q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

ماهي القيادة، وكيف تنجح في جمع القلوب المتنافرة؟

قراءة في بعض معاني الخطبة الفدكية للسيدة فاطمة الزهراء (ع)

الفكر الصحيح هو الذي يؤدي إلى نتائج جيدة، فالقيادة بالهداية تعني الاهتداء هداية الناس إلى الهدف الصحيح، وهذا هو هدف أئمة أهل البيت يقودون الناس إلى الواقع الصحيح وليس إلى الأوهام أو الواقع الوهمي، عندما لا تكون القيادة في عبادة الله سوف تكون العبادة للطاغوت والحاكم المستعبِد...

(الإمام: الأمين الرفيق، والوالد الشفيق، والأخ الشقيق، ومفزع العباد في الداهية)

الامام الرضا (ع)

تحدثنا في الموضوع السابق عن بعض اهداف ومعاني الخطبة الفدكية للسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وكيف أنها ذات مفاهيم عميقة ودلالات كبيرة تمتد من الماضي إلى الحاضر وإلى المستقبل القريب والبعيد، وتحدّد عملية المناهج ومن يقودها، فلكي يكون المنهج صحيحا والمسيرة سالكة لابد أن يكون القائد لهذا المنهج قديرا وسليما ودليلا هاديا حتى يوصل الناس (كربّان السفينة) إلى المقصد وإلى الهدف المطلوب.

وجوهر وأساس الخطبة هو هذا المفهوم، ونعني به القيادة الصالحة، وقضية الانحراف الذي يحصل بالاتجاه المضاد.

القائد العابد

وقد طرحنا القيادة وأنواعها، وكان المقصود هو القيادة بالمعني الإيجابي، وكان النوع الأول هو القيادة بالهداية، فوظيفة القائد أن يهدي الناس ويقودهم نحو الهدف المطلوب بصلاح وسلامة وأمن ونجاح، والقائد الذي لايوصل اتباعه الى الأهداف المطلوبة فهو فاشل لأنه لم يعمل بالقواعد والموازين الواقعية، فأغلب الزعماء لايمكن تسميتهم قيادات لأن القائد الحقيقي هو الذي يوصل الناس إلى الهدف، باتباع السبل الصحيحة وليس بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة، أما الزعماء المنتفعون الانتهازيون فبعضهم يهدف إلى مصالحه الخاصة، وبعضهم لديه انحراف فكري وعقائدي فيتخذ المنهج السقيم فيقودون الناس إلى كوارث كبيرة وانهيارات، لأن الفكر المعيب يؤدي تكون دائما نهاياته سيئة ولو بعد حين.

الفكر الصحيح هو الذي يؤدي إلى نتائج جيدة، فالقيادة بالهداية تعني الاهتداء وهداية الناس إلى الهدف الصحيح، وهذا هو هدف أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، يقودون الناس إلى الهدف الحقيقي وإلى الواقع الصحيح وليس إلى الأوهام أو الواقع الوهمي، (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) الأنبياء 73.

عندما لا تكون القيادة في عبادة الله لا يكون الناس في عبادة الله، سوف تكون العبادة للطاغوت والحاكم المستعبِد، وهؤلاء ليسوا قادة، وإنما هم يحاولون الاستفادة من وجودهم بالسلطة واستخدام قوتهم لاستغلال الناس والهيمنة عليهم.

النوع الثاني للقيادة، هو القيادة بالنموذج، فالإنسان لكي يصدق أن هذا الشيء صحيح لابد أن يوجد أمامه نموذج واضح وصالح يهتدي به، (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)، ودخل الناس في دين الله أفواجا لكون الرسول (صلى الله عليه وآله) كان نموذجا عظيما لهم، فاتبعوه بعد أن وجدوا فيه الصلاح والأمانة والصدق والأخلاق العظيمة.

إن القائد الذي يتبعه الناس بالقوة والقسر سوف يتركونه في نصف الطريق، لأنهم يعرفون بأنه كاذب كونه استخدم معهم القوة والإكراه، لكن حين يكون اتباع القائد بالقناعة والإيمان بهذا النموذج الحاكم، فالناس يسيرون وراءه، لأنه عرفوا بأنه صادق، والناس يعرفون كل القيم الصادقة والصحيحة، فيعرفون هل هذا القائد صادق أم كاذب، أمين أم أو خائن.

القيادة الرحيمة

النوع الثالث القيادة الرحيمة، أو القيادة بالرحمة يقول الله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) آل عمران 159.

