يتوقف الاصلاح السياسي، اذاً، على قدرة المجتمع العراقي على الخروج من حالة النظام الهجين. ويمكن ان يتحقق هذا مرحليا اما باعتماد نموذج دولة المكونات او نموذج دولة المواطنة بمحتوى حضاري حديث، وبشرط ان يتولى الامر نخبة سياسية بديلة تؤمن بالديموقراطية والدولة الحضارية الحديثة...

اولا، يجب التمييز بين الدولة والحكومة. الدولة مركب كلي مؤلف من الشعب والارض والحكومة. فالحكومة أحد مفردات الدولة وليست الدولة كلها. الحكومة هي الجهاز التنفيذي للدولة، كما ان البرلمان هو الجهاز التشريعي والرقابي لها. هذا المقال يتحدث عن الحكومة وليس عن الدولة.

اما النظام السياسي فهو مصطلح أكثر تعقيدا ويُشغل شرحه صفحات عديدة في كتب العلوم السياسية. وسوف اكتفي عنها بما ذكره الفرنسي فيليب برو في كتابه "علم الاجتماع السياسي" عن دفيد ايستون قوله ان النظام السياسي هو مجموع التفاعلات التي توزع بواسطتها المواد ذات القيمة عن طريق السلطة. وهذه التفاعلات تشمل السلطات العامة والاحزاب ومجموع العمليات المتعلقة بادارة الدولة والمجتمع والقواعد التي تحكمها.

وتعرف المجتمعات انواعا عدة من الانظمة السياسية كالنظام الديمقراطي والنظام الدكتاتوري وغيرهما. وعادة ما يعبر النظام السياسي عن نفسه عن طريق الدستور والقوانين ذات العلاقة.

بالنسبة للنظام السياسي في العراق، فان الدستور يصفه بانه نظام جمهوري، فيدرالي، ديمقراطي، برلماني.

لكن الواقع العملي ليس متطابقا مع هذه المفردات بشكل سليم. فعلى مستوى الممارسة هناك حالات كثيرة تشكل خروجا على المفاهيم والقواعد التي تختزنها هذه المفردات، الامر الذي جعل العديد من مراكز الدراسات تصف النظام السياسي العراقي الحالي بانه نظام هجين. والنظام الهجين يعني انه عبارة عن خلطة غير متجانسة من الانظمة والافكار والمفاهيم والممارسات. ونجد هذه الخلطة في المزج بين دولة المكونات ودولة المواطنة، وبين السلطة والدولة، وبين الديمقراطية والتوافقية، وغير ذلك.

وقد لا يدرك الناس طبيعة النظام الهجين في البداية ولا يلمسون اثاره السيئة على المواطن والمجتمع، لكن بمرور الزمن تتعاظم هذه الاثار السيئة ويتجسد حملها الثقيل على كاهل المواطن، الذي يلجأ الى مختلف الممارسات التي يتصور انه سوف تنقذه من كابوس النظام الهجين. وقد يفلح في ذلك وقد يفشل لان عملية تغيير النظام القائم ليست بالامر الهين.

وحين يلتفت القائمون على النظام الى هذه المسألة (ولدينا من ٨ الى ١٠ اشخاص تنطبق عليهم هذه الصفة) فانهم يحاولون ان يمتصوا تذمر الناس بالحديث عن اصلاحات ينبغي القيام بها. وعادة لا يطرح هؤلاء اصلاحات تتعلق بجوهر النظام وهويته الاساسية، لان مصالحهم ووعيهم السياسي وثقافتهم السياسية لا تتجاوز حدود النظام السياسي الهجين القائم.

ولهذا نلاحظ ان مضامين الدعوات الاصلاحية التي أطلقها هؤلاء الرجال لا تتعدى طريقة تشكيل الحكومة، الامر الذي أتخم الفضاء السياسي العراقي بحشد من المصطلحات السياسية المتعلقة بالحكومة مثل حكومة الشراكة الوطنية، وحكومة التوافق الوطني، وحكومة الاغلبية السياسية، وحكومة الاغلبية الوطنية، وغير ذلك.

والعبرة هنا ليس في مسميات الحكومات وعناوينها وانما في مدى صلاحية الحكومة على العمل والانتاج وخدمة المواطن وتحسين شروط حياته اليومية. وكل هذه المصطلحات والعناوين لا علاقة لها بما ذكرت لأن المشكلة ليست في العناوين وانما بطبيعة النظام السياسي وبأداء الاشخاص القائمين عليه. وقد برهنت السنوات الماضية على ان النظام الهجين لا يمكن ان ينتج حكومة صالحة، وان الحكومة لا يمكن ان تكون صالحة بدون اشخاص صالحين.

تغيير العنوان وحده لا يكفي، وكما قال لي أحد الخبراء المختصين فأننا "نحتاج إلى توصيف دقيق للدولة للخروج من الحالة الهجينة التي نعاني منها".

يتوقف الاصلاح السياسي، اذاً، على قدرة المجتمع العراقي على الخروج من حالة النظام الهجين. ويمكن ان يتحقق هذا مرحليا اما باعتماد نموذج دولة المكونات او نموذج دولة المواطنة بمحتوى حضاري حديث، وبشرط ان يتولى الامر نخبة سياسية بديلة تؤمن بالديموقراطية والدولة الحضارية الحديثة.

اما الحل على المدى البعيد فلا يمكن ان يتم الا من خلال اعتماد نموذج الدولة الحضارية الحديثة.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق