هناك عدد لا يحصى من المظالم التي توحد المحتجين. إذ يبدو واضحا أن قيود فيروس كورونا التي فرضتها الحكومة من جديد سببت إرهاقاً وسخطا واسعَي النطاق. وكان هذا واضحًا في أوروبا في أواخر عام 2021، عندما أدت عمليات الإغلاق وفرض قيود جديدة بسبب انتشار (أومكرون) إلى مظاهرات...
بقلم: نغير وودز
أكسفوردـ أربك سائقو الشاحنات العدوانيين حكومات عديدة في الأسابيع الأخيرة. إذ في كندا، أغلقوا جسور العبور إلى الولايات المتحدة، وحاصروا العاصمة أوتاوا. أما في العاصمة النيوزيلندية، ويلينغتون، فقد أغلق نظراؤهم وفئات أخرى من المتظاهرين ممن ألهمهم المحتجون في كندا، الساحة المقابلة لبرلمان البلاد، والعديد من شوارع المدينة. ومنذ ذلك الحين، امتدت هذه الموجة الجديدة من احتجاجات "قافلة الحرية"، التي أججتها في البداية معارضة قيود فيروس كورونا، إلى فرنسا، وأستراليا، والولايات المتحدة.
واستجابت الحكومات ووكالات إنفاذ القانون لتلك الاحتجاجات بمجموعة من الأساليب، إلا أنه ثَبت أن إنهاءها أمر صعب. إذ في أوتاوا، وصف رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو سائقي الشاحنات، في بداية الأمر، بأنهم أقلية هامشية. ولكن استطلاعاً للرأي أفاد بأن ثلث الكنديين دعموا المتظاهرين، حتى عندما كانوا يثيرون الفوضى لسكان أوتاوا، وللمصانع على جانبي الحدود بين الولايات المتحدة وكندا.
وجربت شرطة أوتاوا استراتيجية "الاندفاع والاحتواء"، واعتقلت عددًا قليلاً من الأشخاص، وأصدرت تذاكر وإخطارات مرورية، وصادرت الوقود الذي كان ينقل إلى سائقي الشاحنات. وقال قائد شرطة المدينة أن هذا النهج قلل إلى حد كبير من عدد الشاحنات والمتظاهرين. ولكنه لم يكن ناجحا بما يكفي. إذ في 6 فبراير/شباط، أعلن رئيس بلدية أوتاوا عن حالة طوارئ، وبأمر من المحكمة بدأت الشرطة بعد ذلك عملية إخلاء جسر السفير الرابط بين أونتاريو والولايات المتحدة. ولكن الاحتجاجات استمرت، وفي 15 فبراير/شباط استقال قائد الشرطة من منصبه.
وفي ويلينغتون، كما في أوتاوا، سُمح للمتظاهرين بإبداء آرائهم في البداية. ولكن بعد أسبوع من الاضطرابات المتنامية، اتخذت السلطات إجراءات مختلفة في محاولة لتفريق المحتجين. إذ استخدم رئيس مجلس النواب رشاشات المياه في الحديقة التي تجمع فيها المتظاهرون، ثم قام بتشغيل أغاني (باري مانيلو) وأغنية (ماكارينا) لمدة 15 دقيقة. إلا أن العديد من المتظاهرين لم يغادروا مكان الاحتجاجات.
واتبعت السلطات الفرنسية نهجًا أقوى من نظيره في نيوزيلندا، حيث منعت Convoi de la Liberté (قافلة الحرية) في باريس. وفي 11 فبراير/شباط، نشرت الشرطة أكثر من 7000 ضابط في أكشاك دفع رسوم المرور والمواقع الرئيسية الأخرى في جميع أنحاء المدينة، كما استخدمت الجرافات وخراطيم المياه لكسر الحصار المحتمل. وبحلول اليوم التالي، فرضت غرامات على 337 شخصًا واعتقلت عشرات آخرين. ولكن لعبة القط والفأر لازالت مستمرة بين المتظاهرين والشرطة.
وهناك ثلاث عوامل تجعل إدارة الاحتجاجات الحالية أمراً صعباً بصورة خاصة.
أولاً، هناك عدد لا يحصى من المظالم التي توحد المحتجين. إذ يبدو واضحا أن قيود فيروس كورونا التي فرضتها الحكومة من جديد سببت إرهاقاً وسخطا واسعَي النطاق. وكان هذا واضحًا في أوروبا في أواخر عام 2021، عندما أدت عمليات الإغلاق وفرض قيود جديدة بسبب انتشار متغير Omicron (أومكرون) إلى مظاهرات اندلعت فورا وعلى نطاق واسع في بلجيكا، وهولندا، والنمسا، وكرواتيا، وإيطاليا. ولكن الاحتجاجات الحالية المستوحاة من سائقي الشاحنات سرعان ما تضاعفت لتشمل مجموعات لديها عدد كبير من الشكاوى والمطالب.
