العراق الحالي يختلف عن السابق في الكثير من المعايير، فله في الوقت الحالي علاقات دبلوماسية مع دول العالم والجوار ويصعب تحقيق نبوءة الشيخ علي التي تؤكد وجود فريق دولي يعمل من الآن الى مدى العام والنصف لتهيئة الأجواء المناسبة والارضية الداخلية لتحقيق ذلك...
لم يصدق أحد العراقيين او المراقبين الخارجيين بانهيار الجيش العراقي بعد دخوله الكويت عام 1991، فلم تمضي سوى سنوات قليلة من خروجه مدعيا النصر على الجيش الإيراني في حرب الخليج الأولى التي نشبت في سبتمبر من عام 1980 حتى أغسطس 1988، حدث الانهيار الكبير الذي منيت به القوات العراقية على ايدي التحالف الدولي آنذاك، وخالف ذلك التوقعات ونسفها من أساسها.
نفس الدافع الأول وهو عدم التصديق جعل ملايين العراقيين يتنمرون على حديث النائب المتقاعد والملاحق قضائيا فائق الشيخ علي عندما قال ان العملية السياسية مقبلة على انهيار كامل في العام 2024، وستوكل مهمة التغيير الى فريق دولي، لكنه لم يفصح عنه في الوقت الحالي وترك المجال للتخمينات والتحليلات ان تطرح على اختلاف توجهات حامليها.
عند السماع لحديث الشيخ علي يقترب الى ذهنك موضوعة التغيير الذي حصل في العراق عام 2003 على ايدي قوات التحالف الدولي، ولو عملنا استطلاع للرأي قبل سقوط النظام بأيام، لكانت النتيجة متطابقة تماما مع الضن الشعبي باستحالة تغيير النظام وإزاحة صدام من كرسي الحكم.
وما حصل يعد بمثابة الاعجوبة او المعجزة بالنسبة للمعارضة العراقية التي قضت ما يقرب العقدين والنصف تنسق وتتحاور في محاولة منها لإقناع القوى الدولية العظمى التدخل لتغيير المعادلة السياسية العراقية على ارض الواقع، وبالفعل تدخلت لكنها هي من اختارت التوقيت المناسب الذي يتناسب وأهدافها وليس تماشيا مع رغبة العراقيين في الداخل والخارج.
وحين ذاك كان جل الحلم الشعبي العراقي هو الإطاحة بنظام صدام حسين الدموي، نقول حلم كونه بالفعل يقترب من الحلم لما يمتلكه الرئيس من قوات امنية واصناف متعددة أوكلت اليها حمايته وحاشيته من الانقلابات او حدوث الازمات الداخلية، لكنها لم تفلح مع المد الدولي القادم من الخارج الذي هيأ جميع الظروف الداخلية ليكون مرحبا به بدلا من المقاومة العلنية.
كلام الشيخ قد يكون في الفترة الحالية يحمل المزيد من عدم الواقعية بحكم الوضع الجديد الذي يعيشه العراق، فالعراق في الوقت الحالي تحكمه دولة تحظى بالشرعية المحلية والدولية، وبالنتيجة تكون هذه الشرعية هي الغطاء القانوني الذي تمارس بموجبه مهامها وجميع التزاماتها.
العراق الحالي يختلف عن السابق في الكثير من المعايير، فله في الوقت الحالي علاقات دبلوماسية مع دول العالم والجوار ويصعب تحقيق نبوءة الشيخ علي التي تؤكد وجود فريق دولي يعمل من الآن الى مدى العام والنصف لتهيئة الأجواء المناسبة والارضية الداخلية لتحقيق ذلك.
ربما يكون فائق له علاقة وتعامل مباشر مع هذا الفريق، هذا ان صح كلامه السابق، وهو ما يعني انه سينتهج النهج القديم الذي افرزته المعارضة العراقية وكيفية تعاملها مع الواقع العراقي وطريقة التغيير التي جاءت عن طريق القوى الخارجية، لذلك جاء تغيرا مشوها لا يتضمن تغير واضح المعالم.
وإذا حصل ذلك سيكون امام العراق تجربة أخرى فاشلة، كونها اعتمدت على نفس سيناريو التغيير القديم الذي كلف العراق المزيد من الخسائر، ولم يجد بديل ناجح للنظام ليقدم الأساليب القادرة على تفكيك العقد المتكررة في النظام السياسي الحديث الذي ينظر اليه على انه نظام ديمقراطي في الشكل والمضمون.
ما يفند ويثبت عدم دقة كلام الشيخ علي هو خلوّه من الأدلة الكافية والمقنعة على حدوث التغيير، وبالتالي يعتبر ما تفوه به عبارة عن لقلقات لسان لا يصح الحديث فيها او تناولها وكأنها ثوابت يجب التعامل معها على نحو من الجدية والثبات، لتدارك الوقوع في الأخطاء الماضية التي رافقت عملية التغيير السابق.
الى جانب ذلك فان القوى الدولية الكبرى منشغلة في الوقت الحاضر بمسائل أكبر واهم من تغيير النظام الداخلي العراقي، يتمثل ذلك الانشغال بالحرب الأوكرانية الروسية، فضلان عن الاقتصاد الأمريكي المتراجع مقارنة باقتصاديات الدول العظمى مثل الصين والهند وغيرها،
أضف الى ذلك الانشغال بالشرق الأوسط الجديد الذي تحاول أمريكا بان تعيد تشكيل خارطته السياسية بما يخدم وجود إسرائيل والتطبيع معها من قبل الدول الرافضة لذلك في العلن لكنها تبدي عدم اعتراضها في الكواليس خوفا على مصالحها السياسية والاقتصادية من الانهيار.
الدول الكبرى ومن بينها أمريكا لا تريد تكرار أخطاء الاحتلال العراقي والدخول لأفغانستان، فلديها ملفات شائكة فيما يخص التسابق الدولي في التسلح والتقدم التكنولوجي، وفي حال الخوض بالحروب سيكون عاملا من عوامل تراجع اقتصادها الذي يعاني من نوبات بين الحين والآخر، وهو ما يحتم عليها عدم الاشتراك بأي حرب خارجية تكون محرقة للأموال والقوى البشرية.
لقد جرب العراقيين تجربة التغيير من الخارج، ولا اعتقد سيفسح المجال امام تلك القوى إعادة تدوير نفس الأسلوب في السنة والنصف القادمة، هذه الفرضية تكون شغالة مع احتمالية وجود الفريق الدولي الذي أشار اليه فائق الشيخ علي في لقاء متلفز.
أفضل أنواع التغيير هو الذي يحصل بتظافر القوى الداخلية الوطنية التي تريد ان يكون العراق بلدا عزيزا كريما يحكمه ابناءه بعيدا عن التأثيرات الخارجية التي ارجعته وحرمته من التقدم كثيرا، وجعلته من أكثر البلدان تشظيا وضعفا في مسألة اتخاذ القرارات الحاسمة التي تتعلق بأمنه الوطني والإقليمي وتأمين خدمات لمواطنيه.
ان حصلت محاولات للتغيير في الأشهر القادمة بحسب النائب المطارد سيواجه ذلك بالكثير من التحديات، أولها التحدي السياسي الذي واجه ثورة تشرين وأزهق روحها في غضون أشهر معدودات، اما التحديات الأخرى والتي تحل بالمرتبة الثانية، ستكون تحديات أخرى تتعلق بمحاربة الفساد والاصلاح والتنمية وبناء المؤسسات الديمقراطية بصورة صحيحة ليس كما هو قائم الآن.
اضف تعليق