الجدل السياسي العراقي يمكن اختصاره بتقديس الذات ممثلة بالحزب ومواقفه، وشيطنة الآخر ممثلاً بالأحزاب المنافسة، بدون الخضوع للنقد والنقاشات المنطقية، إنها حالة من التطرف السياسي التي تسود المشهد العراقي تغذيها قلة الخبرة في مسألة الحكم وتداول السلطة، بالإضافة إلى ضعف ملكة النقد وصعوبة فهم السياسة في ظل الحكم الديمقراطي وغياب المبادئ لدى الأحزاب وشيوع المصالح الآنية...
ثماني سنوات هي المدة الفاصلة بين مغادرة أمير عشائر الدليم في العراق الشيخ علي حاتم سليمان وإعلان عودته إلى بغداد يوم الأربعاء 20 أبريل الجاري، ليثير عاصفة من الجدل والاتهامات والحديث عن المؤامرات والمصالحات السياسية.
سبب مغادرته العراق جاء إثر صدور مذكرة اعتقال بحقه واتهامه بالإرهاب، حيث كان داعماً مباشراً للتظاهرات التي انطلقت في الأنبار قبل اجتياح داعش للمحافظات السنية.
كما كان السليمان خصماً لدوداً لرئيس الوزراء الأسبق السيد نوري المالكي، وهذا الأخير كان خصماً أيضاً لبعض القيادات السنية أبرزهم رافع العيساوي وطارق الهاشمي وخميس الخنجر.
المفاجأة في عودة علي حاتم سليمان أنه لم يعود إلى الأنبار حيث أهله وأفراد عشيرته، إنما عاد لأخطر منطقة بالنسبة له، وقد تمثل تهديداً فعلياً لحياته، إنها العاصمة بغداد التي رفع شعار "قادمون يا بغداد"، من أجل طرد المالكي والأحزاب الشيعية منها ومن ثمة الاستيلاء على الحكم.
وبما أن المالكي والجماعات القريبة من خطه ما تزال قوية يصعب تقبل عودة السليمان إلى بغداد، وكان متوقعاً عودته إلى الأنبار ومن هناك يوجه هجماته ضد خصومه القدماء، لكن العكس هو الذي حصل.
لم يوجه أي رسالة ضد خصومه السابقين، بل هدد الجهات التي تقف ضد المالكي حالياً، لهذا السبب اتعبرت عودته مفاجأة، كما أثيرت اتهامات للسيد المالكي بتسهيل عودة سليمان من أجل ضرب رئيس مجلس النواب السيد محمد الحلبوسي.
كتب علي حاتم سليمان تغريدة هدد فيها الحلبوسي بقوله: بعدما عانت الأنبار من مشاريع التطرف والارهاب وتحولت الى مرحلة الهيمنة والديكتاتورية وتكميم الافواه والفساد نعلنها من بغداد أن هذه الأفعال ستواجه بردة فعل لن يتوقعها أصحاب مشاريع التطبيع والتقسيم ومن سرق حقوق المكون وعلى من يدعي الزعامة أن يفهم هذه هي الفرصة الأخيرة".
تحول يعيد للأذهان انقلاب الحملات ضد خميس الخنجر قبل انتخابات عام 2008، من قبل الأحزاب والقوى الشيعية المنضوية تحت لواء تحالف الفتح مع ائتلاف دولة القانون بزعامة السيد المالكي.
فقد كان الخنجر هو الداعم للإرهاب كما هو حال علي حاتم سليمان، بحسب الخطاب الإعلامي والسياسي للقوى الشيعية التي تناصر الحشد الشعبي، لكن بعد الانتخابات ونتيجة لحسابات سياسية معينة، تحول الخنجر من عدو لدود إلى صديق حميم اجتمع مع السيد هادي العامري ونوري المالكي وعدد من الزعماء الشيعية.
وتشبه صدمة عودة علي حاتم سليمان، صدمة تحول الخنجر، لذلك توجهت أصابه الاتهام إلى السيد المالكي والعامري بتسهيل أو غض الطرف عن عودة سليمان، لأنهم وبحسب الخطاب الشعبي العام يريدون استخدام الشيخ علي حاتم لمحاصرة تحالف انقاذ وطن ولا سيما رئيس ائتلاف تقدم السيد محمد الحلبوسي.
لقد وضعت عودة الخنجر السابقة جمهور الأحزاب في وضع محرج للغاية، لأنهم تعودوا على الدفاع المستميت عن قرارات الأحزاب المهيمنة في العراق، وفجألة طلب منهم السكوت أو التسويق لخطاب مغاير تماماً لخطابها السابق، على اعتبار أن جماهير الأحزاب لا تمانع في تقديس زعمائها ومتى ما اتخذوا موقفاً فالواجب الطبيعي هو التسويق لهذا الموقف، بدون مناقشة أو عرضه على مسرح النقد.
وفي الاتجاه المعاكس تتعرض مواقف الأحزاب المنافسة إلى التجريح والنقد والخضوع لتفسيرات مختلفة كلها تصب في تسقيط الحزب وزعيمه وحتى جمهوره في أحيان كثيرة.
الجدل السياسي العراقي يمكن اختصاره بتقديس الذات ممثلة بالحزب ومواقفه، وشيطنة الآخر ممثلاً بالأحزاب المنافسة، بدون الخضوع للنقد والنقاشات المنطقية.
إنها حالة من التطرف السياسي التي تسود المشهد العراقي تغذيها قلة الخبرة في مسألة الحكم وتداول السلطة، بالإضافة إلى ضعف ملكة النقد وصعوبة فهم السياسة في ظل الحكم الديمقراطي وغياب المبادئ لدى الأحزاب وشيوع المصالح الآنية على حساب الخطط الاستراتيجية.
لكن حالة خميس الخنجر وعلي حاتم سليمان تضع الجمهور المتطرف الذي يقدس سياسات الأحزاب على المحك، وقد يدفعهم إلى مراجعة أساليبهم في التعاطي مع قرارات زعماء الأحزاب، أو على الأقل هذا ما يفترض أن يقوموا به حتى لا يتعرضوا للإحراج مرة أخرى.
اضف تعليق