في ثروة الوقت، حيث إن الإنسان المتحضر، يعتبرها وعاء كل عمل، لذلك فهو يسعى بكل إمكاناته، إلى الاستفادة من هذه الثروات، وتوفير كل أسباب استثمار هذه الثروة. أما الإنسان المتخلف، فهو يتعامل مع ثروة الوقت باستهتار وعدم مبالاة. لذلك تمر عليه الأيام دون أدنى فائدة...
لعل ما يفرق الإنسان المتحضر، عن الإنسان المتخلف، أن الأول يستفيد من كل الإمكانات والطاقات والثروات في حياته. بحيث لا تهدر طاقة، أو يتم الإسراف في ثروة. وإنما هو يتعامل مع هذه الأشياء، باعتبارها وسائل ضرورية لإنجاز ما يتطلع إليه. لذلك فهو يجتهد ويبذل قصارى جهده، من أجل الاستفادة القصوى من هذه الامكانات والثروات.
وبفعل هذا الاهتمام الجاد، تتحول الامكانات القليلة، إلى وسائل فعالة في تحقيق التطلع، ويتم الاستفادة من أدنى الثروات بشكل متكامل.
أما الإنسان المتخلف، فهو يبعثر الامكانات والطاقات، ويضيع الثروات، ولا يستفيد منها بأي شكل من الأشكال. بل تتحول لديه نعم الطبيعة وثرواتها، إلى وسائل لهدر طاقاته كإنسان مستخلف في هذه الأرض.
وبفعل هذه المفارقة الحضارية، بين الإنسان المتحضر، والإنسان المتخلف، يكون دور الأول، البناء والتعمير والتطوير والإنتاج وزيادة الثروات. أما الثاني فدوره الهدم وإيقاف حركة النمو، وتعطيل عوامل التطور، وزيادة الاستهلاك دون أدنى قاعدة إنتاجية.
وتتضح هذه المفارقة بشكل جلي، في ثروة الوقت، حيث إن الإنسان المتحضر، يعتبرها وعاء كل عمل، لذلك فهو يسعى بكل إمكاناته، إلى الاستفادة من هذه الثروات، وتوفير كل أسباب استثمار هذه الثروة.
أما الإنسان المتخلف، فهو يتعامل مع ثروة الوقت باستهتار وعدم مبالاة. لذلك تمر عليه الأيام دون أدنى فائدة.
وعلى هدى هذه المسألة ينبغي أن نولي أهمية خاصة إلى ثروة الوقت، بحيث نتعامل معها باعتبارها ثروة حقيقية بإمكانها لو استثمرناها أن تضيف إلى إمكاناتنا إمكانات إضافية.
وعلى حد تعبير الدكتور (مصطفى الفقي) في كتابه (الرؤية الغائبة)، أن إحساسنا بالزمن يمثل جوهر التغير إلى الأفضل، والاتجاه نحو حياة العصر بمعطياته وتحولاته، بينما يصبح نقص الوعي بقيمة الوقت وابتعادنا عن مجريات الأمور زمانا بمثابة عزلة حقيقية تقودنا نحو الانفصام الكامل عن عالم يتطور بسرعة مذهلة ويتقدم بشكل يكاد يكون يوميا في ظل مقولة مؤكدة مؤداها أن حالة الثابت افتراض نظري بحت، فإنسان العصر يبدو كمن يسبح ضد التيار، إما أن يقهره ويتقدم أو أن يستسلم له ويتقهقر، وفي الحالتين يستحيل التوقف عند نقطة بذاتها، لأن معدلات الحركة - في كون يبدو كالقرية الصغيرة - لا يمكن أن يسمح بجزر منعزلة تعيش بإيقاع مختلف عن منظومة العصر. والإحساس بالزمن يمثل في الحقيقة مفهوما نسبيا يختلف بين الحضارات ولاتتفق عليه الثقافات، ويخضع في النهاية لعوامل تتصل بالتراث القومي، والنظرة للآخر، والوعي بموقعنا على خريطة الزمان والمكان.
فالأمريكيون يستثمرون (30%) من الوقت اليومي في النوم، ويستثمرون أقل من الربع في العمل وأكثر من الربع في مشاهدة التلفزيون والاستماع إلى المذياع وما تبقى من الوقت بعد ذلك وهو أقل من 17% يتوزع بين كل الأنشطة الأخرى.
بدءا من تناول الطعام (8،4% من الوقت) وحضور المباريات الرياضية (6،3%) وكذلك (6،3%) لقراءة الكتب ومثلها في قراءة الجرائد والمجلات، وحضور العروض الثقافية، وثلت هذه النسبة الأخيرة لحضور العروض السينمائية.
ويعمل الأمريكي (40) ساعة في الأسبوع، ويتناول طعامه في ثماني ساعات خلال الأسبوع كله، أي إنه لا يصرف في الأكل إلا ساعة وثماني دقائق ونصف الدقيقة في اليوم موزعة على الوجبات الثلاث.
وقراءة الكتب والجرائد والمجلات تبلغ في أمريكا (11) ساعة ونصف الساعة في الأسبوع من إجمالي (168) ساعة أسبوعيا أي حوالي (7%) من الوقت.
ويختص الإنتاج بأربعين ساعة أسبوعيا من وقت الفرد سواء كان عدد أيام العمل الأسبوعية خمسة أيام أو ستة.
فأين نحن من هذا النمط في توزيع أوقاتنا، والاستفادة منها، وقد قال الشاعر:
الدهر أقصى مدة،
من أن يمحق بالعتاب
فتنغم الساعات منه، فمرها مر السحاب
وينبغي القول في هذا الإطار، أن الثروات التي وهبها الله للإنسان ليست محصورة في ثروات الأرض والطبيعة، وإنما تتعدى ذلك وتصل إلى الكثير من القضايا والأمور.
فالصحة ثروة بالنسبة إلى الإنسان، لأنه لا يمكن أن يقوم بأي جهد وعمل، إذا لم تتوافر لديه هذه الثروة.
ومن الثروات المهمة، والتي قد لا نلتفت إليها، هي ثروة الوقت. فالزمن من الثروات المهمة في حياة الإنسان، بحيث إنه لا يمكن أن يقوم بأي عمل، إذا لم يستثمر بشكل جيد هذه الثروة، ومعادلها الموضوعي هو الحياة والوجود، أما نقيضها فهو الموت والعدم.
والذي يؤكد ضرورة الاستثمار الأفضل لهذه الثروة، هو إنها ثروة قابلة للنضوب، بمعنى أن اليوم الذي يمر على الإنسان، لا يرجع أبدا، حتى إن اتحدت الأسماء.
وقد ورد في الجامع الكبير للسيوطي إنه «ليس من يوم إلا وينادى: يا ابن آدم أنا خلق جديد، وأنا حينما تعمل في عليك شهيد، فاعمل في خيرا أشهد لك له، فإني لو مضيت لم ترني، ويقول الليل مثل ذلك».
وكما قيل إن الوقت، هو الشيء الأطول والأقصر في آن واحد، والأسرع والأبطأ معا، والذي نهمله جميعا ثم نأسف عليه، ولا شيء يمكن أن يتم بدونه، انه يبتلع كل ما هو صغير وينمي كل ما هو عظيم.
ويقول في هذا الصدد الدكتور (هشام الطالب) إن إضاعة (15) دقيقة كل يوم تعني إضاعة (11) يوما كاملا كل عام، كما أن إضاعة نصف ساعة كل يوم تعني إضاعة (22) يوما كاملا، وهي مدة تزيد على شهر عمل إذا ما حسبنا أيام العطلات.
لذا يؤمن رجال الأعمال بقاعدة (الوقت يساوي المال). ونحن نمنع الآخرين من سرقة أموالنا، لكننا نسمح لهم بسرقة أوقاتنا، بيد أن الوقت يفوق المال في قيمته لأنه حياتنا، فالوقت هو الحياة.
وبإمكاننا القول، إن من يمتلك الوقت، بمعنى استثماره والاستفادة منه بصورة مثلى، هو الذي يستطيع، أن يسيطر على حاضره ويصنع مستقبله.
ولنتذكر جميعا أن من استوى يوماه فهو مغبون.
اضف تعليق