إن القيادة بالرحمة تقود إلى حياة ناعمة سليمة ليس فيها شدة ولا عنف ولا قسوة، والحكام الذين يحكمون بالقوة يحكمون بلا رحمة، وإذا كان يحكم بلا رحمة يبقى بلا عدل ولا إنصاف، ولا توازن، فيحدث اختلال كامل، لكن الرحمة تحقق التوازن، والقائد الرحيم يخط بالاعتدال المسيرة نحو الارتقاء، (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا).

الرحمة تؤطر الكون كله لذلك كل سلوك لابد ان ينبثق منها واللين هو أفضل سلوك انساني لان القسوة تسبب نفور الناس، لذلك (ولو كنت فظا غليظ القلب) أي قلب ممتلئ بالقسوة لا مشاعر فيه (لانفضوا من حولك)، فالناس يحبون الإنسان الرحيم طيب القلب، فيجتمعون حوله، أما الذي قلبه متحجر فينفضّون من حوله.

الوصول للقمة

هذه هي صفات القيادة، ومن يريد أن يأخذ دروسا في كيفية النجاح الاجتماعي والوصول للقمة، فهذه هي القواعد الحقيقية للنجاح، وليست قواعد الحكام الانتهازيين القساة، لذلك تنتهي الآية الكريمة بالعفو وهذا هو التطبيق العملي للحكم الرحيم (فاعف عنهم واستغفر لهم)، ولا تحاسب الناس بطريقة فجة وصعبة، لأن الناس دائما يأملون أن يلمسوا العفو والتسامح من القائد لكي يتفاعلوا معه لأن التفاعل ينشأ من خلال الارتباط المتواصل بين القائد والناس، فيصبح هناك تفاعل عظيم بينهما، تفاعل متواصل متراكم ومتصاعد، وحين تعفو عن الإنسان سوف يتعلم من أخطائه، وإذا لم تعفُ عنه فإن الخطأ يتحول الى عبء سلبي ويبقى ملازما له.

الإنسان يتعلم من أخطائه حين يلمس العفو ومن ثم الارشاد للطريق الصحيح، (واستغفر لهم)، ثم تنتهي الآية الكريمة بالمشورة (وشاورهم في الأمر)، ولا تكن مستبدا، لأن القائد الحقيقي لا يمكن أن يكون مستبدا ولايحكم بالقوة والإكراه، فيجب أن يحكم بالرحمة والعفو، وكيف يقنع الناس بأهدافه، وبالرحمة والغفران والاستشارة يسير باطمئنان ويقين نحو المستقبل (وإذا عزمت فتوكل على الله).

من الصفات المحمودة للقيادة النزول إلى مستوى الناس، وعدم التعالي عليهم، وفي هذه الحالة يستطيع إرشادهم وقيادتهم، فالذي يقود من قمة قصره لايستطيع ان يوصل صوته للناس.

القائد الورع

يقول الإمام الباقر (عليه السلام) حول القيادة الرحيمة: (إن الإمامة لا تصلح إلا لرجل فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن المحارم، وحلم يملك به غضبه، وحسن الخلافة على من ولى حتى يكون له كالوالد الرحيم). أي تكون لديه قابلية وجدار يصده ويمنعه عن ارتكاب المحارم، وله القدرة على الوقوف أمام الغضب، وحالة أبوية تنبثق من الرحمة لكي يشعر الفرد أن هناك ارتباط حقيقي بينه وبين القائد.

ويقول الامام الرضا (عليه السلام): (الإمام: الأمين الرفيق، والوالد الشفيق، والأخ الشقيق، ومفزع العباد في الداهية). والداهية هي المصائب الكبيرة التي يدوخ بسببها الإنسان، فيلجأ إلى الإمام محتميا به، كما نلجأ نحن إلى الإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف)، ودائما نطلب منه أن يفرّج عن الموالين لأهل البيت (عليهم السلام).

القيادة الاستشارية

النوع الرابع هي القيادة الاستشارية، كما في الآية الكريمة (وشاورهم في الأمر)، وهي من صفات القائد الناجح، لأن المشاورة تعني التعاون وعدم الانشطار، وتحقق المشاركة العامة، وتساعد الناس على المبادرة والتطور الفكري والعلمي والأخلاقي، والقيادة الاستشارية هي تعددية تنبذ كل أنواع الاستبداد والاحتكار والتهميش، فإذا لاحظنا افتقاد القائد للمشاورة فهو ليس بقائد، بل مجرد مستبد، استولى عليه النقص وشعور شهواني بالكبر والتعالي.

القيادة الأخلاقية

النوع الخامس القيادة الأخلاقية، وهو من أعظم أنواع القيادة، وهي تجمع كل الصفات الأخرى وقد قال الله تعالى (وإنك لعلى خُلق عظيم).

المرجع الديني السيد صادق الشيرازي يقول حول القيادة الأخلاقية: (إنّ الظروف في المدينة أتاحت للناس كي يعايشوا أخلاقيات وسيرة النبي صلى الله عليه وآله العطرة، ومنها تعامله مع الأسرى الذين لا والي لهم، وإيثاره وتضحياته، كما عايشوا ولمسوا خصائصه وشمائله العظيمة صلى الله عليه وآله حتى تيقّنوا أنه جاء لسعادتهم، وقد قال الله تعالى عن إقبال الناس على الإسلام: «ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً»).

هذه هي القيادة الناجحة لأن الإنسان بطبيعته وفي أعماقه وضميره يحب الأخلاق، ولو أننا لاحظنا اليوم المجتمعات المنفرطة المتوحشة، التي تنطوي على نوع من التوحش والفوضى، فإن سبب ذلك هو الحاكم السيّئ لأن أخلاقه سيئة فيفقد الناس إيمانهم بالحياة، ويفقدون إيمانهم ببعضهم ويسود النفاق بينهم، أما إذا كان القائد صاحب أخلاق جيدة من الأمانة والزهد والصدق والتواضع فالناس يتحدون فيما بينهم ويأتلفون ويتعايشون، القائد هو المربي على الفضائل والخير كما فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد استطاع بمعجزة الأخلاق الكبيرة أن يجمع الناس الذين آمنوا به (صلى الله عليه وآله) لإيمانهم بأخلاقه.

القيادة بالعدل والإنصاف والإحسان

النوع السادس القيادة بالعدل والإنصاف والإحسان، يقول الامام علي (عليه السلام): (ثلاثة من كن فيه من الأئمة صلح أن يكون إماما اضطلع بأمانته: إذا عدل في حكمه، ولم يحتجب دون رعيته، وأقام كتاب الله تعالى في القريب والبعيد)، بمعنى يحكم بالعدل بين الجميع وليس له مقرّبين يهتم بهم ويغدق عليهم بالعطايا، فيما يهمّش الآخرين ولا يهتم بهم، وفقدان العدل يعني النزاع والتضاد والصراعات، ولا يصحّ أن يجلس الحاكم في قصره معزولا عن الناس، فطالما لديه حمايات وسيارات فارهة فلا يستطيع الناس أن يلتقوا به.

القيادة بالزهد

النوع السابع القيادة بالزهد والتواضع، قال الله سبحانه وتعالى (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) القصص 83.

إن أية قيادة ليس فيها زهد وتواضع سوف يقول عنها الناس إنها قيادة فاسدة، النزاهة هي عنوان الإنسان الزاهد المتواضع، ولذلك فإن الناس يؤمنون بالقيادة الزاهدة لأنهم يعرفون بأن هذا الحاكم نظيف.

يقول الامام علي (عليه السلام): (هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة، وباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استوعره المترفون... أولئك خلفاء الله في أرضه)، فعلمهم ليس علم مجرّد، وإنما فيه بصيرة ووعي وقدرة على رؤية الحاضر والمستقبل، أي أنهم يرون ما وراء الجدار، وقلوبهم مفتوحة لفهم الحياة والواقع، يعيشون الزهد والتواضع في طريقهم لليقين، اما الماديون فانهم يعيشون الشك والتردد دائما، لأن المادية تحجب قلوبهم، فالمترف يعيش حياة لذيذة مادية، ويصعد السيارات الفارهة ويرفض ركوب السيارة البسيطة ويقول كلا هذه لا تناسب مقامي!، أو هذا المكان لا يليق بي وهذا الأكل لا يناسبني، أو هذا البيت أقل من مكانتي.

