لا يتورع المزايدون عن تسقيط الخصوم المنافسين، من خلال تصريحات ومقالات، فصديق صديقي قد لا يكون بالضرورة صديقي، مثلما قد لا يكون عدو عدوي صديقي، ولا يكون عدو صديقي عدوي، فقد تبادل الصديق والعدو الأدوار، وبات المواطن يتلفت يميناً وشمالاً، لعله يدرك متغيرات المواقع والمواقف والميول والصفقات...
اشتقّت العرب كلمة السُوق من الساق، وقد وصفت الأماكن التي تساق إليها الماشية والبضائع لغرض البيع بـ (الأسواق)، ولأن اللغة العربية عجيبة في حيويتها وتفرعاتها، فقد اعتبرت كلمة السُّوقة بمنزلة الرعية التي تَسُوسُها الملوك، سُمُّوا سُوقة لأن الملوك يسوقونهم فينساقون، وفي ذلك قالت بنت النعمان بن المنذر:
فَبينا نَسُوس الناسَ والأمْرُ أَمْرُنا إذا نحنُ فيهم سُوقةٌ نَتَنَصَّفُ
أَي زال ملكنا فأصبحنا نخْدُم الناس، بعد ان كنا ملوكاً نقودهم!
لم تكن الأسواق في تاريخ العرب مخصصة للبيع والشراء والمقايضة فحسب، بل مهرجانات للخطابة والشعر والمباراة والفروسية، ولا شك أن الفرق بين سوق عكاظ أو سوق المربد وبين سوق الانتخابات في العراق، أن الأخيرة تعد موسماً، كل أربع سنين، يبيع السياسيون ويشترون فيه بضاعة الكلام والوعود والآمال والمصالح، عبر أثير الفضائيات وأحبار الجرائد، ولعل أسوأ بضاعة بين أيدي هؤلاء (السوقة) دماء الأبرياء تسفك يومياً، في ظل تنازعات شرسة، دون وازع، على مغانم السلطة ومفاسدها، فقد تمزق الوطن إلى مكونات، وتفرعت المكونات إلى فئات، وتحولت الفئات إلى كيانات، وتناسلت من الكيانات كتل، وتقزمت الكتل إلى أحزاب، فنحن نعيش اليوم سوق الأحزاب المتحزبة، وفق المقاييس السياسية القومية والدينية والمذهبية والمناطقية، وكل حزب بما لديهم فرحون.
الانتخابات دون شك، تمثل سوقاً مفتوحاً، لكل الباحثين عن الشهرة والمجد والسلطة والمال والسلاح، يزايدون ويناقصون، حسب الموقف والحدث، فيصنعون الخبر، من خلطة خبيثة من انصاف الحقائق والاكاذيب والادعاءات والاتهامات، سوى قلة يعضّون على دينهم وأخلاقهم، وسط معترك السياسة، التي جعلت الناس في حيرة واضطراب بين تصديق الوعود وتكذيب الافعال، وبين الواقع والخيال!
لا يتورع المزايدون عن تسقيط الخصوم المنافسين، من خلال تصريحات ومقالات، فصديق صديقي قد لا يكون بالضرورة صديقي، مثلما قد لا يكون عدو عدوي صديقي، ولا يكون عدو صديقي عدوي، فقد تبادل الصديق والعدو الأدوار، وبات المواطن يتلفت يميناً وشمالاً، لعله يدرك متغيرات المواقع والمواقف والميول والصفقات، ولعل من أصعب الخيارات، في هذه السوق المضطربة حسن الاختيار، وهو أساس الديمقراطية، فمن المفترض أن يختار الناس الأخيار، ويتجنبون الفاسدين والأشرار!
اضف تعليق