تختص المحكمة الاتحادية العليا، بموجب المادة ٩٣/ ثانيا من الدستور بـ"تفسير نصوص الدستور". والتفسير هو البيان. وحسب لسان العرب هو "كشف المُغَطّى" و"كَشف المُراد عن اللفظ المُشْكل". والغطاء المانع من فهم النص اما غموض في النص ذاته، او قصور في قابلية المتلقي على الفهم...

تختص المحكمة الاتحادية العليا، بموجب المادة ٩٣/ ثانيا من الدستور بـ"تفسير نصوص الدستور". والتفسير هو البيان. وحسب لسان العرب هو "كشف المُغَطّى" و"كَشف المُراد عن اللفظ المُشْكل". والغطاء المانع من فهم النص اما غموض في النص ذاته، او قصور في قابلية المتلقي على الفهم.

وقد تكررت حالات لجوء الطبقة السياسية الى المحكمة الاتحادية لتفسير نصوص من الدستور بعد ان يختلف السياسيون في فهم مرادها. وبالعودة الى النصوص التي طلب السياسيون من المحكمة الاتحادية تفسيرها يتضح ان الارجح في عدم الفهم ليس الغموض في النص وانما القصور في الفهم.

وعلى سبيل المثال فان اخر حالات لجوء السياسيين الى المحكمة الاتحادية تعلقت بتفسير المادة (70/ اولا) التي تقول: "ينتخب مجلس النواب من بين المرشحين رئيساً للجمهورية، بأغلبية ثلثي عدد اعضائه.". ونقطة عدم الفهم هنا كانت في حساب نصاب الجلسة الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية، وهل تنطبق عليها المادة المادة (59/ اولا) التي تقول: "يتحقق نصاب انعقاد جلسات مجلس النواب بحضور الاغلبية المطلقة لعدد اعضائه." واختلف السياسيون في العدد المطلوب لانعقاد النصاب في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية.

والواضح من نصوص الدستور وضوحا لا يستلزم العودة الى المحكمة الاتحادية هو ان الدستور يميز بين القاعدة العامة لانعقاد النصاب وبين حالات خاصة. ففي حالة القاعدة العامة ينعقد النصاب "بحضور الاغلبية المطلقة لعدد اعضائه"، وهذا يعني نصف العدد الكلي للاعضاء زائد واحد. فاذا كان العدد الكلي للاعضاء هو ٣٢٩ فان النصاب في الحالات العامة يتحقق بحضور ١٦٦ نائبا. وهذا ينطبق على كل جلسات مجلس النواب ماعدا تلك التي استثناها الدستور. ومن هذه الحالات المستثناة جلسة انتخاب رئيس الجمهورية. فقد نص الدستور كما مر في المادة ٧٠ على ان انتخاب رئيس الجمهورية يتم "باغلبية ثلثي عدد اعضائه"، اي ٢٢٠ صوتا.

ولما كان القرار يتطلب موافقة هذا العدد من النواب، فان حضور هذا العدد في هذه الجلسة الخاصة اصبح لازما، و هذا هو نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية. والامر واضح ولا يحتاج الى الذهاب الى المحكمة الاتحادية.

والانكى من ذلك ان بعض المحللين ربط هذا العدد بالمادة (76/ اولا) التي تقول: "يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الكتلة النيابية الاكثر عدداً، بتشكيل مجلس الوزراء"، وقالوا ان "الكتلة النيابية الاكثر عددا" يجب ان تتألف من ٢٢٠ نائبا. وهذا غير صحيح ولا يوجد ربط بين العدد المطلوب للكتلة النيابية الاكثر عددا وبين العدد المطلوب لانتخاب رئيس الجمهورية. فنحن نحتاج الى "الكتلة النيابية الاكثر عددا" لغرض تحديد من له حق ترشيح رئيس الوزراء، ولا نحتاج اليها في ترشيح رئيس الجمهورية الذي هو حسب الدستور ترشيح فردي، بمعنى انه يستطيع اي فرد ان يرشح نفسه لمنصب رئيس الجمهورية، فيما لا يمكن ذلك بالنسبة لمنصب رئيس مجلس الوزراء.

ويذكرني هذا بالخلاف الذي نشأ بين السياسيين في عام ٢٠١٠ حول معنى عبارة "الكتلة النيابية الاكثر عددا". فالذي يفهمه القاريء من هذه العبارة انها تشير الى "الكتلة" المتشكلة في مجلس النواب، بعد اعلان نتائج الانتخابات، وليس "القائمة الانتخابية"، لأن المشرّع لو كان يقصد الثانية لذكرها بالاسم، لكنه ارتأى الانتقال الى مفردة اخرى لارادة معنى جديد مغاير. وبعد ان حكمت المحكمة الاتحادية بتفسير هذه العبارة بانها الكتلة المتشكلة بعد الانتخابات، اختلف السياسيون في زمان التشكيل والية الاشهار.

والواضح ان زمان التشكيل هو بعد اداء المرشحين الفائزين القسم، لانهم بدون اداء القسم لا يتحولون الى نواب، بدليل انه لا تصرف لهم المستحقات المالية ما لم يؤدوا القسم. وتشكيل الكتلة النيابية الاكثر عددا يمكن ان يتم في اي وقت. فهذه حالة متحركة ولا معنى لربطها بالجلسة الاولى، ولا معنى للنقاش والخلاف حول ذلك، لان "الكتلة النيابية الاكثر عددا" حالة موضوعية قابلة للتحول في مجلس النواب.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق