الشخص اللامبالي وغير المهتم، تدميري وإن كان لا يشعر بذلك، لأنه بهذه الطريقة من العيش ومواصلة الحياة، يسعى لتجاوز القيم أو يقوم بتحويرها، أو جعلها طريقا لتحقيق مآربه، وهذه من أكبر المخاطر لأنه يقوم بتحوير المبادئ بما يخدم مصالحه الخاصة، فيتجاوز حالة الصدق ويحاول أن يبرر ذلك بالإيهام والتزييف...
(ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون)
هنالك الكثير يعتبرون اللامبالاة نوعا من الاخفاق المبكر أو الاستسلام دون التفكير بالحلول تجاه أي شيء.. لماذا لا نهتم، هل هناك أسباب كثيرة وراء اللامبالاة، وهل من تفسيرات على الصعيد المستقبلي، وما هي النتائج المترتبة على اللامبالاة؟
في سلسلة المقالات السابقة ناقشنا في المقال السابق عبودية التكنولوجيا، حيث أصبح الإنسان ميالا بشكل واضح نحو المشوشات التكنولوجية، ونحو ضياع جزء كبير من وقته في هذه الميول والانشغالات، مما جعله في حالة تيه، وكذلك تضاعف الاستخدام غير المفيد للتكنولوجيا، مما قد يولد انحرافا عقائديا، نستكمل الكلام من خلال تناول النتائج التي تفرزها ظاهرة اللامبالاة فرديا واجتماعيا.
خطورة الانحراف العقائدي
حين تطرقنا للمشوشات المادية، ذكرنا أنها تُفاقم حالة اللامبالاة وعدم الاهتمام بالمسؤوليات الواجبة على الإنسان، ومن أكبر الانحرافات التي تتسبب بها تلك المشوشات هي الانحراف العقائدي، فلماذا تؤدي اللامبالاة إلى الانحراف وخصوصا الانحراف العقائدي؟
هذه الظاهرة تدفع بالإنسان نحو عدم الالتزام بالمسؤوليات، وعندما يتخلى الإنسان عن مسؤولياته، سوف يؤنّبه ضميره، بسبب الفطرة الموجودة عند الإنسان، حيث تطالبه بأن يكون مؤمنا وملتزما ويسير في الطريق المستقيم وعدم الانحراف، فيحاول بطريقة معينة أن يتلاعب في داخل نفسه لكي يستطيع يوقف الفطرة المضادة لانحرافه، لكن الوخز والتأنيب الداخلي يبقى في ضميره ويؤثر عليه مهما حاول ان يحجبها.
العيش في إطار الحقيقة النسبية
على سبيل المثال هناك من يريد يعيش في الحياة بطريقته الخاصة، من خلال زعمه بان الحقيقة هي حقيقة نسبية في محاولة لإخلاء نفسه من الالتزام العام واللامبالاة تجاه أي قضية لاترتبط بنفسه وحريته الشخصية واطاره الخاص. فإحاطة تفكيره بالحقيقة النسبية تجعله يسلك طريق التبرير لأي عمل يعمله، فالبعض من الناس يريد أن يرتكب خلافا او حراما كأن يسرق او يكذب او يخون، أو يترك واجبا. فيحاول ان يتلاعب بنفسه ويخدعها مبررا للذنوب ومحللا للحرام متنصلا عن الواجبات، لكنه يبقى ان الضمير هو مطلق لايقبل بالنسبيات فيذكّره بأن ما قام به خطأ كبير لايمكن للتبريرات ان تغطيه. فعن الامام الصادق (عليه السلام): (يستيقن القلب أن الحق باطل أبدا، ولا يستيقن أن الباطل حق أبدا).
ومثل هؤلاء الاشخاص الذين يحاولون استبدال الحقيقة المطلقة بالحقيقة النسبية، فانهم يستبدلون الواقع بالوهم، مثل ما يقع فيه بعض الفلاسفة في السفسطة حين يقولون بأن كل شيء هو محض خيال، فالحقيقة النسبية تعني الخيال والوهم وتحريف للواقع. فهناك حق وباطل وواقع لا يمكن تحريفه وحقيقة مطلقة لا يمكن ليّها، والكثير من الفلاسفة والمفكرين والعلماء يؤكدون على وجود الحقيقة المطلقة، ولدينا واقع واحد، لأن الإنسان إذا سار في طريق الحقيقة النسبية خلقت اوهامه نسخا لا تعد ولا تحصى من الواقع. قال الله تعالى في كتابه الحكيم: (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون).
