نتائج الانتخابات المبكرة في العراق افرزت عدة متغيرات بعضها جديدة، واخرى قديمة وزادت رسوخا، لكنها اكدت ان القوائم التي يحدث ارتباك بسيط في زعامتها تسقط سقوطا حرا، لذلك اذا ارادت التيارات والاحزاب السياسية تحقيق مكاسب اكبر، فعليها اولا وبشكل اساسي صناعة زعيم كاريزمي او هو يصنع نفسه...
نتائج الانتخابات المبكرة في العراق افرزت عدة متغيرات بعضها جديدة، واخرى قديمة وزادت رسوخا.
الجديد في هذه الانتخابات فوز التيار الصدري بأكبر عدد من مقاعد مجلس النواب بواقع ٧٣ مقعدا بحسب النتائج الاولية التي اعلنت عنها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، وهذا الفوز جعل التيار الصدري يحقق امورا لأول مرة:
١. هذه هي المرة الاولى التي يفوز فيها التيار الصدري بهذا العدد من مقاعد مجلس النواب بصفته قائمة انتخابية منفردة.
٢. انها المرة الاولى التي يكون التيار الصدري القائمة الانتخابية الاكبر عددا في مجلس النواب.
3. لأول مرة يعلن التيار الصدري صراحة عن نيته تشكيل حكومة صدرية، بل و"صدرية قح"، كما يحلو لزعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر تسميتها.
بالنسبة للفائزين الاخرين الذين كانوا خلف التيار الصدري فلا تكاد تكون هناك مفاجأة تذكر، عدد مقاعدهم كان متوقعا، مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي حاز على ٣٣ مقعدا، وقائمة تقدم بزعامة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي بـ٣٨ مقعدا، وائتلاف دولة القانون بـ٣٧ مقعدا.
كل هذه القوائم الفائزة لديها عنصر مشترك، وهو "الزعامة الكاريزمية"، وتبدو هذه اساس النجاح لجميع القوائم التي حازت المراكز الاولى.
زعامة عقائدية متوارثة
السيد مقتدى الصدر يمثل هذا الاطار من الزعامة، فهو يعتمد على الارث الذي خلفه والده في مقارعة الظلم والطغيان، فضلا عن تفوقه في مجال البحث الديني.
كما ورث السيد الصدر من والده جمهورا عقائديا مطيعا قاموسه خال من كلمة "لا"، فالرفض في القضايا العقائدية مخالفة للدين وهذا غير ممكن.
استطاع السيد الصدر صنع مزيج من هذا الارث، وحول الطاعة الى مواقف سياسية لدى جمهوره، لذلك فهو الان الوحيد الذي يستطيع تحريك الشارع، ووقف حراكه ايضا.
انه صانع الملوك سابقا، ورئاسة الوزراء لا تمرر الا بتوقيعه النهائي، اما الان فهو الملك بيده القراره وخلفه كتلة اكبر، وجمهور مطيع.
زعامة شخصية مع ارث ايدلوجي
هذا النوع يمثله السيد نوري المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون، وهو خلاف لزعامة السيد مقتدى الصدر.
تعكز المالكي على قوة شخيصته السياسية، وقراراته الجريئة، وقدرته على المناورة السياسية، كما انه امتلك تجربة في رئاسة الوزراء افادته في تسويق نفسه على انه افضل من اي رئيس جاء بعده، بحكم الحركة الاقتصادية التي اقنع الجمهور بانه صنعها عبر نظام التوظيف الحكومي والسخاء المالي الذي تميزت به فترة حكمه.
في الجانب الايدلوجي، ورث المالكي حزبا دينيا قديما، يتفاخر دائما بانه يسير على خطى الشهيد محمد باقر الصدر، كما كان الحزب الاقوى في مقارعة نظام صدام حسين.
مزج المالكي بين هذه العناصر فانتج من نفسه زعامة سياسية في مواجهة زعامة السيد مقتدى الصدر، فوظف كل منهما الخلاف بينهما لصالحه، لكن المالكي كان المستفيد الاكبر من هذا الخلاف، فصار اغلب المناوئين للصدر يعتبرون المالكي زعيمهم المنقذ.
زعامة شخصية مع ارث لطائفة دينية
هذا الخط يمثله رئيس مجلس النواب السيد محمد الحلبوسي، قدم نفسه كشخصية سياسية بارعة في عقد الصفقات خلال فترة عمله في المقاولات، ثم تسنمه منصب محافظ الانبار والذي قدمه للانباريين بانه شخص يستحق الاشادة ولو نسبيا مقارنة مع الزعامات السياسية الاخرى.
تسنم رئاسة مجلس النواب، فقدم نفسه كشخصية سياسية عراقية جديدة في حينها، ينبذ الطائفية في خطابه العام لكنه لا ينسى طائفته فهي قاعدته التي يتحرك من خلالها، ويعتقد بانهم ظلموا خلال السنوات السابقة بسبب السياسات الخاطئة للحكومات تارة، ومن قياداتهم السياسية تارة اخرى، ويرى انه من الواجب استعادة حقوق الطائفة السنية من موقع وطني وليس طائفي.
هذا التآلف بين الخطاب الوطني، وخطاب الطائفة رفع من حظوظ الحلبوسي بين ابناء محافظته الانبار فحصد بهم المقاعد البرلمانية، ومن خلال خطابه الوطني العام حصد مكاسب سياسية في بغداد جعلته زعيما مقبولا بعد ان غابت الزعامات السنية.
زعامة قومية متوارثة
الى شمال العراق حيث يسكن رئيس اقليم كردستان السابق مسعود برزاني، ابن الزعيم الكردي الراحل مصطفى البرزاني.
والحديث عن برزاني واسرته يشرح نفسه بنفسه، فهم زعماء البيت الكردي وقادة خط المواجهة الاول ضد كل من يقف بوجه التطلعات الكردية.
في سياسته داخل الاقليم وضع البرزاني اسس دولة مستقلة من كافة النواحي، ولم يتبقى سوى الاستفتاء على الانفصال عن العراق، وهو ما فعله في ٢٥ ايلول ٢٠١٧ لكنه لم يصل الى واحة التطبيق.
فالقومية هي المحور الذي يدور في فلكه البرزاني، وكل صراعاته من بناء الزعامة قائمة على هذا المرتكز.
كما ان للبرزاني ميزة تؤهله للزعامة، وهي وراثته لزعامة كبيرة اسمها مصطفى البرزاني الذي يمثل رمز القضية الكردية.
وبالبحث بالمشتركات بين القوائم الفائزة نجدها ارتكزت على الزعامة الكاريزمية بينما فشلت قوائم انتخابية اخرى لم يستطع قادتها انتاج مزيج من الارث الديني او القومي او الجهادي، مع النشاط السياسي الراهن لترتقي الى مستوى الزعامة.
والانتخابات الاخيرة اكدت ان القوائم التي يحدث ارتباك بسيط في زعامتها تسقط سقوطا حرا، لذلك اذا ارادت التيارات والاحزاب السياسية تحقيق مكاسب اكبر، فعليها اولا وبشكل اساسي صناعة زعيم كاريزمي او هو يصنع نفسه لتطوف حوله الجماهير والمنجزات السياسية للحزب.
اضف تعليق