واندلعت الاحتجاجات في كندا بسبب تفويض حكومي جديد يطالب سائقي الشاحنات غير الملقحين بالالتزام بالحجر الصحي بعد عودتهم من الولايات المتحدة. وفي غضون أيام، انضمت مجموعة متنوعة من الجماعات السياسية إلى سائقي الشاحنات، وتلقوا تشجيعا من بعض الأحزاب المعارضة. كذلك، في نيوزيلندا، سرعان ما توسع الاحتجاج الذي بدأ بمظاهرات ضد تفويضات اللقاح ليشمل سائقي الشاحنات، وتحالف الحريات والحقوق للزعيم المسيحي الأصولي بريان تاماكي، وقناة نظرية المؤامرة التي تنشط على الإنترنت، وحمل المحتجون لافتات تُسلط الضوء على مجموعة من القضايا، بما في ذلك كوفيد-19، والرقابة، وحقوق السكان الأصليين.
والسمة الثانية للاحتجاجات الحالية هي الإلهام والدعم الذي تتلقاه من الخارج. وللمفارقة، فإن القوميين المناهضين للعولمة يشجعون الحركات في البلدان الأخرى. وبالفعل، في عام 2021، كانت الجماعات اليمينية الأمريكية تؤجج الاحتجاجات ضد اللقاحات في أستراليا. ولا يتحلى السياسيون الأمريكيون، بمن فيهم الرئيس السابق دونالد ترامب، والسناتور الأمريكي تيد كروز من تكساس، وممثلة الولايات المتحدة من ولاية جورجيا، مارجوري تايلور غرين، بضبط النفس في حث المتظاهرين في أماكن أخرى.
إن الاحتجاجات تمول على المستوى العالمي أيضًا. إذ حولت منصة التمويل الجماعي (GoFundMe) مليون دولار كندي (787000 دولار) إلى المحتجين الكنديين قبل أن توقف المدفوعات وتعيد التبرعات إلى دافعيها بعد تقارير للشرطة اتهمتها بالعنف. وبحسب ما ورد، جمع موقع GiveSendGo، وهو موقع تمويل جماعي مسيحي أمريكي، أكثر من 8 ملايين دولار للمتظاهرين، ويصر على أنه سيوزع الأموال على الرغم من أن أمر محكمة كندية يمنعه من القيام بذلك.
وأثار ترودو مخاوف من أن يجتاح المتصلون من الولايات المتحدة خطوط الهاتف الخاصة بحالات الطوارئ في أوتاوا، ومن وجود مواطنين أمريكيين في منطقة الحصار. وفي نيوزيلندا، حيث يرفع المحتجون علم كندا وأعلام ترامب أمام البرلمان، وصفت رئيسة الوزراء، جاسيندا أرديرن، المظاهرات المناهضة للقاحات بأنها ظاهرة "مستوردة" غير مسبوقة.
والعامل الأخير الذي يعقد الأمور هو أن افتقار الاحتجاجات إلى قيادة أو تنظيم واضحين يترك الحكومات والشرطة بلا شركاء في التفاوض. إذ شجب اتحاد "Teamsters" (تيمتسترز) الذي يمثل 15000 من سائقي شاحنات المسافات الطويلة في كندا، حصار أوتاوا. ووسط المشاهد الفوضوية التي شهدتها مدينة ويلينغتون، ورد أن تحالف "تاماكي" انسحب من الاحتجاجات عندما رأى أنصار تفوق العرق البيض ينضمون إلى صفوفها، لكنهم عادوا إليها بعد ذلك.
وعلى الرغم من هذه العقبات، فإن بعض الدروس حول إدارة الصراع تستحق التطبيق. في بادئ ذي بدء، من الأفضل للقادة المدنيين أن يتجنبوا تحديد القضايا المطروحة على المحك بأسلوب متطرف. إذ يمكن القول أن مارك كارني، المحافظ السابق لبنك كندا وبنك إنجلترا، مذنب في ذلك عندما كتب مؤخرا في تعليق صادق أن "أهداف قيادة ما يسمى بقافلة الحرية كانت واضحة منذ البداية: إزاحة الحكومة التي انتخبها الكنديون قبل أقل من ستة أشهر".
ويجب أن تركز السلطات، بدلاً من ذلك، على الأهداف الضيقة التي يتشارك فيها المتظاهرون، مثل تلك المتعلقة بجوانب محددة لتفويضات كوفيد-19. ومن هذا المنطلق، ينبغي أن تبحث عن المتظاهرين الذين يدافعون عن هذه القضايا وأن تسعى للتحاور معهم.
وختاما، وسط دعوات لاستخدام الجيش، تحتاج الحكومات إلى التفكير تكتيكيًا واستراتيجيًا بشأن كيفية دعم سيادة القانون. ولا ينبغي استخدام الجيش. والأحرى، يجب أن يستعين المسؤولون بدليل القواعد الذي استخدمته المملكة المتحدة للتصدي للاحتجاجات العنيفة في عام 2011: إذ ظلت المحاكم مفتوحة على مدار 24 ساعة في اليوم حتى تتمكن الشرطة من تنفيذ القانون بشأن كل مخالفة في الوقت الفعلي. ومن الناحية التكتيكية، تم ردع المتظاهرين الانتهازيين. أما من الناحية الاستراتيجية، فقد عُزز الدعم الشعبي لسيادة القانون.
اضف تعليق