ومع تكرار الترقيع يفقد الشيء شكله الأصلي، ويتحول إلى جسم مختلف، والمبادرات السياسية ترقيع مستمر للعملية السياسية التي تعرضت لاختراقات في جسدها الأصلي حتى باتت مشوهة وغير قادرة على تحقيق وظيفتها، والإنسداد السياسي الذي يتحدثون عنه، علامة على تأثر العملية السياسية بالترقيع واستنفاد كل ما يمكن استخدامه لرقعها مجدداً....
الطريق المعبد والمؤثث والخالي من التشققات والمطبات هو المسار الذي يضمن حياة أصحاب السيارات الذين يلتزمون بقواعد السير، وهذا النوع من الطرق علامة من علامات وجود الدولة المؤسساتية الحديثة، التي تتخذ من القوانين والقواعد الثابتة مسارات تسهل عملها وتضمن سلامة أفرادها.
والقواعد القانونية التي تحدد مسارات السيارات هي أُخْت للقواعد التي تحدد طبيعة العمل السياسي وأدوار الأحزاب والتيارات الحاكمة، إذ لهما المرجعية الأعلى ذاتها، وهي الدستور، والخروج عن ثوابت الدستور يشبه إلى حد ما النزول من الطريق المعبد إلى الأرض الوعرة، قد تنقلب المركبة، وقد تنجو، لكن الأكيد أنها سوف تتعرض لأضرار حسب ظروف الحادث.
وأن تخرج سالماً من الحادث الأول، لا يضمن سلامتك في الحادث الثاني، أو الثالث، والثابت أنه مع كل حادث تضاف أضرار جديدة للمركبة ومن يجلسون في بطنها، كلها بسبب الخروج عن المسار القانوني الضامن لحياة الجميع.
قانون المرور يضع علامات تحديد السرعة والمسارات الصحيحة على جانبي الطريق وفوق الإسفلت، أما في السياسة، فالتوقيتات والاستحقاقات العددية في مجلس النواب هي التي تضمن حصول حزب معين على رئاسة الوزراء وحزب آخر يذهب للمعارضة.
لا يحق لأحد_وفق المسار الدستوري_ تجاوز الخط الفاصل بين من يحق له الدخول إلى قاعات مجلس النواب، ومن يحق له الذهاب بعيداً إلى مجلس الوزراء.
هناك علامات قانونية مانعة، وتوقيتات تعمل وفق الإشارة المرورية الدستورية، يجب _نظرياً_ عدم تجاوزها.
الدستور يفتح الإشارة الخضراء للكتلة الأكبر عدداً الفائزة في الانتخابات لتشكيل الحكومة والعبور إلى الضفة الأخرى في مجلس الوزراء، وفي مدة زمنية محددة، لكنه حينما يغلق الإشارة الخضراء ويفتح الإشارة الحمراء، فهذا يعني انتهاء مهلة العبور إلى ساحات مجلس الوزراء.
لا يهتم الدستور إن كانت مركبة الكتلة الأكبر معطلة عن المسير حينما فتح الإشارة الخضراء، ولا يهمه إن كان هناك من يعرقل تشغيل ماكينة الكتلة الأكبر، إنه يضع الإشارات الخاصة بالعبور وعدمه ومن فاتته التوقيتات يكون أمام خيارين:
أما يلتزم بما حددته التوقيتات الدستورية ويعلن فشله في العبور إلى المرحلة التالية في تشكيل الحكومة.
أو يخرق التوقيتات ويطلق العنان لمبادراته الذاتية التي قد توهم الآخرين بأنه ملتزم بالمسار السليم وغير مبتعد عن القواعد الدستورية والقانونية.
الأغلب سوف يعتمد على الخيار الثاني، أي خرق القواعد الدستورية، مع الإلتزام بمجموعة من الشعارات الداعية إلى احترام الدستور، وهو يشبه إلى حد ما ذلك الشخص الذي يقتل الضحية ثم يمشي مع المشيعين في جنازة ضحيته.
لا جديد في العراق، الإطار التنسيقي الذي يزعم أنه صاحب الحق في تشكيل الحكومة مع شركائه الشيعة تحت يافطة "حق المكون" نجح لحد الآن في إفشال مشروع خصمه الشيعي السيد مقتدى الصدر الذي يقول أنه صاحب الكتلة النيابية الأكبر ومن حقه الدستوري تشكيل الحكومة.
لكنه فشل في التشكيل، والإشارة الدستورية الخضراء التي تسمع بتشكيل الحكومة لا يمكن فتحها مجدداً، وما زالت الإشارة الحمراء مفتوحة ضد الصدر وضد الإطار التنسقي.
ومن أجل الإلتفاف على ضوء الدستور الأحمر وعبر مسار جديد أبتكر الإطار التنسيقي والتيار الصدري فكرة جديدة تسمى المبادرات السياسية، وهي أشبه بالرقعة التي تعالج بعض التشققات في أصل الأشياء، إنها لا تعيدها إلى حالتها الأصلية، لكنها تضمن استمرار عملها ولو بطريقة أقل كفاءة.
ومع تكرار الترقيع يفقد الشيء شكله الأصلي، ويتحول إلى جسم مختلف، والمبادرات السياسية ترقيع مستمر للعملية السياسية التي تعرضت لاختراقات في جسدها الأصلي حتى باتت مشوهة وغير قادرة على تحقيق وظيفتها.
والإنسداد السياسي الذي يتحدثون عنه، علامة على تأثر العملية السياسية بالترقيع واستنفاد كل ما يمكن استخدامه لرقعها مجدداً.
كل مبادرة جديدة رقعة أخرى، ومشكلة جديدة تضاف إلى جسد العملية السياسية التي شاخت ولم تعد تحتمل الترقيع.
اضف تعليق