وفق ما يجري من وقائع واحداث على المستوى السياسي امام نظار الجميع قد نحتاج الى تسعة عشر عاما أخرى لتحسين العلاقة المتأزمة وإرجاع الثقة المفقودة بين الجمهور العراقي والطبقة السياسية التي تعمدت على اغلاق قنوات التواصل مع الشعب الذي ذاق المرار وأعلن القطيعة الصريحة مع الأحزاب...
وفق ما يجري من وقائع واحداث على المستوى السياسي امام نظار الجميع قد نحتاج الى تسعة عشر عاما أخرى لتحسين العلاقة المتأزمة وإرجاع الثقة المفقودة بين الجمهور العراقي والطبقة السياسية التي تعمدت على اغلاق قنوات التواصل مع الشعب الذي ذاق المرار وأعلن القطيعة الصريحة مع الأحزاب، وجسد ذلك بعدم الخروج والمشاركة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في الدورات السابقة.
ملحمة القطيعة بين الجمهور والنخب السياسية اول من وضع اُسسها الأحزاب المشاركة في العملية منذ تغيير النظام ولغاية الآن، فهي من اركنت الاحتياجات الشعبية وراء ظهرها، واكتفت بالقلة القليلة من جمهورها الذي لا يؤمن بأفكارها بقدر ايمانه المطلق بانها مصدر من مصادر الثروة والمكاسب المتعددة.
حتى استمرت هذه الطبقة بالابتعاد عن هموم الشارع والفوضى التي نتجت بعد سوء تصرف الأحزاب والكتل المتشبثة بالسلطة والراغبة في التحكم والتمكين من جميع مفاصل البلد السياسية والاقتصادية وغيرها من المفاصل المهمة، وهو ما زاد من تعميق فجوة الخلاف وفقدان الثقة بين الطرفين، ولا تزال الأمور ذاهبة باتجاه النهايات السلبية لا الإيجابية.
وبعد اكتمال الفصل الأول على ايدي الحكام من مختلف الطوائف والقوميات جاء الدور ليضع الشعب لمساته الأخيرة في حفل تأبين العلاقة الميتة بين الجانبين، وعمد بعد ذلك الى الخروج بمظاهرات شبابية احتجاجية، لم تكن متوقعة من قبل الطبقات الحاكمة التي لعبت في المال السياسي وملأت بطون مريديها بالمال المسروق والتعاملات المشبوهة.
وكنوع من التناغم مع وقع الاحداث التي جاءت بها الرواية، ذهبت السلطات القائمة على رأس الحكم الى اعتقال العشرات من الأبرياء الذين لا يجدون ببلد الخيرات لقمة عيش سائغة، وتكرر المشهد مع الناشطين السياسيين والإعلاميين الذي لونوا الورق بالحبر الأزرق الذي يصرخ رفضا للظلم والاضطهاد، بينما الساحات تلونت بدماء الأبرياء من الشبان.
لو حاولنا بحث ملفات الخلاف الحاصل بين السياسيين والنخب وتمكنت من تعكير الأجواء الصافية بعد سنوات قليلة من تغيير النظام، نجد الأسباب الحقيقية وراء كل ما يحصل ومحور الصراعات هو المواطن الذي لم يحظى بأبسط حقوقه ولم ينل الا النزر اليسير من آماله المعلقة على مقصلة النُهاب.
فالرفض المستمر من قبل الجماهير للعملية السياسية وما يدور خلف الكواليس من اتفاقات وتفاهمات بعيدة كل البعد عن هموم المواطن، جعل الحكومات المتعاقبة في مرمى الانتقادات الشعبية المستمرة، وافضت الى علاقات متدهورة بين الطرفين، على مدى السنوات الأخيرة، اذ قادت هذه الأوضاع المأزومة الى تحولا جذريا بطبيعة التعامل والتواصل من السلطة على اختلاف مستوياتها.
وفي ظل التوتر المتواصل لم تحاول الجهات المسؤولة عن تردي الأوضاع الى إزالة الأسباب التي دعت الى استمرار التوتر، من اجل ارجاع العلاقة الى سابق عهدا او على الأقل الى خلق رضى مقبول عن الجهات الحكومية، لكن في الواقع الحقيقي لا توجد أي جهود مفرحة لتغيير سياسة التعامل مع الطبقات الجماهيرية، وتتعاقب الشهور والحكومات ولا مفكك للازمات.
في المرحلة القادمة يتطلب من المتصديين للعمل السياسي الداخلي تفعيل عنصر الحوار المجدي والنافع مع الحركات الشعبية، فلا شرعية لأي حكومة قادمة مالم تضع عملية إرضاء الجمهور نصب اعينها ومن أولوياتها لكيلا تستمر الأوضاع بالتأزم ويحصل ما نريد الابتعاد عنه في المرحلة القادمة واستمرار التصادم غير النافع لكلا الطرفين.
ولهذا الهدف قد يكون الوقت الحالي أكثر الأوقات مناسب لإعادة روح العلاقة المفقودة الى مكانها، ومن الممكن ان يكون العصر القادم من العصور الذهبية لتكوين رابطة مع الجمهور الذي نفر جميع مخرجات العملية السياسية وصار ينظر لمن يشترك فيها اعلى انه تاجر من نوع آخر، رأس ماله اللعب على أوتار الخداع والالتفاف على حقوق الآخرين.
وبذلك تبقى ازمة الثقة قائمة ولا يمكن الخروج منها ولو على الأمد القريب، في ظل وجود المسبب الحقيقي لفقدانها، إضافة الى ذلك لا يوجد تغيير في سياسته العامة التي ولدت أجواء مرتبكة خالية من التوائم والتلاقي بين الشريكين على العديد من المستويات، فكما الحكومة مسؤولة عن توفير الخدمات والحياة الكريمة للمواطن، فالأخير تقع عليه مسؤولية المراقبة والتقويم وبالتالي لا يكون مجال امام القطاعات الأخرى سوى التقدم والرقي.
اضف تعليق