هشاشة البنية التحتية الثقافية
وهناك من يريد أن يفسر النص بطريقته الخاصة، وأنه يفهم من هذا النص بأن الحجاب ليس واجبا، لكنه في قرارة نفسه يعرف بأن الحجاب واجب ومع ذلك يريد أن يبرر لزوجته أو ابنته كي تخلع الحجاب، وهذا بسبب الانغماس الكبير في الحياة المادية والترفية، والتأثر بالتكنولوجيا والثقافات المستوردة، لأن بعض الناس لا يمتلك الحصانة المطلوبة ولا العلم الذي يكفيه لصد الغزو الثقافي والمعرفي الذي يلتهمه، لأنه لا يمتلك البنية التحتية التي تساعده بالوقوف ضد هذا النوع من الغزو، فهو لم يحضر المجالس الدينية والعلمية والثقافية ولم يقرأ كتبا، ولم يبحث عن المعرفة بشكل جاد، مستغرقا في الهامشيات والجانبيات.
هذا النوع من الناس عندما يتابع فضائية تحاول تغيير الثوابت فيتأثر بالأفكار السيئة، وهذا دلالة على أنه لم يهتم بنفسه ثقافيا أو علميا أو دينيا، ولم يهتم بأبنائه أيضا كي يتحصنوا ضد الغزو الثقافي، وهذا هو عين اللامبالاة، المهم لديه هو أن يأكلوا ويشربوا ويعيشوا بهذه الطريقة، وهذا النوع من الناس عندما يصطدم بتلك التكنولوجيا التي تقدم معرفة زائفة، سوف ينهار وينزلق في طريق الانحراف، لاسيما الانحراف العقائدي لا سمح الله، وينكر الكثير من الثوابت بسبب التشويش الثقافي والعقائدي عليه.
عن الامام علي (عليه السلام): (ألا وإنه من لم ينفعه الحق ضره الباطل، ومن لم يستقم به الهدى جار به الضلال).
أي أنه يمضي به نحو الانزلاق في التيه والضلال، لأن من لا يعمل بالحق، سوف يعمل بالباطل، والإنسان اللامبالي الذي يعيش في إطار حقائقه الذاتية لا يعمل بالحق، وحتى لو وقف في منطقة الحياد فإنه سوف يسقط في الباطل، وكذلك من لا يسير في طريق الهداية سوف يسقط في طريق الضلال.
فمن يبالي في عمله فهو يسير في طريق اليقين، ومن لا يبالي يسقط في الشك أو عدم اليقين، وهذا يدمّر الإنسان، لأنه حين يضع رأسه على الوسادة ليلا ويعيش حالة الشك، فإنه يبقى تائها ولا يعرف ماذا سيحصل في الصباح، ولكن الاهتمام والمبالاة قد تضع الإنسان في طريق اليقين، وهذا مهم جدا لحياة الإنسان وصحته النفسية والعقائدية.
يقول الامام علي (عليه السلام): (إِنَّ الْمُؤْمِنَ يُرَى يَقِينُهُ فِي عَمَلِهِ والْكَافِرَ يُرَى إِنْكَارُهُ فِي عَمَلِهِ).
ما هي علامات الموقِن؟
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال: (أما علامة الموقن فستة: أيقن بالله حقا فآمن به، وأيقن بأن الموت حق فحذره، وأيقن بأن البعث حق فخاف الفضيحة، وأيقن بأن الجنة حق فاشتاق إليها، وأيقن بأن النار حق فظهر سعيه للنجاة منها، وأيقن بأن الحساب حق فحاسب نفسه).
لذلك على الإنسان أن يتجنّب الوقوع في الفضيحة لأنها سوف تجرّه إلى فضائح أخرى، أما في الآخرة فإن الفضيحة سوف تكون اكبر بكثير. واللامبالي لا يحاسب نفسه، ولا يسير في طريق الجنة بل في الطريق المبعثر، ويبقى مترددا متشككا، وتأخذه الأهواء شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، ولا يعرف إلى أين يسير.
محاسبة النفس تعني اهتمام الإنسان بنفسه وحياته وآخرته ومسؤولياته، والمحاسبة من صفات الإنسان المهتم والمبالي، لأن من لا يبالي لا يحاسب نفسه على عمله.
يقول سماحة المرجع آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كلمة في هذا الإطار: (معنى التديّن: أن تراعَى جميع جوانب الدين، دون الالتزام الجزئيّ به. فالدين الذي ينتهي إلى منتصف الطريق لا يُسمّى ديناً، ولا يعالج أمراً، ومن ثم فإنّ ثمرة الدين وفائدته ونتائجه الإيجابيّة إنّما تتّضح وتتبلور حينما تحظى جميع مسائل الدين بالاهتمام اللازم).
بمعنى يجب الالتزام بكل الدين وليس ببعضه، مثال ذلك يصلي ولا يذهب للحج وهو قادر على ذلك، أو لا يعطي الخمس، مثل هذا الإنسان غير مبالي، كيف يمكن أن يصلي وهو لا يعطي الحقوق الشرعية المترتبة عليه شرعيا؟
لماذا يريد الإنسان أن يعيش لنفسه؟
بعض الاشخاص يرغب أن يكون الدين وفق مزاجه الشخصي، وهو يريد أن يعيش لنفسه فحسب، وبعضهم يتخذ من الدين وسيلة لتحقيق شخصيته الشكلية، أي حتى يظهر للآخرين بأنه متدين، ولكنه في الحقيقة هو غير ملتزم، والذي يتعامل مع الدين بطريقته الخاصة سوف يرتكب أخطاء كثيرة وكبيرة جدا، وسوف ينزلق في طريق الانحراف، وكلما بلغ مرتبة في عمله الإنكاري سوف يمضي إلى مرتبة أعلى وهكذا، حتى يبلغ إنكار الثوابت، وإن كان لا يعلن ذلك، وهذه من صفات الشخص الذي لا يبالي ولا يهتم.
اللامبالاة وانحلال القيم
هناك نقطة أساسية يمكن أن نلاحظها لدى الشخص اللامبالي وغير المهتم، تتعلق بحالة التدمير الذاتي، فهو تدميري وإن كان لا يشعر بذلك، لأنه بهذه الطريقة من العيش ومواصلة الحياة، يسعى لتجاوز القيم أو يقوم بتحويرها، أو جعلها طريقا لتحقيق مآربه، وهذه من أكبر المخاطر لأنه يقوم بتحوير المبادئ بما يخدم مصالحه الخاصة، فيتجاوز حالة الصدق ويحاول أن يبرر ذلك بالإيهام والتزييف، فإذا كان صاحب دكان سوف يخدع المشتري ويرى أنه بتصرفه هذا على حق رغم أنه يغش ويخدع المشترين!!
الربحية على حساب الآخرين
يبرر ذلك بأنه يريد أن يربح ويسترزق، ولا مشكلة لديه حتى لو تم ذلك على حساب الصدق والامانة، لكن التجاوز الذي يحصل على المبادئ سوف يدمر حياة هذا الشخص وان كان لايشعر وقتيا، وهكذا فإن سلوكيات اللامبالاة تؤدي إلى انحلال القيم مما يؤدي الى تطور حالات الأنانية والنرجسية والعيش خارج إطار الالتزام المسؤول، وهذا يقود إلى حالة بؤس متصاعد في المجتمع، جاء في القرآن الكريم (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) سورة طه/ آية 124. لأن حالة انحلال القيم والبؤس تؤدي إلى الاختلال الاجتماعي.
ففي وجود القيم يكون المجتمع متماسكا، أما في حال ساد الكذب أو الخيانة في المجتمع فسوف تنعدم الثقة وهي أساس قوة الترابط الاجتماعي، ولو انعدمت الثقة انعدم كل شيء واختلَّ المجتمع، لان منظومة القيم لها دور كبير في عملية بناء السلم الاجتماعي، وفي بعض المجتمعات توجد عصابات ومافيات (وسلّابة) ولصوص وفاسدين، لوجود اختلال في القيم وغياب الثقة.
حينئذ تسود قوانين الغاب ومنها (إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب)، وهذا يؤدي إلى تصاعد البؤس، وظاهرة الجريمة والمخدرات والكحوليات وكل الظواهر السلبية التي يؤدي نموها إلى تدمير القيم الصالحة التي يعيش بها المجتمع. خلاصة القول، الانحلال يؤدي إلى الاختلال.
متى تجفّ مشاعر الإنسان؟
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): (مِنْ عَلَامَاتِ الشَّقَاءِ جُمُودُ الْعَيْنِ وَقَسْوَةُ الْقَلْبِ وَشِدَّةُ الْحِرْصِ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا وَالْإِصْرَارُ عَلَى الذَّنْبِ)، أي يعيش الإنسان بلا مشاعر، وحين تنتهي المشاعر ينتهي التعاطف الإنساني، وينتهي التكافل والعطاء، وتسود قسوة القلب، ويصبح القلب كالحجارة بل أشدّ مع فقدان تام للرحمة، علما أن الله تعالى خلق الكون برحمته الواسعة، وهو الرحمن الرحيم، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون).
بماذا تملأ القلوب؟
القلب هو وعاء فارغ قد يُحشى أو يُملأ بالأعمال الصالحة فيعبر عن نورانية المشاعر، وقد يملأ بالذنوب والمعاصي، فيعبّر عن جمود المشاعر وظلاميتها، فيكون قلبه كالحجارة في تعامله مع الآخرين، وجمود العين وقسوة القلب وشدة الحرص في طلب الدنيا هو الذي يزيد الإنسان إصرارا على الذنب، ولا يمكن أن يعترف بذنبه أو أخطائه مطلقا، لأنه يعيش بطريقته الخاصة ولا يعيش وفق طريق الله تعالى، بل يصل البعض الى طريق (أنا ربكم الأعلى) وان كان بأساليب مختلفة.
لذلك لابد من ملء وعاء القلب بالقيم الجيدة، لكي يستطيع الإنسان أن يكون إنسانا حقيقيا عميقا، قادرا على التفاعل مع الحياة الجميلة الطيبة، لأن الحياة جميلة وطيبة ولذيذة وصالحة وسعيدة بشرط أن يملأ قلبه بالأمور الطيبة والصالحة، يقول الامام الصادق (عليه السلام): (آه آه على قلوب حشيت نورا)، ولا يملأه بالحرص على الدنيا والتكالب على المال والسلطة ويكذب ويسرق ويفسد ويستبد، كل هذه الأمور تجعل قلبه أسودَ مظلما وبالتالي يصبح قاسيا لايخرج منه الا الشر.
اللامبالاة توصل الإنسان للشِرْك
قال الامام الصادق (عليه السلام): (أَنَّ رَجُلًا مِنْ خَثْعَمٍ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله)، فَقَالَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَبْغَضُ إِلَى اللَّهِ عَزَّوَجَلَّ؟ فَقَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: قَطِيعَةُ الرَّحِمِ، قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: الْأَمْرُ بِالْمُنْكَرِ والنَّهْيُ عَنِ الْمَعْرُوفِ).
فحين يقول بعضهم (أنا ربكم الأعلى) فإن اللامبالاة تؤدي بالنتيجة إلى الانحراف وتوصل بالإنسان إلى الشرك بالله، وإلى الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف.
كيف تؤدي اللامبالاة إلى موت الأخلاق؟
الفرق بين القيم والأخلاق أن القيم هي مبادئ، أما الأخلاق فهي سلوكيات، وهذا الفرق مهم جدا ولابد أن نلاحظه جيدا، هناك بعض الناس يؤمن بهذه القيم لكن سلوكه غير أخلاقي، ولابد أن يحدث تكامل وتطابق بين القيم والأخلاق لضمان سلوكيات صالحة، لذلك هناك بعض الناس قد يبالي بالقيم لكنه لا يبالي بسلوكياته، بمعنى إنه إنسان فوضوي، وهذه السلوكيات الفوضوية التي تحدث في بعض المجتمعات تؤدي إلى اختلال المجتمع وتفكك العلاقات الاجتماعية، والنتيجة سيفقد المجتمع سلمهُ وسلامه بسبب السلوكيات السيئة.