الصعود المعنوي والإنساني

أما أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فهم قمة في الزهد والتواضع، وكذلك أولياء الله من الذين وصلوا إلى هذه المكانة، وهم الذين (واسْتَلاَنُوا مَا اسْتَوْعَرَهُ الْمُتْرَفُونَ)، لذلك فإن الصعود المعنوي الكبير تربي الإنسان وتنميه، والصعود الإنساني الكبير يتحقق من عيش الإنسان دائما في حالة الزهد والتقوى، وليس كالمترف الذي يرى الزهد والتواضع والتقوى أشياء صعبة، فيكون قلبه قاسيا ومحجوبا ويحب الحالة المادية دائما.

القيادة الإستنقاذية

القيادة الإستنقاذية، وهي القيادة التي تستنقذ البشر وهي قيادة متواصلة ومترابطة بين الماضي والحاضر والمستقبل، وتكون في عملية استنقاذ مستمرة، سواء كان هذه القيادة موجودة أو نعيش ذكراها.

عندما نزور الإمام الحسين (عليه السلام) نقرأ في زيارة الأربعين: (أَكْرَمْتَهُ بِالشَّهادَةِ وَحَبَوْتَهُ بِالسَّعادَةِ، وَاجْتَبَيْتَهُ بِطيبِ الْوِلادَةِ، وَجَعَلْتَهُ سَيِّداً مِنَ السادَةِ، وَقائِداً مِنَ الْقادَةِ، وَذائِداً مِنْ الذّادَةِ، وَأَعْطَيْتَهُ مَواريثَ الأَنْبِياءِ، وَجَعَلْتَهُ حُجَّةً عَلى خَلْقِكَ مِنَ الأَوْصِياءِ، فَأعْذَرَ فىِ الدُّعاءِ وَمَنَحَ النُّصْحَ، وَبَذَلَ مُهْجَتَهُ فيكَ لِيَسْتَنْقِذَ عِبادَكَ مِنَ الْجَهالَةِ وَحَيْرَةِ الضَّلالَةِ...).

هذا هو دور الإمام المعصوم الذي يتمثل باستنقاذ الناس من ضلالة المستنقعات التي يخوضون فيها كالذنب، المعصية، الجهل، وانتشالهم من واقعهم المتأزِّم.

فالإمام الحسين (عليه السلام) ممتد من الماضي في قيادة استنقاذية مستمرة، في ذلك الوقت استنقذ الناس من الوقوع المميت في حبائل بني أمية وكشف حبائلهم، واليوم قوافل الناس والزائرين يستمدون الفهم والعلم والبصيرة والوعي من الإمام الحسين (عليه السلام)، بسبب تلك التضحية الكبيرة التي قدمها، فلابد أن يكون القائد استنقاذيا في قيادته في الحاضر والمستقبل.

وَالعَدْلَ تَنْسِيقاً لِلقُلُوبِ

تقول السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في خطبتها: (فَجَعَلَ اللهُ... وَالعَدْلَ تَنْسِيقاً لِلقُلُوبِ، وَطاعَتَنَا نِظاماً لِلمِلَّةِ، وَإمامَتنَا أَماناً لِلفُرْقَةِ)، فلماذا العدل تنسيق للقلوب ومامعنى التنسيق؟

هناك نقطة مهمة تطرقنا لها سابقا مفادها أن الكون كله قائم على الانسجام والتوازن، فكل شيء له قدر ولا يمكن تجاوزه، فمثلا اذا اقتربت الشمس بمقدر ملمترا واحدا من الأرض ربما تحترق الأرض، فكل شيء له حدوده والكون كله قائم على ميزان محدّد، كذلك الإنسان والمجتمعات قائمة على موازين، تسير في إطار سنن كونية وقواعد اجتماعية، وهذه القواعد الاجتماعية التي يعيشها الناس منبثقة من القواعد التكوينية.

هناك سلسلة من السنن لابد للإنسان أن يتبعها، ويلتزم بها حتى يستطيع أن يعيش بطريقة صحيحة، ويكون في عمق التوازن والانسجام الذي هو اساس الاستقرار.

العدل ينبثق من توحيد الله سبحانه وتعالى، ومن عدله النبوة، ومن النبوة الإمامة، هذه الأمور متناسقة، ومتوازنة والعدل هو الذي يحقق عملية التنسيق أو التناسق، التوازن الذي يضع كل شيء في مكانه ومستواه الصحيح السليم، ولا يجب أن يحدث أي اختلال، فمجرد حدوث الاختلال يحدث الانهيار، لذلك فإن العدل هو تحقيق لهذا الأمر، وتحقيق العدل الكوني أو العدل الاجتماعي، أو العدل التشريعي، أو العدل الأخلاقي.

