يشترك المال السياسي بجميع المراحل الحرجة التي مر بها العراق، وقد يكون المسبب الحقيقي وراء المأساة المتواصلة لعموم شرائح المجتمع، أليس الاجدر ان يحول هذا المال الى عامل من عوامل القوة والتأثير على القوى الداخلية والخارجية، ليكون درعا مدافعا عن البلد من الاهوال القادمة عبر الحدود...
من المصطلحات الحديثة التي اضيف الى المعاجم المختصة هو مصطلح المال السياسي والذي يعود اليه سبب كل ما يحدث في البلد، واليه تعود أسباب ما يحصل من فعاليات على المستوى العالمي، حتى اركنت اليه جميع التهم والتجاذبات الحاصلة في المضمار السياسي، وكل يلهث وراءه لتحقيق دوافع واهداف متبادلة بين جميع الأطراف.
ان توفر المال السياسي بيد جهة على حساب الجهات الأخرى دفع الى الكثير من المفارقات او التناقضات في العمل السياسي داخل منظومة العمل الحزبي على الصعيد المحلي، فمن خلال الأموال الطائلة تمكنت بعض الجهات من الوصول الى المشتركات مع بقية الأطراف الذين تجمعهم مصالح موحدة وليس الأهداف او الأفكار المتشابهة.
وقد نجحت الكثير من الجهات الحزبية بالعراق بتوظيف المال السياسي في مجالات متعددة ومنها مجال الحصول على المكاسب بما في ذلك فن السيطرة على الساحة واحتواء المقابل مهما كانت نياته سليمة ويروم خدمة أبناء الشعب مقابل تغلغل الأحزاب التي لا يهمها سوى مصالحها الشخصية والتفكير بما يحقق ذلك وبأسرع وقت.
وفي كل ازمة سياسية يكون دور المال السياسي فعال وواضح التأثير، فلا يمكن لأي مشكلة او انسداد ان يسلك طريقه نحو الحل، الا بفعل المطرقة الساخنة للمال المتكدس بيد الأحزاب التقليدية والمتحكمة بالإيرادات المالية طيلة السنوات الماضية، ومن هنا تكون أي عملية تفاوضية يشكل المال السياسي حجر الزاوية فيها ولا يمكن الاستغناء عنه، وبدونه يكون الكلام خال من الجدوى وغير نافع لإيجاد الحلول اللازمة.
ظاهرة المال السياسي اخذت بالتنامي في السنوات الأخيرة التي عقبت تغيير النظام، فالتنامي الكبير لهذه الحالة، جعل من الجميع يغبط من يخدمه الحظ ليكون ضمن النخبة السياسية الحاكمة في البلد، ولهذا السبب، صار رجل الاعمال يتنافس مع الأشخاص الكفوئين لخوض هذه التجربة، وبقدر ما يخدم المال تسهيل الوصول الى المواقع السياسية، فأن رجل الاعمال هذا يتعامل مع الموقع الجديد بلغة الاستثمار، أي يضع في حساباته ما الذي سيضيفه المنصب الى ثروته.
ومن يدخل الى العمل السياسي عن طريق المال وما يملكه من ثروة اقتصادية كبيرة يمكن ان يحول الكرسي الى منفذ لتخزين كميات مالية أخرى وتحويل كل ثروته وممتلكاته الى صفة المال السياسي الذي يوظفه لخدمة امواله من الضياع او التأثر بالظروف العامة التي تسود في البلد.
جميع الأحزاب المشاركة في إدارة شؤون البلد تشترك بصفة استغلال المال السياسي للوصول الى مطالبها الضيقة، ففي العراق على سبيل المثال يتم توظيف واستخدام المال السياسي ربما بصورة أكثر وضوحا وتجليا على مستوى المنطقة، فبه تمكنت الاحزاب من سحب البساط من تحت اقدام القنوات الفضائية والمواقع الالكترونية وكذلك المنافذ الأدبية لتكون تحت رعاية المال وخدمة للجهات المالكة له.
وبذلك ازدادت قدرة التحكم بآراء وتوجهات اغلب الطبقات الاجتماعية وأكثرها العامة التي وظُفت فكريا لخدمة المنظومات السياسية، المهيمنة عبر منطق المال السياسي الذي حرف الموضوعات واستبدل المنطقيات بأشياء غير ذلك، ومن جعل الأمور أكثر تقبلا من طرف المجتمع هو الأموال الطائلة التي اغدقت على الافراد بدوافع مزعومة بأنها إنسانية.
كثرة الأموال السياسية بيد الأحزاب تجعلها قادرة على المناورة في التجاذبات السياسية الحاصلة على الساحة، ولا حظنا كيف تمكن المال السياسي من الحصول الى الميول الواضح والرضوخ الكبير من قبل الأحزاب الصغيرة الباحثة عن مقعد بين الكبار على المستوى السياسي، وبالتالي تغيرت الولاءات وصارت التوافقات على الحصص هو الشغل الأهم بالنسبة لهذه الجهات.
وهذا ما لمسناه جليا ابان الصراعات على تشكيل الحكومة المعطل لوقتنا الحالي بسبب التفسير الخاطئ لأغلب المواد الدستورية وبالنتيجة وصلنا الى النهايات غير المتوقعة والتي من بينها الاضطرار الى التصويت على قانون الامن الغذائي الذي من المتوقع ان يكون نافذة أخرى من نوافذ الفساد والاستيلاء على أموال الشعب التي ينظر اليها تتجمع بطرق غير شرعية في خزانات الأحزاب.
يشترك المال السياسي بجميع المراحل الحرجة التي مر بها العراق، وقد يكون المسبب الحقيقي وراء المأساة المتواصلة لعموم شرائح المجتمع، أليس الاجدر ان يحول هذا المال الى عامل من عوامل القوة والتأثير على القوى الداخلية والخارجية، ليكون درعا مدافعا عن البلد من الاهوال القادمة عبر الحدود، وبالتالي نصل الى مرحلة مقبولة من التوازن في التعامل مع الأموال العامة.
اضف تعليق