تركيا كغيرها من الدول التي ترى في العراق فريسة يجب ان تسرع باستقطاع جزء منه، وترى هي ان لها المسوغ بكل ذلك مقابل التدخلات الخارجية فيه، بغض النظر عن حجم هذا التدخل والاهداف الرئيسية له، ومع ذلك ليس من المنطق ان تتعامل تركيا مع العراق وفق هذا المبدأ...
كل شيء يدور في العراق طبيعي كان ام مقصود خاضع للولاءات الخارجية والتأثير النفوذي لاحد الأطراف اللاعبة في البلد، وما القصف التركي على الأراضي العراقية الا خير دليل على هذه السيناريوهات الموجودة على ارض الواقع، اذ لا يزال القصف يستهدف المدن العراقية ولا نجد الا استنكارات خجولة وغير مرضية من الجانب الحكومي وردة الفعل الشعبي.
تخيل عزيزي القارئ ان من يقوم بالقصف الحالي هي دولة أخرى، وتخيل أيضا ان من يستهدف المدن هو طيران قوات التحالف، فماذا سيحدث على مستوى الجمهور الداخلي؟، وماهي المواقف الدولية إزاء هذا الاعتداء الصارخ على ارض من المفترض ان لها سيادة لا يجوز التعدي عليها بأي شكل من الاشكال؟
لو افترضنا ان دولة أخرى تمارس الممارسات التي يتبعها النظام التركي بحق العراق في الوقت الحالي، لرأينا ردود فعل وإدانات على المستويين السياسي والشعبي، وسنرى التهم المعلبة حاضرة بمجر الإفصاح عنها وتحميل هذه الجهات مسؤولية وصول البلد الى هذه المرحلة.
وقد مررنا بمثل هذه التجارب في السنوات الماضية كثيرا ويكفي العودة قليلا الى الأرشيف المأساوي وتتبع الحالات المماثلة، لكن يبقى السؤال الأبرز والاهم، لماذا الجمهور الذي يؤمن بالسياسية الخارجية في البلد ويجد من الضرورة تقوية العلاقة معها فضل السكوت عما يدور على المسرح العراقي من اعمال مسرحية لا يمكن معرفة غاياتها وأهدافها؟
اغلب أزمات العراق هي بسبب التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للبلد، وعلى الرغم من ان هذه التدخلات جاءت وبنسبة كبيرة منها بطلب عراقي ومن أطراف لاعبة ومؤثرة في المشهد السياسي.
ولان الموضوع لا يمس دولة بعينها دون اخرى ولو من بعيد شاهدنا الجماهير التي جلدت بعض دول الجوار في السنوات الماضية، ساكتة عن التمادي التركي وهو بالمناسبة ليس الأول ولا سيكون الأخير، طالما يوجد في البلاد من ينتمي في الفكر والعقيدة والولاء الى الخارج، فالسكوت على القصف التركي، وان كان الجميع يعترف بأنه خرق دولي ولا يجوز ان يحدث، لكنه طالما ليس من دولة أخرى يجوز السكوت عليه.
تركيا كغيرها من الدول التي ترى في العراق فريسة يجب ان تسرع باستقطاع جزء منه، وترى هي ان لها المسوغ بكل ذلك مقابل التدخلات الخارجية فيه، بغض النظر عن حجم هذا التدخل والاهداف الرئيسية له، ومع ذلك ليس من المنطق ان تتعامل تركيا مع العراق وفق هذا المبدأ، والعراق لا يزال يعاني الاستنزاف في الخيرات والأموال جراء التدخلات الخارجية.
وكما في المرات السابقة فان الموقف الدولي من ذلك ضعيف لا يرتقي لحجم الكارثة السياسية على المستوى الاقليمي الحاصلة في المنطقة، فلو افترضنا ان القصف جاء من صوب الأطراف الموالية لإيران على دولة خليجية كأن تكون الامارات او المملكة العربية السعودية، فبماذا ستصرح أمريكا وما هو الموقف الدولي من ذلك؟
بالتأكيد ستكون التنديدات على شكل قائمة لتسجيل الحضور في وليمة دولية، وسترى بعض الاستنكارات بلغة عالية تصل الى التلميح بالتدخل المباشر ووقف هذا القصف، وقد يصل الحال الى تقديم عروض بتزويد الأسلحة المضادة لخلق التوازن الردعي وانهاء حالة الفوضى التي اوجدتها تركيا نتيجة القصف المباشر لبعض المواقع العراقية.
ولا يختلف الموقف العراقي الرسمي الهزيل إزاء الاعتداءات المتوالية، فالحكومة العراقية تشجب وتستنكر وتصرح، ويذهب كل ذلك الى أرشيف المواقف المخجلة الذي ملأ الذاكرة العراقية، ولم يحرك ساكنا، فالتعاطي الحكومي مع الاحداث المشابهة والاعتداءات الحاصلة يخضع لمسألة الولاء والتخادم المصلحي، اذ توجد جهات متنفذة سياسيا في العراق تمثل تركيا لها القبلة وموطن الحلول للكثير من النزاعات الداخلية.
كان متوقعا ان يتحد الرأي العام مع الموقف السياسي العراقي ضد الاعتداء التركي الذي مسح كرامة الوطن في الأرض، وبالتالي تحريك المجتمع الدولي عبر خلق رأي عام موحد إزاء الخروقات الحالية، لكن المواقف مخيبة للآمال والشعور بالوطنية صار من الأشياء المعيبة، فلا يحق لاحد ان يعبر او يستنكر ولو حصل ذلك يبقى يدور في دائرة الافراد الذين يحلمون بوطن قوي ذو سيادة ويحكمه القانون.
اضف تعليق