بعد الانتخابات الأخيرة ظهرت لنا كتل سياسية تمثل التيار المضاد لتماسيح السياسة المتهمة بتدمير الدولة، فضلاً عن العدد غير القليل من المستقلين حيث عقدت الآمال على إحداث التغيير، لحد هذه اللحظة لم نشاهد أي تأثير لتيار تشرين والمستقلين، فهم ما يزالون يقفون على الشاطئ يقذفون حجرة في الماء...
ينسب لألبرت اينشتاين أنه قال: لا نستطيع حل المشاكل المستعصية بنفس العقلية التي أوجدتها، فالجنون (وقيل الغباء) هو أن تفعل نفس الشيء مرة بعد أخرى وتتوقع نتائج مختلفة.
نفس المقولة كتبت على فيلم قصير لا يتجاوز دقيقة واحدة، تروي قصته محاولة مجموعة من الثيران عبور أحد الأنهار، يتقدم قائد المجموعة لاستطلاع الأخطار، يجد جسماً غريباً، جزء منه طافياً وجزء تحت الماء.
يشك بأنه تمساح فيتوقف عن المسير.
يقول له رفيقه أنه عمود خشب كبير.
يدفعه إلى لمسه، لكن بحذر عبر رمي حجارة على ظهر الجسم.
يؤكد عليه صاحبه مجدداً أنه عمود خشب.
يرد قائد الثيران بأن الجسم عبارة عن تمساح.
لكنه رغم شكه بالتمساح يمسك غصن شجر صغير ويلمس الجسم، ويتأكد بأنه تمساح.
يعيد صاحبه التأكيد بأنه مجرد عمود خشب.
يخاطر قائد الثيران بحياته فيقف على الجسم ليتأكد هل هو تمساح أم عمود خشب!
فجأة يسحبه التمساح نحو الماء وينهي حياته إلى الأبد.
في النهاية يقتنع الثور الآخر بأن شكوك قائد الثيران كانت صحيحة، لكن بعد فوات الأوان، وضياع فرصة التعرف على الخطر قبل حدوثه.
ذلك هو مصير من لا يملك خطة لفهم الأخطار التي قد تعترضه في مسارات حياته ونطاق عمله ووظيفته.
قد يوصف سلوك كهذا بالغباء أو سوء الفهم، أو أي شيء له علاقة بالفشل في فهم البيئة المحيطة وأخطارها.
ومن السهل توصيف العملية السياسية في العراق بذلك النهر الكبير الذي تسبح فيه التماسيح المفترسة، ومن الطبيعي مشاهدة تلك التماسيح السياسية أن تلتهم من تجده خطراً على حياتها لا سيما إذا كان ساذجاً وغير واعٍ لحجم المخاطرة التي يعيشها.
بعد الانتخابات الأخيرة ظهرت لنا كتل سياسية تمثل التيار المضاد لتماسيح السياسة المتهمة بتدمير الدولة، فضلاً عن العدد غير القليل من المستقلين حيث عقدت الآمال على إحداث التغيير.
لحد هذه اللحظة لم نشاهد أي تأثير لتيار تشرين والمستقلين، فهم ما يزالون يقفون على الشاطئ يقذفون حجرة في الماء، ويستخدمون غصن شجرة يتلمسون الأجسام المسيطرة على نهر السياسة لعلهم يفهمون إن كانت هذه الأجسام جذع شجرة كبير يساعدهم في العبور إلى الضفة الأخرى، أم إنها تمساح كبير يلتهم من يلمس سطح الماء.
صحيح أن تجربة تيارات تشرين والمستقلين ما زالت مبكرة، ومن الصعب الحكم عليها لكن طريقتها في تلمس الأشياء المحيطة بها من أحزاب وحركات سياسية قديمة متهمة بتخريب الوضع السياسي تعطي تصوراً عاماً بطريقتها في فهم البيئة السياسية العراقية، وهي طريقة عليها علامات استفهام.
قامت تيارات تشرين والمستقلين بتقليد الأحزاب القديمة، من حيث الاستعراض السياسي في الجلسة الأولى للبرلمان الذي واجه انتقادات واسعة من نفس الناخبين التشرينيين والمستقلين.
الوقوف على التل والصمت إزاء تأخير عملية تشكيل الحكومة بدون اتخاذ موقف سياسي حازم يجعل المستقلين في وضع أضعف من أن يكونوا أداة تغيير للواقع السياسي الراهن.
وتبقى السلبية الأكبر على المستقلين هي الغموض بشأن مشاركتهم من عدمها في دعم كتل وشخصيات عليها ملاحظات كثيرة.
من الضروري أن تكون الشخصيات المستقلة أكثر وضوحاً أمام جمهورها، فهم الأمل الأخير باستعادة الثقة بين الشعب والمنظومة الحاكمة عبر الرقابة البرلمانية وضبط الإيقاع السياسي في البلاد.
وإذا ما وجد المستقلون أنفسهم أقلية فليكونوا أكثرية بجرأتهم في التحرك ومراقبة واقع البلد وطريقة إدارته التي تعتريها شبهات يعرفها الجميع.
ليتوقفوا عن لمس تماسيح السياسة بغصن شجرة ناعم، وليصموا آذانهم عن رفاقهم الذين يقولون بأن التمساح مجرد جذع خشب.
لا. إنها تماسيح جائعة تلتهم من يقترب منها، والمرحلة الراهنة مفصلية وتحتاج إلى جهد مضاعف حتى لا ينطبق على المستقلين توصيف الجنون أو الغباء بسبب تكرار نفس أساليب السابقين طالبين الحصول على نتائج أفضل.
اضف تعليق