذ في اليمن، الذي فرض حدوداً قسرية وتقسيم اليمن الى (الشمال للعثماني والجنوب للبريطاني)، ترك هذا الصراع العثماني البريطاني إرثًا ثقيلًا على الشعب اليمني في العهدين الملكي والجمهوري.
في نهاية العقد السابع من القرن التاسع عشر، ظهرت أحداث أدت إلى تغيير جذري في السياسات البريطانية والعثمانية في اليمن، وعلى وجه الخصوص: أولاً: افتتاح قناة السويس عام 1869. ثانيًا: التحولات السياسية والاقتصادية في اوروبا والتطور اللاحق للدولة القومية. ثالثاً: تطور السياسة العثمانية واعتمادها أسلوب الإدارة المركزية في حكم الولايات. منذ الدخول السلمي للقوات العثمانية إلى صنعاء في 26 أبريل 1872 وتعيين المشير أحمد مختار باشا والي على اليمن. واصل تقدمه وسيطر على السواحل والمدن اليمنية، ساعده على فرض نفوذه بسرعة كبيرة هو انهيار السلطة السياسية المركزية في اليمن وتدهور الأحوال المعيشية للناس حينها، وتمردت القبائل وتباينت رغباتهم، انهارت التجارة داخل اليمن وعلى السواحل، باستثناء ميناء عدن التي تمتعت بتجارة مزدهرة ومستقرة.
في الواقع، كانت الهيمنة العثمانية اسمية بسبب وعورة التضاريس ومعظم القبائل لم تقبل الخضوع للعثمانيين مثل قبائل الجوف، حاشد، بكيل، العبادلة لحج، قبائل ردفان والضالع، أرحب، ذو الحسين، مأرب، صعدة وغيرهم. حيث بقيت معظم هذه المناطق والقبائل تحت قيادة شيوخها المحليين. ورغم ذلك أمر الوالي العثماني الإمام علي بن أحمد بالكتابة إلى شيوخ وزعماء عشائر اليمن وخاصة سلطان لحج المجاورة لعدن، حثهم جميعًا على الإسراع بإعلان الخضوع لسلطة الخليفة العثماني. مشيرًا إلى أن الدولة العثمانية قد أعادت سيادتها الكاملة على ممتلكاتها السابقة في اليمن.
لكن سوء إدارة الحكم العثماني المتمثل في الاستبداد والفساد والمركزية الشديدة وإفقار الشعب وحماس العثمانيين للأتركة. أصبحت الإمارات والمشيخات الصغيرة في جنوب اليمن عرضة لعدم الاستقرار مما دفعها الى تأييد الأئمة. كما حافظ الإمام على إستقلاله النسبي عن الإمبراطورية العثمانية علاوة على ذلك حصروا تأثيرهم التقليدي بشكل أساسي في صعدة. في البداية، استخدم العثمانيون الإمام للتوسط لدى القبائل لما يتمتع به الإمام من احترام عند القبائل قبل اتفاقية (دعان) عام 1911. استجاب بعض مشايخ الجنوب لطلب العثمانيين ومنهم شيخ الحواشب علي بن مانع وشيخ الصبيحة الشيخ سالم بن عبد الله والسلطان منصور بن غالب قائد سلطنة الكثيري وغيرهم.
ومنهم من رفض مبايعة صنعاء العثمانية، مثل السلطان لحج فضل بن محسن الذي أصيب بالذعر وهرع بالكتابة إلى حاكم عدن البريطاني جون شنيبر يطلب منه المساعدة والحماية حتى يتمكن من مقاومة الضغط العثماني. وإلا سوف يخضع للحاكم العثماني لضمان سلامته وسلامة عائلته وممتلكاته، في غياب الحماية البريطانية اللازمة. ورغم خوف السلطان، لم يستطع أخذ ضمانات بالحماية من حاكم عدن الذي طلب منه فقط التحلي بالصبر وأخبره أن الحاكم العثماني يعلم أن سلطنة لحج ملزمة بمعاهدة مع بريطانيا وأنه لا يتوقع منه مهاجمة السلطنة. وبالفعل تجنبت السلطات العثمانية الرسمية في صنعاء واسطنبول الاحراج السياسي والدبلوماسي في مواجهة الحكومة البريطانية في جنوب اليمن.
