وليس ازمة غلاء الأسعار والتشظي السياسي هما الازمتين الوحيدتين في الساحة، فلا تزال ازمة الخريجين والعاطلين عن العمل تعاني الإهمال الحكومي الواضح، فلم تسن الجهات المعنية أي مواد تضمن لتلك الشرائح حياة كريمة، وتوفير قوت يومها، في الوقت الذي تشهد فيه أسعار النفط ارتفاع كبير مقارنة بالسنوات القليلة المنصرمة...
لا مجال للتفاؤل في بلد تتزايد ازماته بصورة عجيبة، وتحول الى حالة شاذة على مختلف الاصعدة، والسليم فيه أصبح غريبا، وهنالك من يضاعف ويؤجج الازمات، ويوجد آخر يخلقها من العدم؛ ليضع البلد على حافة الهاوية، وبالفعل وصل الحال الى طريق مغلق، ولا يوجد من يستفيد من الازمات المتكررة في البلد، فهل من متعظ؟
صار من المعتاد سماع الاخبار التي تعكر المزاج الشعبي يوما بعد يوم، ففي العراق الأشياء المحزنة يفوق تعدادها اضعاف الاخبار الإيجابية، فعلى سبيل المثال تقرأ كميات كبيرة من الاخبار التي تتحدث عن انهيار اقتصادي في الأشهر او السنوات القادمة، وان البلد قادم على معضلة امنية او اقتصادية اقوى بكثير من الازمات السابقات.
ومع ذلك يقابلها صمت حكومي واضح لا نعرف له مبرر، وعلى مدى الحكومات المتعاقبة لا توجد خطة واحدة قصيرة او متوسطة او بعيدة المدى للقضاء على بعض المشاكل ووضع الأساس الذي تنطلق منه نحو معركة الخدمات وتوفيرها للمواطنين، وما يحدث على العكس من ذلك تماما، ووصلت الأمور الى اسوء مما كان الافراد يتخيلون حتى ترحم الكثير على أيام النظام السابق رغم وصفه بالنظام الوحشي!
لقد تعود الجمهور الداخلي العراقي على المشاكل المزدوجة ولم تكتف الطبقة السياسية بإنتاج نوع واحد، فبينما ينشغل الرأي العام بتشكيل الحكومة وتحقيق التوافق السياسي، ظهرت الى الوجود مسألة غلاء الأسعار التي هددت الفقراء وسلبت منهم الراحة المؤقتة بالرغم من ضآلتها، ووقع الفقير في شبك الغلاء الذي لا يرحم واخذ ينهش الكيان المجتمعي.
وكجزء من الحل اتخذت الحكومة خطوة استعراضية وعقدت الاجتماعات المتكررة لتفادي تمادي التجار بوحشيتهم، وفي الحقيقية تبقى هذه الإجراءات كالسراب الذي يحسبه الظمئان ماء من شدة العطش وسرعان ما يتلاشى بمجرد الاقتراب، فالحلول الحكومية أيضا تتطاير كتطاير الكتب في الوقت الذي تكون فيه الحاجة ماسة لتطبيق قوة الدولة وسلطة القانون.
ولو نظرنا للمبلع المالي الذي اقرته الحكومة كتعويض لإصحاب الدخول المنخفضة فهو لا يمثل شيء مقابل موجة الغلاء التي ضربت الأسواق العراقية بصورة مفاجئة، وتبقى هذه الحلول كمن يعطي العقار بعد فوات الأوان، ولا تداوي الجراح العميقة التي لحقت بالمواطنين مع تنامي المؤشرات التي تؤكد وجود نقص في تزويد الحكومة لهذه المواد واقتراب شهر رمضان المبارك وحاجته المتزايدة من الأصناف الغذائية.
وليس ازمة غلاء الأسعار والتشظي السياسي هما الازمتين الوحيدتين في الساحة، فلا تزال ازمة الخريجين والعاطلين عن العمل تعاني الإهمال الحكومي الواضح، فلم تسن الجهات المعنية أي مواد تضمن لتلك الشرائح حياة كريمة، وتوفير قوت يومها، في الوقت الذي تشهد فيه أسعار النفط ارتفاع كبير مقارنة بالسنوات القليلة المنصرمة، وقد يعذرنا القارئ الكريم عند القول بأن العراق ربما البلد الوحيد الذي لم يستفد من ازماته المتكررة.
وتبقى الخطابات الصادرة من الجهات العليا تركز على مسألة هنالك جهات لا تريد لهذا البلد ان ينهض من جديد، ولا تريد للمواطن ان يعيش بترف، ولا تريد لعجلة الاقتصاد ان تدور، ولا تريد للأيام السوداوية ان تنقشع، وغيرها من الخطابات الخاوية، وهنا يتردد السؤال التالي، من هذه الجهات؟، ولماذا الجميع يتحدث عنها ولم نعرف هويتها لغاية الآن؟
نسمع يوميا كم هائل من الاخبار التي تؤكد التقارب السياسي بين الفرقاء وقرب انعقاد جلسة مجلس النواب والبدء في استعادة سلطة الدستور وفرضها على مجريات العمل السياسي بدءً من اختيار رئيس الجمهورية والانتقال الى المرحلة الثانية المتمثلة بتكليف رئيس الحكومة ومنح الأخير الفرصة لتشكيل حكومته للشروع بعملية انهاء الفوضى العارمة التي تفشت في مؤسسات الدولة برمتها.
لكن في والمقابل أيضا يتناهى الى مسامعنا بأن هنالك مكونات وجهات برلمانية تعيش في الزمن السحيق القائم على الابتزاز السياسي والمقايضات القائمة في السابق بين الكتل السياسية، وهي الى الآن تضع شروطها التعجيزية لتمرير صفقة ما، والحصول على مزية ما، دونما الاستفادة من التجارب المنتهية وتشذيبها لوضع ملامح المرحلة الجديدة التي تنتظرها الملايين ممن ذاقت الألم نتيجة الازمات المزمنة.
اضف تعليق