الحيادية والوقوف على التل
هناك جانبان في اللامبالاة، الجانب السلبي والجانب العدمي، الجانب السلبي بمعنى الترك أو التخلي، والتفرّج والوقوف على التل والحيادية، بمعنى هو لا يفعل شيئا ويعيش حياته الخاصة، يأكل ويشرب ويتحرك بمفرده ولا علاقة له بالآخرين، في بعض الدول يسمون هذا التصرّف بـ (الجلوس على الكنبة)، وهذا الجانب السلبي خطير جدا، لأنه يعني عدم الفعل وبالتالي الوقوع في الضلال والانضمام للباطل.
أما الجانب العدمي فهو فعل معاكس للاهتمام والمبالاة واختيار بالفعل والعمل للجانب الآخر، وان كان تخريبا وتدميرا بالقول بأننا نريد أن نعيش دنيانا مهما كانت الوسائل. لكن التفكير بهذه الطريقة يؤدي الى موت الأخلاق واستفحال السلوكيات السيئة، ومن ثم تدمير العلاقات الاجتماعية.
الأخلاق ليست بالضرورة مرتبطة بالدين، فحتى المجتمعات التي ليس لديها إيمان بالدين وتعمل بالأخلاق سوف تنجح، يقول الإمام علي (عليه السلام): (فهب إنه لا ثواب يرجى ولا عقاب يتقى، أفتزهدون في مكارم الأخلاق).
فمكارم الأخلاق هدف إنساني واجتماعي عظيم، فحتى لو كان الإنسان بلا دين، فلابد عليه أن يلاحظ أخلاقه لكي يتمكن من العيش، فمن غير المعقول أن يعيش الإنسان في مجتمع تسوده السلوكيات السيئة، مثل عدم احترام النظام، فحين نلاحظ عدم وجود النظام في الشارع، هذا يدل على عدم وجود الأخلاق لأنها تعني النظام، لذلك تعمّ الفوضى وكثرة الحوادث المميتة بسبب شخص مستهتر وغير مبالي ولا يهمه ما يحصل للآخرين.
رسول الله (صلى الله عليه وآله): (عليكم بمكارم الأخلاق، فإن الله بعثني بها، وإن من مكارم الأخلاق أن يعفو الرجل عمن ظلمه، ويعطي من حرمه، ويصل من قطعه، وأن يعود من لا يعوده).
كل هذه الكلمات تركز على التواصل الاجتماعي، وعدم القطيعة لأن التواصل بين الناس هو الذي يضمن قوة الترابط الاجتماعي، وفيه أشكال كثيرة منها صلة الأرحام، والحوار المتبادَل، والتعايش والتفاهم وعدم الزعل وترك الصراعات ونبذ النزاعات واستخدام اللاعنف في تعاملاتنا المتبادَلة، ولا نتصادم مباشرة على أقل خلاف أو اختلاف في وجهات النظر.
فن التواصل والتعايش
إن التواصل يجب أن لا ينحصر في الأمور الشكلية فقط، وإنما يجب أن يكون قلبي متسامحا تجاه الآخر، فالعفو يعني أن تتنازل عمّن أساء لك، أما الصفح فيعني أنك تقلع الكراهية من قلبك تجاهه، لذلك التواصل بين الناس مهم جدا، واللامبالاة هي التي تقود إلى عدم التواصل، ويصبح كل إنسان يعيش حالة من الفردية والقطيعة والانعزالية ومن ثم التفرّج فقط وعدم المشاركة الوجدانية والتفاعل الاجتماعي، لأنه لا يمتلك الاستعداد اللازم لمراعاة الآخرين، وحين يجلس معهم فهو غير مستعد للتحاور الجميل والمفيد معهم، بل يريد أن يخلق التصادم والصراع غير المجدي.
المؤمن هو الذي يصل من قطعه، بمعنى انه يتفاهم ويستمع جيدا للآخر من أجل الوصول إلى نتيجة إيجابية، ولكي يبقى التواصل مستمرا، وإذا كان أحدهم حرمك من شيء فعليك التصرف عكس ذلك ويكون عطائك واصلا، لأنك في هذه الحالة تحقق غاية اجتماعية كبيرة، وتحقق نضجا ذاتيا في نفسك حين تقلع من قلبك الكراهية أو التكدّر لكي تعيش بسلام. لذلك هؤلاء الناس الذين يعيشون حالة الكراهية المستمرة، يعانون من حالة استنزافية مستمرة، وهم بذلك إنما يستنزفون دواخلهم ومشاعرهم وافكارهم واجسادهم.
اضف تعليق