مع بداية عام 1873 كان هناك تغيير في موقف الإدارات الرسمية البريطانية في عدن وبومباي ولندن قرروا وضع سياسة حازمة تجاه الوجود العثماني في اليمن. أدرك البريطانيون أن التهديد العثماني خطراً وواقع على شيوخ جنوب اليمن، الأمر الذي تطلب قرارًا سريعًا من الحكومة البريطانية. ولتنفيذ هذه القرار، أصدر حاكم عدن، الجنرال شنايدر، في الأول من يناير 1873، تحذيراً صارماً من الحكومة الهندية إلى الحاكم العثماني في صنعاء. وطالبه بالامتناع التام عن المراسلات أو الاتصالات سواء مع سلطان لحج أو مع الشيوخ جنوب اليمن وخاصة القريبة من عدن والتي كانت خاضعة لبريطانيا بالاتفاقيات ومعاهدات الصداقة.
بدأت السياسة البريطانية تجاه الجنوب بإعلان عدن مستعمرة مرتبطة مباشرة بالتاج البريطاني وليس تحت الإدارة البريطانية في الهند. شكلت فيها جهازًا بيروقراطيًا ينسق ويتحكم في الإدارة الاقتصادية والسياسية للمستعمرة ويضع جميع أبناء المستعمرة تحت حكومة سياسية وقضائية واحدة تضمن حقوق الجميع، دون إثارة النزعة الطائفية أو الجهوية أو العرقية. مجتمع العدني يتسم بالتنوع العرقي ومعظم سكانه من المهاجرين، عرب وهنود وصوماليون وفرس وغيرهم. بمرور الوقت، ظهرت قواسم مشتركة وروابط بينهم سمحت لهم بالعيش في سلام.
عناصر الجهاز الإداري من معظم مناطق المحيط الهندي، سعت بريطانيا من تكوينه جذب التجار من شرق آسيا وإفريقيا إلى مستعمرتها الجديدة، عدن، بهدف إنشاء ميناء تجاري قابل للحياة ومكتفي ذاتيًا. منذ ذلك الحين، جذبت بريطانيا عددًا لا يحصى من الأفراد الذين شكلوا فيما بعد السكان الأصليين لمدينة عدن. هم أصحاب متاجر، وحرفيون مهرة، ومعلمون، وعلماء دين، ومتصوفون، وعمال الميناء، وحمالون، وسائقو عربات، وعمال النظافة، وأصحاب المقاهي، وغيرهم. أما المناطق الأخرى في جنوب اليمن أعيد تشكيلها رسميًا بناءً على مرسوم بريطاني صادر في 18 مارس 1937، تم بموجبه تقسيمه إلى منطقتين: "المحميات الشرقية" و "المحميات الغربية" وتعيين والي خاصة وعدد من الضباط السياسيين لكل محمية بهدف السيطرة على المنطقتين وربطهما بمستعمرة عدن. ثم في عام 1959 تم تشكيل اتحاد إمارات الجنوب العربي.
الجنوب العربي:
فكرة بريطانية منذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضي لتوحيد جنوب شبه الجزيرة العربية، أي المنطقة التي تمتد من جزيرة كمران في الغرب إلى الإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين شرقا تحت هيمنتها. لذلك، قبل إطلاق التسميات السياسية، يجب أولاً قراءة تاريخ المقاومة الشعبية اليمنية لتجنب تزوير وتشويه الأحداث عمداً أو عن غير قصد. فقط نتذكر الآن ما كتبه المناضل الوطني الكبير محمد غالب أحمد عضو المكتب السياسي رئيس دائرة العلاقات الخارجية بالحزب الاشتراكي. كتب عندما بدأت المباحثات في جنيف بين وفد الجبهة القومية والمستعمر البريطاني، كانت اليافطة أمام وفد ثورة 14 أكتوبر مكتوب عليها (وفد الجنوب العربي/ "جنوب اليمن") مما يعني أن كل طرف يتبنى التسمية الخاصة به. اعتمد وفد المحتل البريطاني اسم "الجنوب العربي" واعتمد الوفد الوطني اليمني "جنوب اليمن". كما حذفت عبارة "الجنوب العربي" من البيان الختامي واستعيض عنها بكلمة (الاقليم) على النحو المنصوص عليه في الفقرة رقم (2) من البيان الختامي ص. 135، ونصها كما يلي: (بحث الوفدان نقل السيادة وإنهاء حماية صاحبة الجلالة للاقليم الذي سيدمج في جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية....... الدولة الجديدة ذات السيادة من 30 نوفمبر 1967، يوم استقلالها).
اضف تعليق