والقلب هو الوعاء الذي يخزن كل شيء، فإذا عاش في بيئة صحيحة سوف يخزن الأشياء الجيدة، أما إذا عاش في بيئة سيئة فيخزن الأشياء السيئة، والظلم يؤدي بالقلب إلى تخزين كل شيء مظلم، كل شيء سيّئ كالحسد والطمع والغيرة والجشع والأنانية، يخزن القلب كل هذه الأشياء السيئة لأنه لم يعش في بيئة صالحة، ولم يُرّبَ تربية صالحة لكي ينمو بشكل صحيح.

تناظر المدخلات والمخرجات

لكل شيء في الكون والحياة مدخلات ومخرجات، فإذا كان مدخلات الشيء صحيحة، فإن المخرجات سوف تكون صحيحة أيضا، السيدة الزهراء (عليها السلام)، طرحت هذا المفهوم قبل أن تقول (طاعتنا نظاما للملّة)، لأنها تريد أن تثبت بأن العدل اليوم له مخرجات، وله مدخلات، وهو الإمام المعصوم الذي يستطيع أن يحقق العدل ويجمع الناس، بحيث تكون قلوبهم متلائمة منسجمة متحابّة متسامحة فيما بينها، وهذا هو معنى التنسيق.

التنسيق كلمة جميلة فيها بعد نظري وبعد عملي، البعد النظري يدل على ان كل شيء نراه متناسقا سوف نحبه، والطاقة الإيجابية عند الإنسان تتفاعل مع التناسق، على عكس الفوضى، فالإنسان الذي يعيش الفوضى سوف تصبح لديه طاقة سلبية، لذلك التناسق أو العدل جميل ولابد أن تكون مدخلاته صحيحة ونعني بذلك الإمام المعصوم، ومخرجات هذا العدل هي تنسيق القلوب المتلائمة.

لنعكس المعادلة الآن، فإذا كانت المدخلات سيئة وحدث انحراف بسبب الحاكم المنحرف، ستؤدي إلى الظلم وهذا بدوره يؤدي إلى مخرجات سيئة ينتج عنها التنافر والتنازع والتنابز والحروب والأزمات والعنف، لأن كل شيء له سبب فهناك مدخلات ومخرجات، لذلك السيدة الزهراء (عليها السلام) تؤكد على هذا الشيء لأن الإمام المعصوم هو الذي يحقق العدل ويستطيع أن يملأ قلوب الناس بالمحبة والتضامن والتعاون.

فالتعاون هو الذي يحقق الاستقرار في حياة الناس، (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، وإذا لم يكن هذا النوع من التعاون موجودا، سوف يؤدي ذلك إلى التعاون مع الباطل والانشقاق والعنف والآثام الكبيرة.

أهمية العدل الواقعي في حياتنا

المهم جدا أننا نبحث في حياتنا على العدل الواقعي، ولا نذهب وراء أمزجتنا، لأنها خطرة وتتنافر مع نظام الكون، فإذا رأيت شيئا جيدا سوف تحبهُ، لأنه تحصل عملية تناسق بين قلبك ومع الشيء الذي أحببته، فيؤدي ذلك إلى منحك الطاقة الإيجابية، أما إذا تنافرت مع شيء ما، فينتج عن ذلك طاقة سلبية.

ان تنسيق القلوب هو أساس تحقيق السلم والتوازن والتماسك الاجتماعي ومواصلة عملية بناء المجتمع الصالح، وهذا يتم حين يكون المجتمع موحّدا، والوحدة الاجتماعية يجب أن لا تنتج عن الإكراه والقسر، لنفترض أن قوات الشرطة تنسحب من البلاد، سوف تحدث فوضى وحرق وتدمير وسلب ونهب، لأن الوحدة والتنسيق الذي جمع بين الناس هو الإكراه والقوة، والخوف من الشرطة.

لذلك فإن الدول التي تعيش على ظاهرة التخويف من الشرطة والخوف من القانون لتحقيق أمنها، تفشل دائما، الحقيقة الجوهرية لتحقيق الامن تكمن في القناعة والايمان بالقانون والعدل الذي يحقق الاجتماع بين الناس، والقائد الأخلاقي هو الرحيم النموذج بالزهد والتواضع، فيؤلف بين القلوب وينسقها بالانصاف والإحسان.

* سلسلة حوارات تبث على قناة المرجعية تحت عنوان (جواهر الأفكار)

اضف تعليق